دبلوماسية التمر والماء .. !!

حين خرج علينا رئيس الوزراء عمر الرزاز بمشهد المتطوع الذي يوزع التمر والماء قبيل الإفطار يكون الرئيس قد أتى على اخره من محاولات بائسة لمنح حكومته شعبوية استعصت وباتت ضرباً من المستحيل ..

المشهد المستهلك يذكرنا بسابقيه من المسؤولين الذين تسابقوا في فصول سابقة إلى زيارة المؤسسة الاستهلاكية مثلاً ليضربوا على وتر لقمة الناس أو بالتجوال في شوارع العاصمة وهم يلبسون زي عامل وطن ،يحملون مكنسة أو يطلبون في اجتماع مع قيادات اقتصادية للقيام إلى الصلاة فيؤمون بهم..

أسطوانة أضحت مشروخة وقديمة حتى قبل ان تدور لتسمعنا الحان حكومية ممجوجة وقصيرة النظر، قاصرة عن الوصول إلى الناس عبر آليات اكثر فعالية ونفع..

اسأل من ذا ألدي بشور عليهم وهم ما زالو بعقلية قنال ٣ وقنال ٦ حيث كان المواطن الاردن مرغما على مشاهدة الحكاية الحكومية كما تأتي من مصادرها قبل ان تصبح شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك قادرة على حمل مئات ملايين الرسائل والمعلومات والأخبار كل يوم وأصبح قمر النايل السات يضم آلاف القنوات المتاحة وكذا موقع اليوتيوب الذي يستقبل ستين مليون مادة فلمية يتم تحميلها يوميا.. وهي متوفرة مجاناً لذات المواطن الأردني الذي تابع دراما التمر والماء..

يخرج علينا الرئيس متجولا بين مواطنين في الشارع ملتقطا لصور السيلفي ولا يدرك ان ذلك المواطن الذي يقف الى جانبه في الصورة هو مشروع إعلامي متحفز للكتابة باستغراب لا بالتقدير لهذه ( القفشة).

رئيس الوزراء المبتسم الخلوق الذي وصل الى الرابع لعدة أسباب اولها واهمها تلك الردود الطريفة التي كان يخاطب بها طلبة التوجيهي على مواقع التواصل حين كان وزيرا للتربية والتعليم .. يعود اليوم بادوات اعلام عقيمة لا أخال ان احدا يصدقها حتى وان كانت تحمل من الصدق والعفوية التي لم تأتي في وقتها ولا في مكانها..

إذن لما تهاجم الحكومة الاستخدام العشوائي المسيء لعشرات آلاف المواطنين على مواقع التواصل حيث الإساءة واغتيال الشخصية وصناعة الإشاعة ونشرها وتكتفي بان تطلق منصة حقك تعرف..
لما لم تدرك حكومة الرزاز والرئيس نفسه حتى هذه اللحظة ان من حق الحكومة ان تعرف أيضا.. ان ملايين اخرين من الأردنيين اكتسبوا عبر تدفق إعلامي فضائي مفتوح بعض مهارات اقلها القدرة على التفريق بين ما يأتي عبر آليات واضحة وشفافة تهدف الى التواصل مع الشعب بحاجاته ومتطلبات قوت يومه وبين الأفلام الشعبوية التي تبث على مواقع الحكومة الإعلامية والتواصلية فتؤول مجدداً الى رواية رسمية لا يصدقها..

حتى وان صدقت النوايا فمن الف باء الاعلام ان تكون الرسالة والمرسل معا مرهونين بالمستوى المعرفي والنفسي للجمهور المستقبل..

من نافلة القول ان الصور التي شاهدها الأردنيون في الداخل آلاف المرات لملك ينصهر مع ناسه في قريقرة والمخيبة والجفر وفي قرى الطفيلة والمفرق والزرقاء وعلى امتداد الأرض الاردنية في الريف والبادية وعلى مدار العام .. فندرك ان المساحة بين الملك وشعبه البعيد عن العاصمة ليست اكثر من استكانة الشاي التي شارك بها جلالته أسرة المصاب محمد خالد البراهمة في قريته باربد ونعرف ان جلالته حين يقول في مقابلات مع تلفزيونات عالمية ان غاية رجائي وعملي ان اخدم مواطني الأردني..ويوجه المسؤولين مرارا ان المواطن خط احمر..هي بعيدة عن برامج الاعلام المسبقة والخطط المبرمجة .. لكنها سنن هاشمية أصبحت جزءاً لا يتجزا من حياتنا .. لم تبدا بمشاركته بإطفاء حريق في الكمالية وقت الإفطار أو بدفع سيارة توقفت بسبب الثلوج في ليلة مظلمة لا كاميرات ولا اضاءة تحوطها ولا تنتهي في المخيبة..

الرئيس والحكومة مطالبين الان وأكثر من أي لحظة مرت في حياتنا ان تتحدث الى المواطن بعيدا عن روايات على نحو عمان الجديدة التي أكدها ناطق رسمي ونفاها ناطق رسمي اخر .. وبدون المشهد الاستعراضي الذي اداه احد وزراء الحكومة الجدد حين طلب من المهنئين ان يشتروا الزهور بدلاً من إعلانات التهنئة..