موجة بحر؛ الرسالة الملكية خيارنا الوطن والدولة
عامر الحباشنة
في مرحلة كالتي يمر بها الوطن والدولة الأردنية، وحيث تتكاثر التفاصيل وتتلاطم أمواج الأحداث شواطئ المؤسسات، فتتيه بوصلة الكثير من الفاعلين على مسرح الأحداث ويغيب وعيهم الجمعي لحساب حضور طموحهم الخاص ، فيجرف تيار المصالح وتقاطعاتها مفاصل وزوايا دوائر ومؤسسات الدولة، ليقود إلى التيه وانعدام الثقة بين الدولة بادواتها وبين مواطنيها، فيتغذى على هذه الحالة من فقدان الثقة كل ذي هوى وتنمو طحالب وحشائش من المصالح الخاصة على حساب العام الوطني.
في هكذا أجواء ينتشر فكر التعميم السلبي وتسود مفاهيم الإحباط واليأس في الإصلاح ويكون الشعار الأسمى لبداية ونهاية أي نقاش عبارة "لا تحاول خربانة" وتحت هذا الشعار تمر كل المآسي والمصالح فتكبل أيادي المخلصين وتطلق للعنان أيادي المثبطين والمفسدين.
لكن وكما هو حال الأمم والشعوب الحية، يظهر في كل مرحلة من يعيد البوصلة بل وتعريف الأشياء، فالأصل أنه عندما تضطرب المفاهيم أن نعود الأصل، والأصل هنا اصل الحكاية، وحكاية هذا الوطن مركبة ومتداخلة بقدر تركيبة وتداخل تفاعلات الداخل ومؤثرات الخارج، فنحن وطن ولد من رحم الفكره التي تامر عليها الحلفاء قبل الأعداء، وطن ارادوه وقبلوا به محطة عبور، ومنطقة عازلة وجزءا من مشروع تم التخطيط له طويلا، لكن كما المعارك، من يطلق رصاصتها الأولى ليس بالضرورة هو من يضبط إيقاعها ونتائجها، فكان ما كان من تضحيات وتوافقات حولت كل ما أرادوه وخططوا له إلى عكس ما أريد له، فحمل الأجداد والآباء أحلامهم على أكفهم ليصنعوا وطنا طموحهم ان يكون النموذج.
قد نكون نجحنا في جزء كبير من ذاك الطموح وبالمثل اخفقنا في اجزاء أخرى، وقبلنا وقبل الاخرون، بنموذج من الوسطية والتسامح الأقرب لمفهوم الوطن العشيرة والعائلة، ودفعنا مقابل ذاك اثمانا مختارين ومجبرين وان كان الجير فيها اكثر،واليوم وبعد عقود من البناء وصمود الدولة الوسطية بقيادتها وشعبها، يبدو ان وسطيتنا ودورنا لم يعد مقبولا بنفس القدر، وبعد ثمان عجاف من تدمير الذات بالذات إقليميا وسقوط الدولة العربية بمفهومها المركزي وشيوع مصطلحات المكونات وتوصيفات المذهبية والعرقية، يرى البعض أن دورنا قد حان، ولكن بشعارات وأساليب وأدوات مختلفة ، طموحا من البعض ممن لم يعد يحتمل الدور والطريقة الأردنية في إدارة المشهد، ومع غياب القدرة على إشاعة الطائفية والمذهبية والعرقية لسبب له علاقة بتركيبة هذا الوطن وصيرورته، هولاء بداوا بالعبث داخليا مستثمرين الحالة الاقتصادية والضغط الإجتماعي، وهذا العبث تم تمريره في بعض حالاته بالاستثمار في الحالة الاقتصادية والتركيبة الإجتماعية وعبر أدوات اخترقت بعض مؤسسات الدولة طوال عقود، وحان الأوان موعد قطافهم لتسديد الحساب،
نعم في مرحلة تصفية الحساب الإقليمي واستحقاق الصفقات التصفوية، يراد منا أن نكون فرق حساب، وللأسف فإن بعضا منا، أفرادا وجهات وضمن مؤسسات يساهمون بهذا الأمر، فمن التضييق الإقتصادي إلى العبث الاجتماعي مرورا بتجذير الهوة بين الدولة وابنائها..وإفساد مؤسساتها.
في ظل هذه الأجواء الداخلية والانواء الخارحية، تأتي إشارات الرد على أولئك جميعا من قبل الوطن وأبنائه بمؤسساته وأجهزته وقواه الحية ، ويأتي الرد الأقرب لنبض الناس على لسان رأس الدولة، ردا يجيب على تساؤلات تتعلق بتحديات الداخل والخارج، فلا حصانة لفاسد، ولا إستغلال للوظيفة لخدمة الذات ولا حل ولا صفقة تتعلق بفلسطين يمكن ان تمر دون إحقاق الحق وعدالة الحقوق، وهذا أمر يعاد تأكيده كقضية وطنية محلية وليس قضية جوار والنقاء مصالح.
وهنا تتجلى الإشارات في الخطاب الأخير الموجه للمؤسسة الاقرب لرأس الدولة ممثلة بالملك، إشارات لم يعتدها الناس وان تهامسوا بها، لكنها دلالة على أن رأس الدولة مطلع عما يدور وتصله التفاصيل وان حالة الفوضى في بعض المؤسساتالتنفيذية تجاوزت الخطوط والعمل المؤسسي، وقد تكون المؤسسة الأمنية أقلها، إلا أنها كانت العنوان الذي تصل عبره للجميع.
ومع كل ما يحصل ويخطط له، ومع كل الملاحظات والتجاوزات التي شابت عمل بعض المؤسسات، فإن لا خيار أمامنا سوى التمسك بالوطن خيارا والدولة أداة، لتستطيع تحصينه مما هو ات ومخطط له مما نعرف ولا نعرف، وهذا لا يتأتى إلا بالتقاط الإشارات الملكية والبناء عليها إيجابيا، فلا خيار اخر بديلا مثلما لسنا وطنا بديلا، ولكي نستطيع تجاوز المرحلة، فإن تلك الخطوات والإشارات الملكية يجب ان تلتقطها القوى الحية والفاعلة كنقطة ارتكاز لبرنامج وطني للإصلاح، مع إدراك أن ذلك البرنامج الوطني سيجابه بتحديات قوى الشد العكسي من أصحاب الأمر الواقع الذين اوصلونا لما نحن فيه، وهذا بالضرورة لا يعني الصدام مع تلك القوى بقدر ما يعني الوصول لحالة من التوافق لوقف النزف، ببرنامج إصلاح وطني بافق إقليمي ، يحدد أهدافا قابلة للتنفيذ وقابلة للقياس، وهذه مسؤولية جميع القوى الفاعلة،
أخيرا...
الوطن بمؤسساته وأهله وقيادته يواجهون تحديا وخيارات صعبه، فأي خيار لنا سواه، فليحمل بعضنا البعض ولنحمي الوطن ليحمينا، وإلا فالجميع خاسر،.فلا وقت لتسجيل المواقف والأهداف، والتحدي الماثل والقادم أكبر من أن يواجه بانفراد، فالدولة تدوم برأسها وقيادتها ،والشعب بأمن بدوام دولته، والدولة بمؤسساتها تنهض، والمؤسسات تبنيها القوى الحية والفاعلة، والفعل يحتاج لبرنامج يتوافق عليه الجميع ويؤمن بأنه لا خيار إلا هو، وهذه مسؤوليتنا، فهل نلتقط الإشارات وهل نستطيع ترجمتها فعلا على الأرض.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.//