"حصن السلام": كتاب يرصد جهود الملك في تكريس الوئام ومواجهة خطاب الكراهية
-صدرت بالعربية النسخة الجديدة من كتاب "حصن السَّلام" للصحافية رلى سمّاعين التي كرست مؤلفها الذي يؤكد أن منح جلالة الملك عبدالله الثاني جوائز عالمية رفيعة كصانع للسلام، جاء بعد حروب طويلة وشرسة خاضها وشعبه طيلة عقدين من الزمان في مواجهة المتطرفين والإقصائيين الذين أرادوا السوء للبلاد.
النسخة العربية من الكتاب بحسب سماعين جاءت بمئوية تاسيس الدولة الاردنية؛ التي جسدت مفهوم "الدين لله والوطن للجميع" بصفته المبدأ والطريق الوحيد للعيش بسلام، وهو طريقة عيش الأردنيين التي جنبتهم ويلات الدمار والحروب.
جائزتان رفيعتان وعالميتان مُنحتا لصانع السَّلام في هذا الوطن، الملك، اولاهما، جائزة تمبلتون والثانية مصباح السلام، وكلتاهما كما تقول سماعين جاءتا نتيجة طبيعية للجهود التي يبذلها رأس الدولة في الحفاظ على النسيج الاجتماعي الواحد وترسيخه لمبدأ التعامل مع الآخر وفقا لإنسانيته فقط.
"الداعون للسَّلام أشخاص أقوياء لأنهم يمتلكون المقدرة والجرأة والقوة في الوقوف ضد تيار الشر والخوارج، وهم القادرون على إحداث تغيير إيجابي حولهم ولمن حولهم"، وهذا ما حدث في الأردن، بحسب سماعين، وتضيف: إن السَّلام قوة ضد التيار الأكبر من الشر وبحاجة الى استمرارية وثبات ورغبة في احلال سلام لأن من دونه لا ازدهار ولا تقدم.
وأكدت أن الجهد الذي يبذل في هذا المجال يجب أن يُقدر وأن يُكافأ، ولذا خرج الكتاب الذي يتحدث عن جهود شهدتها كصحفية في تغطية هذه المواضيع وانفردت في الزاوية الانسانية التي هي المحرك الوحيد لهذا الجهد الاردني وهو التركيز على الانسانية والنهوض به، ومنها جهود جلالة الملك في إحلال السلام والتي باتت واضحة للعالم أجمع بسبب جهوده ورغبته في نشر الوئام وبات العالم الغربي ينظر الى الأردن كنقطة مهمة في إحلال السَّلام بالمنطقة والعالم. تقول سماعين إن الكتاب يحمل رسائل عدة على رأسها مواجهة خطاب الكراهية بالمحبة والوئام وإبراز هاتين الصفتين من خلال الحياة التي عاشها الأجداد والآباء ويعيشها الجميع الآن، وبين أسطر الكتاب هناك رسالة تقول إن حياة كل انسان مرتبطة بالآخر بطريقة ما، "وما حدث حولنا خلال الثماني سنوات الماضية أثّر علينا وبالتالي تأثر العالم ايضا. وتبين سماعين أن من رسائل القوة التي يتكلم فيها الكتاب توضيح فكرة أن "كل من يسلب الانسان من انسانيته هو الشر بعينه، والشر عكس أي محبة وضد كل رسائل السَّلام".
الكتاب يضم خمسة فصول، روى قصصا عن طريقة عيش الأردنيين والجهود التي وصلت بالبلاد إلى بر الأمان طيلة هذه السنوات دون أن يُراق دم الإنسان بسبب عرقه او لونه او دينه، ونقلت به الكاتبة تجارب عديدة استطاعت كتابتها بلغتين حتى الآن العربية والانجليزية لأن الأردن كما تقول سماعين تجربة فريدة ومهمة وعلى الكون أن يقرأها. تؤكد الكاتبة إنها "لن تألو جهدا في ترجمة الكتاب الى لغات أخرى ونشره إلى العالم، فالهجرات التي تعرض لها الأردن منذ نشأته، وحتى اليوم واستقبال الأردنيين لها، نموذج يبنى عليه، خصوصا مع اتحاد الشعب مع القيادة في نبذ كل أشكال الفتنة والقتل على أسس مشوهة". ويروي الكتاب قصة عائلة أردنية في ثلاثينيات القرن الماضي في خربة المخيط بمحافظة مأدبا، وتقول سماعين إن امرأة بدوية مسنة كانت تسكن وعائلتها في خيمة، وهي تطهو الطعام، وقد لاحظت على الأرضية شيئا لم تره من قبل، وهو عبارة عن لوحة فسيفسائية قديمة.
