الحراك الإيراني...رياح في أشرعة "الربيع العربي"

 

تحليل اخباري

عواصم – ا ف ب

يطرح الحراك في الشارع الإيراني اليوم أسئلة أكثر مما يجيب عن أسئلة أخرى. دول تدعم الحراك سراً أو جهراً وأخرى تمسك العصا من المنتصف. شعوب تتطلع وأخرى تخشى تكرار التجربة، وسط مشهد ضبابي لا يتضح معه إلى أين تسير الأحداث.

تتواصل المظاهرات في إيران. مظاهرات يرى محللون ومراقبون أن دافعها الأساسي اقتصادي ما بين بطالة تتزايد يوماً بعد يوم وغلاء ووضع اقتصادي متأزم، مع آمال في تحسن الأوضاع الاقتصادية بعد الاتفاق النووي، ذهبت كلها أدراج الرياح.

وكما في كل المظاهرات التي اندلعت في المنطقة مؤخراً، ومع استمرارها عدة أيام دون حلول جذرية من الحكومات، ارتفع سقف ما يطالب به المحتجون حتى وصل إلى تمزيق صور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية - أعلى رمز ديني وسياسي في البلاد - بل والهتاف ضده، وسط انتقادات عنيفة لنظام الحكم الديني في إيران.

على الجانب الآخر، بدا واضحاً تأييد عدد غير قليل من دول العالم العربي والمنطقة للتظاهرات، سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الشعوب في مفارقة تبدو غريبة، لكن الأسباب ليست واحدة بالقطع.

 الحراك الإيراني.. هل يهز أشرعة "الربيع العربي" مجدداً؟

كيف تفاعلت دول المنطقة مع الحراك الإيراني؟

تخشى الكثير من الأنظمة العربية خاصة الخليجية من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة والسيطرة التي يبسطها على عدد من العواصم العربية، ويبدو هذا النفوذ واضحاً للغاية في اليمن حيث يتم دعم الحوثي بصور مختلفة، وكذا في سوريا، والأمر نفسه في العراق مع دعم التنظيمات الشيعية هناك، ويؤيد ذلك تحركات مكوكية من قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، إلى جانب الدعم غير المشروط والمطلق لحزب الله في لبنان.

كما تخشى الدول العربية والخليجية خصوصاً من انتشار المذهب الشيعي الذي تروج له إيران منذ نجاح الثورة التي قادها خميني وأسس بعدها نظام حكم ولاية الفقيه، ومحاولات تصدير الثورة لدول أخرى وتصاعد الأزمات مع دول المنطقة خصوصا السعودية حتى وصل الأمر بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى القول بأنه سيتم نقل الصراع إلى الداخل الإيراني بعد حصار إيران للسعودية من عدة جهات.

لكن ليست كل الأنظمة على هذه الشاكلة، فدول مثل قطر وتركيا لا تتحمس كثيراً لمثل هذه المظاهرات ويؤيد بعضها فكرة "المؤامرة الخارجية"، حتى أن هذا التوجه يبدو واضحاً في تغطية قناة الجزيرة، ويكفي لإيضاح المشهد عقد مقارنة بسيطة بين تغطية القناة للتظاهرات في مصر أو سوريا وما يحدث في إيران.

وفي مقابلة مع DW عربية، قال الدكتور غسان العطية رئيس المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية إن "موقف الدول العربية المؤيد للمظاهرات لم ينبع من تأييد حقوق الإنسان أو الحريات لأن هذه الأمور غائبة في بلادهم نفسها فكيف بمن لا يمنح الحرية لشعبه أن يؤيد الحرية لشعب آخر"، وأضاف أن أمريكا بإعلانها مساندة التظاهرات أساءت كثيراً للمتظاهرين لأنها أعطت انطباعاً بأن هذه التحركات مدفوعة من قبل جهات أجنبية وهذا ما يضر بالحراك، أما بالنسبة للغرب فتصريحاته كانت أكثر تحفظاً وأعلنت جميع الدول الغربية عن تأييدها لحق التظاهر السلمي للشعب الإيراني".

الجنرال قاسم سليماني- حاضر في مواقع الحدث العربي !؟

من جهته، قال محمد محسن أبو النور الباحث السياسي المصري إن مواقف الدول العربية والإقليمية ليست واحدة فيما يتعلق بأحداث إيران حيث تتنوع ما بين متحفظ كقطر ومؤيد وداعم (للنظام) كسوريا ، أما تركيا  فقد طالب وزير الخارجية الحكومة الإيرانية بالسماح للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم والإفراج عن المعتقلين.

