نتائج الانتخابات البلدية التركية ودلالاتها

مروان العمد

منذ ان اقترب موعد الانتخابات البلدية التركية شمر الرئيس رجب طيب اردوغان عن ساعديه وانطلق بكل قوته يحاول دعم حزبه العدالة والتنمية في هذه الانتخابات . فهو لم يترك مناسبة او حادثة الا واستغلها ليظهر شخصيته وقوته وقوة تركيا ومكانتها وهي تحت حكم حزبه في سبيل حشد المؤيدين والمناصرين حوله .

فهو زاد من تدخل قواته في سورية ودفعها الى داخل عمق منطقة ادلب بحجة محاربة الارهاب وحماية الشعب التركي منه ويقصد بذلك بصفة اساسية قوات سورية الديمقراطية باعتبارها من وجهة نظره حليفة لحزب العمال الكردستاني . كما تعاون مع روسيا بعملية قصف جوي لمواقع تنظيم القاعدة في ادلب باعتباره تنظيما ارهابيا في حين انه وضع تنظيم النصرة الارهابي تحت جناحيه . كما استفاد من مذبحة نيوزيلاندا واظهر نفسه بأنه الوحيد الذي يدافع عن المسلمين في العالم . وكانت مواقفه بالنسبة لاحداث قطاع غزة لا تقل عن ذلك حيث كان يلقي الخطابات الحماسية في مهرجانات خطابية تجمع اعداداً غفيرة من مناصري حزبه ويقوم خلالها بمحاولة الهاب عواطف الجماهير التركية الدينية وبنفس الوقت القومية العثمانية .

حتى انه اثار بهذا الوقت موضوع كاتدرائية ايا صوفياالارثوذكسية الشرقية والتي حولها محمد الفاتح الى مسجد عند استيلائه على القسطنطينية ( اسطمبول ) قبل ان تتحول في العهد الاتاتوركي وفي عام ١٩٣٥ الى متحف ديني حيث اعلن في احد مهرجاناته الانتخابية عن عزمه تحويلها الى مسجد من جديد .

ولم ينس خلال ذلك مهاجمة خصومه من الاحزاب التركية الاخرى ووصفهم بالعلمانية او الارهاب ناهيك عن زج العديد من قيادات هذه الاحزاب بالسجنوقيامه باغلاق العديد من اجهزة الاعلام التركية المعارضة له بعد اتهامها بالمشاركة بالمحاولة الانقلابية التي جرت ضده والزج بالكثيرين من معارضيه في السجن بنفس التهمة . وقال انه يعتبر هذه الانتخابات اهم انتخابات في تاريخ تركيا مع انها ليست سوى انتخابات بلدية . وهو في ذلك كان يسعى لتحقيق فوز كاسح لحزبه ليزيد من سيطرته على مفاصل الحياة في تركيا قبل ان ينتقل الى استحقاق الانتخابات التشريعة والرئاسية القادمة .

وبتاريخ ٣١ / ٣ / ٢٠١٩ جرت هذه الانتخابات والتي ينظر اليها على انها تصويت على حكم اردوغان وكانت نتائجها صادمة له ولحزبه بالرغم من ان تحالف حزبه مع حزب الحركة القومية اليميني برئاسة دولت بهجلي قد فاز بنسبة تزيد على الواحد والخمسين بالمائة من مجمل اصوات الناخبين وهي نسبة قريبة من التي حصل عليها هذا التحالف في الانتخابات التشريعية الماضية . وسبب كونها صادمة لأنه كان يتوقع ان يكتسح تحالف حزبه الانتخابات ويسيطر على معظم البلديات واهمها ، ويحصل على نسبة كبيرة من الاصوات . والسبب الثاني فأن تحالفه خسر رئاسة بلديات اكبر واهم المدن التركية ومنها العاصمة انقرة وبلدية ازمير ومرسين وانطاليا واضنة ومعهما اسطمبول مركز ثقل اردوغان والمكان الذي انطلق منه منذ ان كان رئيساً لبلديتها في الفترة من عام ١٩٩٤ وحتى عام ١٩٩٨ والتي ظلت تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية منذ ذلك الوقت وحتى هذه الانتخابات حيث نجح فيها مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض .

