الكويت.. عروبة اصيلة ورؤية بعيدة النظر

 عمان بترا-كتبت فيروز مبيضين

تصعد بنا اوبريت "مذكرات بحار" على ظهر سفينة شراعية من سفن الكويت القديمة، ليبحر من المرفأ الى ماضٍ فيه حكايات الاجداد حيث الحب والامل والوجع والصبر.. يبحر ذاك الغوّاص وفي قلبه حبيبته الموعودة بالدّانة، ودعاء أمه بالعودة سالما الى ارض المدينة بقيادة (النوخذة) عمه يوسف الذي ودّع على الضفاف زوجته وجنينها وابنته لؤلؤة.

ويرفع "النوف" وهو علم اسود يشير الى بدء رحلة الغوص وساعة الرحيل، وبلا انتظار يلقي الغوّاص نفسه بالخليج بحثا عن الرزق في رحلة بدايتها الصيف ونهايتها اول البرق، الذي ما ان ضرب سماء البحر حتى علت صرخة إبن يوسف قادما للحياة في بقعة ما على ساحل الكويت الجنوبي بالقرب من هير ام الهيمان اول مغاصات إمارة الكويت.

تنتهي الرحلة وتعود السفينة وبيرقها منكس.. فيوسف مضى، وقبل ان تنتهي الحكاية تدق الدفوف وتعلو الراية مجددا ويعود الغواصون للإبحار ثانية، وشادي الخليج يشدو "ها نحن عدنا ننشد الهولو على السفينة".

مسرح هذا الاوبريت المبهر كان في مركز الشيخ جابر الاحمد الثقافي الواجهة الحضارية التي تعكس وجه الكويت الحديثة ويمثل المستقبل المشرق للحركة الثقافية الكويتية زاده الجمال والفن، حيث ترى مباني اربعة بتصميم فريد يحتوي خمسة مسارح ومسرحا خارجيا وصالة سينمائية ومركزا متخصصا للوثائق التاريخية يمتد على مسافة 236 الف متر مربع، انجز في 22 شهرا، يتميز تصميمه بواجهته المغطاة بهيكل حديدي منفصل عن الكتلة الخرسانية للمبنى وبأشكال هندسية مستوحاة من الزخارف والعمارة الاسلامية ليجمع بين التراث والتصميم الحديث، ويعتمد جزء كبير منه على الموقع وتفاعل الظل والضوء.

وبين اطلال مراكب مهجورة ترتاح بعد حكايات سفر طويلة بجوار رفيق دربها (البحر)، وبين ابراج ومبانٍ شاهقة ومراكز تجارية ضخمة شيدت عنوانا للحياة والحضارة وفي شوارعها وساحاتها، جالت وكالة الانباء الاردنية (بترا) وضمن وفد اعلامي ضم رؤساء تحرير صحف ومؤسسات اعلامية اردنية ومصرية، في الكويت العاصمة؛ تلك المدينة التي تنبض بالحياة اينما مضيت فرحا وحضارة وطيب ملقى، ليلها ساكن وهادئ ونهارها مفعم بالحركة والعمل والعطاء، اما الكويت الدولة بقيادة امير البلاد سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، فهي حاضنة العرب ووازنة المواقف والسياسة، دولة عربية اصيلة برؤية بعيدة النظر، تدعو وتعمل على الدوام لرص الصف العربي ووأد كل خلاف بين الاشقاء.

وللبحر في الكويت ايضا رواياته الحديثة من ضمنها منجز حضاري جرت مراسم افتتاحه الاسبوع الماضي حيث اقيم جسر بحري يعد رابع اطول جسر في العالم، تمتد اعمدته الى قاع الغوص وتأخذك الرحلة فوقه من الكويت العاصمة الى منطقة الصبية شمالا في وقت لا يتجاوز نصف ساعة من الزمان بعد ان كانت تقطعها المركبات في نحو 90 دقيقة .

وفي حوار مع الوكيل المساعد لقطاع الاعلام الخارجي في وزارة الإعلام الكويتية فيصل المتلقم كان جزء من الحديث عن الواقع الديمغرافي لدولة الكويت والذي وصفه بالفسيفساء العالمية اذ تستضيف الكويت على اراضيها نحو خمسة وسبعين جنسية من مختلف دول العالم مقيمين وعاملين.

وبالرغم من السياسة الخارجية الهادئة المعروفة عن الكويت الا ان سخونة النقاش والحوار في اقصى درجاته في بيت الديمقراطية؛ مجلس الامة الكويتي، حيث يتنافس خمسون نائبا عن محافظات الكويت الستة على تقديم افضل انموذج في العطاء والحرص على مصلحة بلدهم، يختلفون خلاف الاخوة، والكل متفق على حب الكويت.

وفي اللقاء مع رئيس مجلس الامة مرزوق الغانم كان الحديث عروبيا اصيلا، تحدث عن زياراته للأردن واطلاعه على واقع مخيمات اللاجئين السوريين قائلا، "ان الاردن تحمل اكثر مما يستطيع ولكنه بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني لم تنكسر له ارادة ولا عزيمة"، وتحدث عن مصر قلب الامة النابض، وعن فلسطين قضية العرب والمسلمين الاولى، وعن العراق الذي احتضنت الكويت مؤتمراً لإعادة اعماره، وعن اليمن والأمل بإنهاء صراعه بشكل سلمي، وعن سوريا والبعد الانساني في ازمتها، وعن الخلافات بين الاشقاء العرب وضرورة العمل على تنقية الاجواء والتقريب بين وجهات النظر المختلفة واذابة هذه الخلافات.

وقال، "لا يوجد عربي واحد لا يرغب في توحيد الصف العربي، لعل هذه السحابة تمر بأسرع وقت ممكن وأن نوفق في رأب الصدع وإنهائه.. انا شخصيا متفائل".

كما تحدث عن الارهاب الذي يرى انه هُزم ولكن بشكل مؤقت قائلا، "سيعود بقيادات واسماء جديدة اذا لم تتم معالجة الافكار الحقيقية التي تغذيه، فالمنظمات الارهابية التي ترفع شعارات الاسلام اكثر من 96 بالمئة من ضحاياها هم مسلمون، والقضية التي تستقطب بالدرجة الاولى الميول نحو الارهاب هي القضية الفلسطينية لأنها مرتبطة بإحساس ووجدان كل مسلم، ولن تجفف منابع الارهاب دون ايجاد حل عادل وشامل لها".

والإعلام الكويتي العملاق هو الشق الآخر لمعنى الديمقراطية الحقة، وللوقوف على تطوره كانت الزيارة الى وكالة الانباء الكويتية (كونا) تلك المؤسسة الاعلامية العريقة التي تأسست في العام 1976 بقانون يقضي بإنشاء مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية، وحددت اهدافها بالعمل على تجميع الاخبار وتوزيعها على المؤسسات الاعلامية والافراد لتزويدهم بالخدمة الاخبارية الموضوعية غير المتحيزة والامينة وإبراز قضايا الكويت العادلة في المحيط الاقليمي والدولي، وعمل بها وتخرج منها مئات الصحفيين الكفؤين، وكان اللقاء مع نائب المدير العام لقطاع التحرير سعد العلي.

وبرفقة مديرة مديرية الاعلام الخارجي في وزارة الاعلام الكويتية لولوة السالم وطاقمها المميز كانت الرحلة التي انتهت على متن الخطوط الجوية الكويتية الى عمان، مودعين بلدا عربيا اصيلا واهلاً يعشقون الورد مثلنا لكنهم يعشقون الارض اكثر..