إنجازات وزارة التخطيط: الحصاد الصفري
حركة مكوكية دؤوبة، ومؤتمرات صحفية لا تعد، وصور ولقطات لا تنتهي، وبيانات مطولة ومثقلة بالتصريحات، وإعلانات عن مليارات، في إطار مساعدات و"منح" قادمة، يذهل لها السامع والقارئ ويتلعثم في تكرارها، لكن الحقيقة، كالقدر، يفرض سطوته، فيرتطم الرائي والسامع بالواقع، ليجد الحصاد يكاد يكون صفريا، أو يناهز الصفر.
ربما تقوم وزارة التخطيط والتعاون الدولي مقام وزارة الترفيه أو السعادة في بلاد غير بعيدة، تسعى لنقل الأخبار الإيجابية للمواطن وتجلب له الفرح والسعادة الغامرة وتبعث على تفاؤله المستدام، وتحجب عنه كل ما يغمّ أو يسبب له الألم!!
فمنذ بداية العام وحتى اليوم أمطرتنا وزارة التخطيط والتعاون الدولي بعدة تصريحات وأنباء حول حجم المساعدات الخارجية سواء للموازنة أو لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، إلا أنّ هذه التصريحات كانت بعيدة إلى حد كبير عن الواقع الذي يشي بتراجع المساعدات، وعدم تحقيق الأرقام المتوقعة في خطة الاستجابة.
في نيسان (أبريل) الماضي، أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي، المهندس عماد الفاخوري، أنّ مؤتمر بروكسل حول سورية أقرّ مساعدات ومنحا وقروضا لدول جوار سورية المستضيفة للاجئين السوريين، بما فيها الأردن للعام 2017، بقيمة 39.7 مليار دولار، منها 6 مليارات على شكل منح" وقال: إنّ "المجتمع الدولي تعهد بتقديم دعم للدول المجاورة لسورية بقيمة 6 مليارات دولار للعام 2017 على شكل منح، إضافة إلى منح بقيمة 3.7 مليار دولار للفترة 2018-2020، وتوفير قروض بقيمة 30 مليار دولار من الجهات المانحة ومؤسسات التمويل الدولية منها 2.3 مليار دولار بشروط ميسرة جدا".
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أشار الفاخوري إلى أن الأردن سيطلق مشاريع ذات أولوية في مجال البنية التحتية، بحوالي 15 مليار دولار، على شكل فرص استثمارية مهمة بشراكة مع القطاع الخاص وفق خطة تحفيز النمو الاقتصادي الأردني 2018-2022، وقال إن الأردن تمكن من تطوير نموذج ناجح للشراكات بين القطاعين العام والخاص في المنطقة باستثمارات تبلغ قيمتها حوالي 10 مليارات دولار أميركي في آخر 10 سنوات.
وفي حوار بثه البنك الدولي على صفحته على فيسبوك، أكد الفاخوري أن "الأردن وقع اتفاقيات مساعدات 2016 بحوالي 3.1 مليار دولار، منها 2.5 مليار دولار مساعدات وجهت للأردن ضمن المساعدات الثنائية والإضافية في ضوء الأعباء الاضافية التي تتحملها المملكة من جراء استضافة اللاجئين السوريين و600 مليون دولار مساعدات إنسانية وجهت للاجئين السوريين داخل المملكة".
تصريحات عدة خلقت انطباعات بأن حجم المساعدات التي تقدم للاردن كبيرة، فيما الأرقام الحقيقية تعكس تراجعها؛ حيث تشير الأرقام الرسمية إلى تراجع المساعدات بنسبة 25.9 % خلال الربع الثالث من العام الحالي مقارنة بالربع الثاني من 2016.
وحققت الحكومة حتى 19 كانون الأول (ديسمبر) حوالي 60 % من خطة الاستجابة للعام الحالي؛ حيث استطاعت تحقيق 1.5 مليار دولار من أصل 2.6 مليار دولار حاجة الأردن.
وفي 2016 حققت الحكومة 62 % من خطة الاستجابة حيث استطاعت أن تحصل 1.6 مليار دولار من أصل 2.6 مليار دولار حاجة الأردن.
الخبير الاقتصادي وزير تطوير القطاع العام الأسبق، د. ماهر المدادحة، أشار إلى أنّ مثل هذه التصريحات تعتمد عادة على ما يقرّ في المؤتمرات الدولية، فيما أنّ الواقع لا يعكس مدى جدية هذه الدول بالالتزام تجاه تقديم المساعدات. لتبقى هذه المؤتمرات "محطات للتنظير" لا أكثر ولا أقل.
ويرى المدادحة أنّ مثل هذه التصريحات تسبب حالة من "الإحباط" و"خيبة الأمل" لدى المواطن والحكومة على حد سواء، خصوصا عندما تعي أنها غير قادرة على الحصول على ما تمّ الإعلان عنه.
الخبير الاقتصادي، د. زيان زوانة، أشار إلى أن تصريحات الحكومة تنقصها الشفافية والوضوح، فما تزال تصريحات المسؤولين؛ سواء الفردية أو الجماعية تتسم بالـ"الموسمية"، ما أدى، ويؤدي، إلى "خلق فجوة ثقة ما بين الحكومة والمواطن".
وأضاف زوانة إلى أنّ حالة الخلط التي تحسب القروض ضمن المساعدات تزيد من هذه الحالة، فهو يرى أنه "لا يجوز حساب القروض على أنها مساعدات".
وأكد زوانة أن جميع الحكومات تتبع نهجا واحدا لا يتمتع بالشفافية ولا الجرأة في الطرح ومواجهة الواقع، وبات المواطن أكثر وعيا من الحكومات فيما يواجهه الأردن من ضغوطات اقتصادية وسياسية.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، د. قاسم الحموري، أكد أنّ الحكومة لا تنظر للتصريحات بشكل واقعي، فيما أن بعضها "فيه تضليل للرأي العام".
وأشار إلى أن مثل هذه التصريحات تؤثر على مدى الثقة بين الحكومة والمواطن وتزيد الفجوة لأنّ معظمها تصريحات "ليست صريحة" فيما تصريحات الفريق الاقتصادي تعكس عدم انسجامه في الحكومة الحالية.
ولفت الحموري إلى أن "النظرة التفاؤلية" الزائدة قد تكون خطرة أكثر منها ايجابية، خصوصا فيما يتعلق بأرقام النمو الاقتصادي والمساعدات لأنها تؤثر على ثقة المواطن بالحكومة