وتضيف ان هذه الملاحظة تصادفت مع وجود كهنة فرانسيسكان كانوا ينفذون حفريات في المحافظة، وأبلغتهم العائلة عن اكتشافها وعند الفحص خلصوا إلى أن هذا المكان هو موقع كنيسة شيدها القديسان لوط وبروكوبيوس، وبعدها تم بناء منزل للعائلة قرب هذا المكان، وتم تجديد الكنيسة وأصبح أفراد العائلة البدوية حراسا لها ويحملون مفاتيحها جيلا بعد جيل.
ومن بين القصص التي رواها الكتاب، احترام الأردنيين القديم لأتباع الديانات والتي شكلت نسيجا متينا للمجتمع، ما حدث في مدينة السلط التابعة لمحافظة البلقاء، حيث انقسمت المدينة وحتى اليوم إلى الحارة والأكراد، وكان هناك إخوة في الرضاعة، وتبادل موقع دور العبادة، أي أن الأرض التي بُني عليها المسجد كانت لمسيحي، والأرض التي بنيت عليها الكنيسة كانت لمسلم، واستضافت أيضا عائلة مسيحية تلميذا مسلما من إحدى العشائر الأردنية عندما كان يتلقى تعليمه في المدرسة الثانوية الوحيدة في السلط. مواجهة داعش، ومواجهة الضغوطات ضد الوصاية الهاشمية على المقدسات والقدس ووقوف الشعب مع جلالة الملك دليل على نجاح سنوات طويلة من بناء حصن السلام الأردني كما تقول سماعين، مبينة أن هذه البلاد ستبقى محصنة ضد كل أنواع الاختراق ما دام الناس يتعاملون وفق انسانيتهم. وطرح جلالة الملك عبدالله الثاني قبل تسع سنوات على الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة اسبوع الوئام العالمي، وبعد أقل من شهر تقريبا تقول سماعين تم تبني المبادرة بالإجماع من قبل الأمم المتحدة ليصبح أول أسبوع من شهر شباط من كل عام اسبوع الوئام بين الأديان. وتضيف، ومع بداية القرن الجديد وفي شهر رمضان المبارك طرح الأردن في العام 2004 رسالة عمّان الى العالم، والتي حملت مبادئ الإسلام السمحة وابراز الصورة المشرقة ضد حملات التشويه التي مارسها الكثيرون باسمه، وهي رسالة جاءت بعد خمسة عقود من الجهود الحثيثة للمغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال، وواصلها من بعده جلالة الملك عبدالله الثاني ليعبر الأردن نفق الفتنة والحروب بسلام.
في العام 2015، قال جلالة الملك في خطاب له أمام المؤتمر الخامس لزعماء الأديان العالمية والتقليدية والمنعقد في عاصمة كازاخستان أستانا، إن الغالبية العظمى من الناس ينتمون لمجتمعات دينية، ويشكل المسلمون والمسيحيون منهم أكثر من نصف سكان العالم وأن المجتمع العالمي مهدد من قبل قوى عدوانية تستغل الاختلافات الدينية، وخاضت الأديان الكبرى في فترات مختلفة معارك ضد الشر ويجب على الجميع إدراك هذا الواقع ومواجهته. وقَبِلَ جلالة الملك عبدالله الثاني جائزة تمبلتون العالمية عالية الشأن والتي تمنح للأشخاص الذين لهم مساهمات استثنائية في خدمة وإثراء الجانب الروحي لدى الناس باسم الأردنيين جميعا، وقال حينها إن واجبا جليلا يربطه وكل الأردنيين تجاه القدس الشريف ضمن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتبرع بكامل قيمة الجائزة لدعم مشاريع ترميم المقدسات في القدس ومن بينها كنيسة القيامة والجهود الإغاثية والإنسانية ومبادرات إرساء الوئام بين أتباع المذاهب والأديان.
وقالت سماعين إنها كانت إحدى الحاضرات لتسلم جلالته جائزة مصباح السَّلام في ايطاليا والتي تمنح لشخصيات عالمية تقديراً لجهودهم في تعزيز السلام والعيش المشترك، وخلال ذلك استذكر جلالته ضحايا الهجوم الإرهابي على المسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، وأكد أن مبادئ العيش المشترك والوئام بين الأديان جزء أصيل من تراث الأردن. يشار إلى أن الكاتبة رلى سماعين هي صحافية في جريدة الجوردان تايمز، ومختصة بالحوار بين الأديان وقامت بتأليف كتاب حصن السلام باللغة الانجليزية، وبعد ذلك ترجمته الى العربية لتجد الأجيال القادمة كتابا يوثق حياة الأردنيين وقدرتهم على تجاوز المحن والفتن. --(بترا