الاتحاد الأوروبي في 2017: لمعان نجم ماكرون يطغى على ميركل
قصة اخبارية
بروكسل – د ب ا
في نهاية عام 2017 يتضح أن أفول نجم المستشارة بدأ على الساحة الأوروبية. فالبطل الجديد بالنسبة إلى كثير من المؤيدين لأوروبا هو إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الذي فاز بالانتخابات في مايو ضد اليمينية الشعبوية مارين لوبن. الشاب ماكرون يقف أمام الأضواء، فيما تبدو أنغيلا ميركل منهكة بعد خسارتها القوية في الانتخابات التشريعية التي سمحت لحزب يميني شعبوي، "البديل من أجل ألمانيا" من ولوج البرلمان الألماني. وهذا ما ظهر أيضا خلال القمة الأوروبية الأخيرة هذا العام في بروكسل. " هذه القمة أظهرت من خلال كثافتها أنه يمكن تحقيق أشياء أكثر عندما نتعاون. وأجواء الخيبة يمكن تجاوزها إذا أراد الجميع الدفع بما هو مشترك إلى الأمام"، كما صرح إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر مشترك مع "صديقته" أنغيلا التي ظلت متحفظة، لأنها مقبلة على تشكيل ائتلاف حكومي في برلين. وحتى لو أرادت، فلا يمكن لها مواكبة الخفة النابعة من فرنسا إلا بتحفظ. لكنها وعدت بتقديم جواب على اقتراحات الإصلاح التي تقدم بها ماكرون واقتراحات المفوضية الأوروبية في مارس أو على أبعد تقدير في يونيو 2018، لأن أمرا واحدا يبقى واضحا بالنسبة إلى ميركل:" إذا لم تتخذ ألمانيا وفرنسا موقفا موحدا، فإن أوروبا لن تتقدم".
بناء أسس جديدة
داخليا وعلى الساحة الدولية طرح ماكرون بعد فوزه الانتخابي إصلاحات وأفكارا جديدة. وفي خطاب له بعد الانتخابات التشريعية في ألمانيا بيومين، روج أصغر رئيس عرفته فرنسا لولادة أوروبية جديدة. وفي برلين كانت ميركل منشغلة بجمع شظايا ما خلفه فشل ائتلافها الحكومي. "الأمر مرتبط بنا في رسم الطريق. الأمر يتعلق بتأسيس جديد لأوروبا ذات سيادة وموحدة وديمقراطية"، كما قال ماكرون. وتأسيس جيش مشترك واتباع سياسة مالية مشتركة وتعيين وزير مالية مشترك في منطقة يورو كبيرة. هذا ما يتطلع له الرئيس الفرنسي الذي سيتوجب عليه العمل بقوة في 2018.
ولن يتبعه الجميع في نهجه. ففي شرق أوروبا تتشكل مقاومة، لأن دول فيزغراد ( بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر) لا تهتم بمشروع ماكرون لأوروبا أكبر. وحتى المستشار الشاب الجديد في النمسا المحافظ سباستيان كورتس يعارض مشروع "أوروبا كبيرة"، وهو يدافع عن "أوروبا أفضل". كورتس قد يعرقل في 2018 الإصلاحات. وحتى رئيس الوزراء المنتخب مجددا في هولندا مارك روته غير مقتنع بما فيه الكفاية بالاقتراحات الفرنسية. روته يعتبر مثل ميركل مبادرة الرئيس الفرنسي بأنها طموحة جدا، وهو يرفض تعيين وزير مالية أوروبي. ونجح رئيس الوزراء الهولندي في مارس 2017 في التغلب في الانتخابات على اليميني الشعبوي غيرت فيلدرز، الأمر الذي جلب له تنويه المستشارة الألمانية:" هولندا هي صديقتنا وشريكنا وجارتنا. وعليه كنت مسرورة جدا لهذه المشاركة الانتخابية الكبيرة التي أدت إلى نتيجة في صالح أوروبا. إنها إشارة واضحة!".