صحيح ان بعض مواقع احزاب المعارضة قد وقعت تحت سيطرة حزب اردوغان وخاصة في المناطق الكردية المعروف عنها انها منطقة نفوذ حزب الشعوب الديمقراطي الكردي نتيجة للضربات التي تعرض لها هذا الحزب. وصحيح ان تحالف اردوغان فاز في المجمل بأكثر من نصف عدد الناخبين بقليل الا ان هذا الانتصار كان بالنسبة له بطعم الهزيمة لأنه لم يأت كما يحب ويشتهى ولأنه اعطى العديد من الدلالات والمؤشرات واولها ان حزبه لم ينجح بتوسيع قاعدته الانتخابية بالرغم من الانجازات التي يقول انه حققها .

وان هذا الحزب فقد موقعه في التجمعات البشرية الكبيرة وان حافظ او عزز قليلا مواقعه في المناطق الريفية وان ذلك يعود وحسب ما ذكره محللون عديدون الى انه اخذت تظهر بين اوساط الشعب التركي وخاصة في المدن حالات من الاستياء من دعم اردوغان لحركات الاخوان المسلمين في الدول العربية وتقديم المساعدات المالية الضخمة لهم وتمكينهم من التمركز والاستثمار داخل تركيا . كما ظهرت حالات من الاستياء على قيامه بدعم عدد من التنظيمات الارهابية في سورية وتقديمه الدعم المالي لها . كما ان حالة التضخم التي اصبحت تعيش فيها البلاد وانخفاض قيمة الليرة التركية وخسارتها الكثير من قيمتها قد اثر على شعبية اردوغان وعلى حزبه في الاوساط التجارية والاقتصادية .

ولكن هل ذلك يعني نهاية حزب العدالة والتنميه وانحسار نفوذه واضمحلال شعبية اردوغان ؟

وردي على ذلك بأنه ليس بالضرورة ان يحصل ذلك وهذا يعود الى ان نجاح اردوغان بوقت سابق بتعديل الدستور التركي الى النظام الرئاسي وان يتم انتخاب الرئيس بطريقة مباشرة من الشعب وتوسيع صلاحيات الرئيس بحيث اصبح هو الذي يعين الوزراء ويقيلهم وهو الذي يعين كبار القضاة والمدعين العامين وكبار قادة القوات المسلحة . وهو الذي عليه ان يوافق على قرارات السلطة التشريعية وهو الذي يقرر فرض حالة الطوارئ في البلاد وهو الذي نجح بتعديل الدستور بحيث يسمح له برئاسة حزبه بالاضافة لرئاسة الجمهورية ، مما جمع كل السلطات بين يديه . وكما انه لا يزال يحتفظ بشخصيته والتي تتمتع بكاريزما عالية جداً وخطاب ذي تأثير على الجماهير وخاصة البسطاء منهم والذين ينتشرون في المناطق الريفية والذين سوف يبقون على المدى القريب موالين له . كما انه وفي حالة اجراء انتخابات رئاسية فأن الناخبين المعارضين له سوف تتوزع اصواتهم على المرشحين الآخرين الذين يمثلون احزاب المعارضة كلها والتي لا يمكن ان تُجمع على مرشح واحد يمثلها لما بينها من تناقض ونقاط خلاف مما يجعل فرصته اكبر من فرص اي مرشح آخر للفوز بأي انتخابات رئاسية قادمة .

اما بالنسبة للانتخابات التشريعية فأن حزبه لا يزال يمثل اوسع قاعدة انتخابية من بين الاحزاب الاخرى مما سيمكن حزبه من الحصول على اعلى الاصوات واكثر عدد من الاعضاء في مجلس النواب القادم.

الا ان ذلك كله مشروط بمقدرة اردوغان وحزبه في المحافظة على نسبة مناصريهم بل زيادتها ونجاحهم بالخروج من الازمة الاقتصادية التي وقعت فيها تركيا مؤخراً وخاصة ان اردوغان كان قد اخذ على عاتقه تحقيق ذلك . ومشروط بنجاحهم بحماية تركيا من الارهاب مستقبلاً وتعديل سياسة تركيا الخارجية التي كلفت خزينتها اموالا طائلة . علماً ان امام اردوغان وحزبه اربع سنوات قادمة قبل استحقاق اي انتخابات عامة . واذا لم يتحقق ذلك في القادم من الايام فأنه يمكن اعتبار ما حصل في هذه الانتخابات بداية النهاية بالنسبة لاردوغان وحزبه العدالة والتنمية//.