وأضاف أبو النور في مقابلة مع DW عربية أن "تركيا تحاول إمساك العصا من المنتصف وهو ما يتوافق مع مبادئ النظام التركي البراغماتي الذي لا يبجث إلا عن مصالحه وليس مصالح الحلفاء، فالسياسة التركية تعمل وفق القاعدة المشهورة "السياسة مصالح ثابتة واشخاص متغيرين" معنى ذلك أن مصالح تركيا الثابتة مع إيران تريد تركيا الحفاظ عليها بغض النظر عن ماهية النظام الذي يحكم"، أما عن الدول العربية التي يناهض أغلبها إيران فيرى أبو النور أن هناك صمتاً شبه تام وأن هذه الدول قد وفقت تماماً في موقفها ذلك حتى لا يقال إنها تدعم أو تمول التظاهرات، وكي لا يقال إنها تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران وهي الاتهامات التي توجهها هي نفسها لطهران.

موقف الشعوب العربية من الحراك الإيراني

من متابعة مواقع التواصل الاجتماعي يظهر دعم أغلب الشعوب العربية لمظاهرات إيران، فبعد أن فشلت أغلب ثورات "الربيع العربي" والتي واجهتها الأنظمة بعنف شديد نتج عنه خسائر فاقت كل التوقعات، أعادت أغلب هذه الشعوب التفكير في جدوى الأمر، لتأتي تظاهرات الإيرانيين وتشعل الجذوة من جديد.

يقول الدكتور غسان العطية "إن رأي الشارع العربي لا يمكن أبداً معرفته بشكل مؤكد لأن الوصول إليه شبه مستحيل مع الحصار الذي تفرضه الأنظمة الحاكمة خصوصاً مع الإعلام الذي لا يظهر إلا ما يريده النظام وهذا واقع مؤلم، فالخوف كل الخوف أن يقع الصراع السعودي-الإيراني عبر وكلاء في دول مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان لا عبر مواجهة مباشرة بين النظامين، كأن تستخدم هذه الدول من أجل تصفية الحسابات، ما يعني الدخول في مرحلة مقلقة جداً تذكرنا بالربيع العربي الذي بدأ بانتفاضة وتفاءل الناس به ثم إذا به يتحول إلى خريف ممطر مؤلم".

بدوره، يرى محمد محسن أبو النور الباحث السياسي أن الشعوب العربية منقسمة انقساماً عقائدياً وتقيم الأمور بشكل ديني، "فمثلاً شيعة العراق أو البحرين أو لبنان أو سوريا يؤديون تماماً النظام الإيراني بغض النظر عن أي اعتبارات تتعلق بالأمن القومي العربي، لكن الشعوب الأخرى غير الشيعية تناهض إيران تماماً باستنثناء بعض الأوساط الثقافية في الجزائر"، ويضيف أن أغلب الشعوب تؤيد الحراك الإيراني أملاً في إنهاء المد الشيعي والتدخل الإيراني في الدول العربية المحيطة.

وماذا بعد التظاهرات؟

وإذا افترضنا جدلاً بأن التظاهرات في إيران قد اتسعت لتتحول إلى ثورة شعبية حقيقية، قد تؤدي إلى تغيير النظام في إيران، فكيف سيصبح المشهد الإقليمي؟ وهل يمكن أن تستقر الأمور في المنطقة بعدها؟

يقول الدكتور غسان العطية إن "مشكلة الشرق الأوسط أنه بحاجة إلى ضمان إقليمي يساعده على حل مشاكله بشكل سلمي عبر الحوار كما حصل في أوروبا من خلال الاتحاد الأوروبي وكما حصل مع جنوب شرق آسيا من خلال "آسيان"، لكن مشكلة المنطقة العربية أنها ليس بها أنظمة ديمقراطية حقيقية وبالتالي هذه الدول لا تصفي حساباتها إلا عبر القتال"، وأضاف أن حالة عدم الاستقرار في المنطقة وغياب الديمقراطية يسبب إجهاضاً لعمليات التحول الديمقراطي لأن استقرار الأنظمة الديمقراطية يحتاج إلى مناخ مناسب يحيط بها وهذا ما حدث في دول أوروبا الاشتراكية والتي تحولت إلى ديمقراطيات لأنها احتُضِنت من محيط ديمقراطي متمثل في دول أوروبا الغربية، وبالتالي فإن المناخ أو البيئة غير الديمقراطية في المنطقة تؤدي لإجهاض التحول الديمقراطي، وعليه فلا مجال لتغيير حقيقي ما لم يوجد مناخ إقليمي مناسب وهذا المناخ غير موجود إلى الآن.

ويضيف العطية: صحيح أن هناك دولاً عربية لا ترغب في استمرار النظام الإيراني لكن السؤال الآن: هل إطاحة هذا النظام سيأتي باستقرار أكبر أم سيقحم إيران في لُجة صراعات إثنية وطائفية وقومية ما يجعلها بؤرة مشاكل لا تختلف عما هي عليه الآن بل سيعيق من عملية التحول الديمقراطي في المنطقة برمتها، وهو ما حدث في العراق وأفغانستان على سبيل  المثال، لكن السؤال الذي يهم الآن: بعد اسقاط النظام إلى أين سيتجه الشعب؟ اعتقد أنه من الصعب جداً أن يتغير النظام الإيراني بهذه السهولة.