"فرصة لأوروبا"
وحتى إيمانويل ماكرون نجح بفضل "حركة" جديدة في هزم "الجبهة الوطنية" اليمينية الشعبوية، لكن فقط في جولة الإعادة. وحذر وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل من أن ربع مجموع الفرنسيين يبقى مؤيدا لحزب لوبن. وهذا لا يحق نسيانه رغم كل النشوة. ويمثل ماكرون بالتالي فرصة كبيرة لفرنسا ولأوروبا. وحتى في إيطاليا هناك ترحيب بالإصلاحات التي يريد الرئيس الفرنسي مباشرتها والتي على ما يبدو تعارض سياسة التقشف لوزير المالية الألماني السابق فولفغانغ شويبله من جميع الجبهات. وهذا قد يؤدي إلى ثقل مؤثر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لأن تكدس الديون الإيطالية الكبيرة يخنق البلاد من ناحية السياسة المالية. ولن يتغير في ذلك شيء يُذكر في السنة المقبلة. ففي مارس 2018 ستُنظم انتخابات في إيطاليا، ولا أحد من بين الأحزاب يقترح برامج تقشفية ولا إصلاحات، بل أن العكس هو الصحيح، إذ هناك ترحيب بنفقات حكومية أكبر. والحركة الشعبوية ذات النجوم الخمسة بقيادة بيبي غريلو التي تتقدم حاليا استطلاعات الرأي تريد الانسحاب من منطقة اليورو.
في 2018 سيتحدد النهج الجديد
وفي 2017 ظل الخلاف على توزيع اللاجئين بلا حلول داخل الاتحاد الأوروبي. فدول فيزغراد ترفض المشاركة في توزيع اللاجئين رغم حكم صادر عن المحكمة الأوروبية المخالف لهذا الموقف. وعدم تنفيذ هذا القرار الصادر عن المحكمة يهز كيان الاتحاد الأوروبي إلى النخاع، لأن هذه الخطوة تضع علامة استفهام على تقيد دول الاتحاد الأوروبي بالقانون. وطالبت أنغيلا مركيل خلال القمة الأوروبية بإنهاء الرفض. وكانت وحيدة في هذا الموقف، لأن الدول الأخرى كانت تبحث عن تفاهم بشأن موضوع اللاجئين.
وشددت ميركل على مبدأ التضامن الذي لا يحق أن يكون طريقا في اتجاه واحد. وقالت "ليس مقبولا أن يكون في بعض المجالات في أوروبا تضامن وفي مجالات أخرى يبقى هذا التضامن منعدما. هذا غير مقبول في هذه الصورة". ومن المرتقب تجاوز هذا الخلاف حتى يونيو 2018. والتجربة الحقيقية للتضامن ستأتي السنة المقبلة في مفاوضات الميزانية المرتقبة للفترة الممتدة بين 2020 و 2027. وقد تلجأ المستشارة الألمانية لمعاقبة بولندا والمجر اللتين تستفيدان من صناديق بروكسل بحكمها المانح الأوروبي الأكبر. وهل ستكون لها القوة الكافية وستجد حلفاء في موقفها؟ إيمانويل ماكرون يبقى في هذه النقطة متخفيا في الظل.
وقد يكون الموقف أقل راحة كما كان عليه قبل 2018 بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي في علاقته مع تركيا. فالحكومة الجديدة في النمسا تريد وقف محادثات الانضمام مع الرئيس اردوغان. ودول أخرى ماتزال مترددة. والحاسم سيكون موقف ألمانيا وفرنسا في هذه المسألة. فميركل تركت التحقق من وقف للمفاوضات مفتوحا، وما ستقوله الحكومة الألمانية الجديدة في السنة المقبلة، يبقى غير واضحٍ.
"أينما توجد الإرادة"
في الاتحاد الأوروبي لا يتم الترحيب بإيمانويل ماكرون بفضل ديناميكية الإصلاح وحسب، بل أيضا لأنه أخذ زمام المبادرة على مستوى السياسة الخارجية. وبعد اجتماعات القمة لدى الناتو ومجموعة العشرين التي لم تأت بالانسجام مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نجح ماكرون في ربط علاقة مع الشعبوي من واشنطن. وبعدما تخلى ترامب عن اتفاقية البيئة للأمم المتحدة، دعا ماكرون علماء أمريكيين إلى فرنسا، وكتب في دفتر الزوار بأن الأمر لا يتعلق "بأمريكا أولا"، بل بقضية أخرى في تغير المناخ.
وبالاشتراك مع ميركل يراهن ماكرون على شراكة مع إفريقيا لإدارة الهجرة، وفي ضم دول البلقان الغربية إلى الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون:" نحن بحاجة إلى ألمانيا قوية حتى نتمكن من التقدم". والمستشارة التي تبدو مرهقة تراهن بالنسبة إلى 2018 على التفاؤل، وتقول:" يمكن لي فقط القول بأنني أرغب في ذلك. وأينما وُجدت إرادة، هناك أيضا طريق. هكذا نقول في ألمانيا".