كتبها فؤاد حداد أثناء فترة اعتقاله ليُهديها لمعتقل آخر بمناسبة عيد ميلاده.. قصة رائعة محمد منير «الليلة يا سمرا»

 من قلب السجن ومرارة الاعتقال كانت الأغنية «الليلة يا سمرا»، ومثل الأعمال الفنية التي تولد من قلب المآسي وتعيش، عاشت رائعة فؤاد حداد التي غنَّاها المطرب النوبي أحمد منيب، ومن بعده محمد منير.

سردت الأغنية واقع الألم الذي يتعرض له المعتقلون في مصر والعالم العربي بشكل عام، لكنها عرضتها مع موسيقى مبهجة، فارتبطت ألحانها وإيقاعها بالرقص والفرح، على عكس المعنى الذي أرادت الحديث عنه، رغم أنها وُلدت في السجن.

اشتهرت أغنية «الليلة يا سمرا» بصوت محمد منير، بالرغم من أنه لم يكن أول مَن غنَّاها، سبقه الفنان المصري محمد حمام، ثم أحمد منيب.

قصة أغنية الليلة يا سمرا

في عام 1962، وفي داخل سجن الواحات الذي كان مكتظاً بالمعتقلين السياسيين

كان الشاعر المصري فؤاد حداد معتقلاً ومعه محمد حمام وأحمد منيب والمناضل زكي مراد.

وفي الأول من شهر سبتمبر/أيلول من العام ذاته كان عيد ميلاد زكي مراد الخامس والثلاثون

فقرّر رفاقه في الزنزانة تحدّي السجن وظروفه الصعبة من خلال الاحتفال بعيد الميلاد، وفق رواية حفيدة زكي مراد على مدونتها.

وزكي مراد مناضل ابن قرية إبريم، صاحب مسيرة كبيرة من الكفاح السياسي، كان شاعراً وأديباً ومترجماً يسارياً

تلقّى تعليمه في قريته النوبية بمحافظة أسوان، ثم التحق بجامعة فؤاد الأول في القاهرة لدراسة القانون.

فكتب الشاعر الكبير فؤاد حداد كلمات الأغنية، ولحّنها أحمد منيب، ليغنيها محمد حمام

وكانت بمثابة هدية حاول بها المبدعون الأربعة الخروج من الظلم ومن جدران وقضبان الزنزانة.

كان معروفاً عن شاعر العامية فؤاد حداد أن يعزف بكلماته بعيداً عن سوق الأغنية التجارية

ويكون متوارياً عن الأضواء حتى إنه ظل لفترة طويلة من حياته لم تخرج أشعاره خارج دوائر المثقفين.

حصر حداد نفسه في هذه المنطقة، إلى أن أقنعه الشاعر مجدي نجيب بتحويل بعض من قصائده إلى أغنية، وهو الأمر الذي رواه مجدي بنفسه.

إذ قال إن الشاعر عبدالرحيم منصور تحدث إليه بضرور إقناع فؤاد حداد بدخول مجال الأغنية؛ لكي ترى أشعاره النور.

وأنه مع ذلك سيلتزم بمراعاة ذوق المستمع، فاقترحا عليه أن يتعاون مع الفنان محمد منير الذي كان يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة في هذا التوقيت.

خرج العديد من الشعراء من تحت عباءة فؤاد حداد، يقول عبدالرحيم منصور، وماذا استفاد حداد  بخروجنا من عباءته وأنه أستاذنا؟!

ها نحن نقرأ أشعاره في لهفة واستمتاع، بينما هو قابع في بيته بعيدًا عن الناس لا يعرفه غير المثقفين.

كانت الحكومة تصادر الأشعار آنذاك، بينما الأغنية لا يمكن أن تصادر؛ لأنها الأكثر انتشاراً، فكانت كلمات فؤاد حداد تشيع البهجة بدلاً من الإحباط

وقد كان مولد أغنية فؤاد حداد «الليلة يا سمرا» وهي من الأغاني التي حققت شهرة واسعة في مجال الأغنية، وكانت ضمن ألبوم «شبابيك» لمحمد منير.

وهكذا اقتطف محمد منير وأحمد منيب ومعهما عبد الرحيم منصور بعض الأبيات من قصيدة «الليلة يا سمرا» المنشورة في ديوان «رقص ومغنى» لفؤاد حداد

رغم أنه كان معروفاً عن فؤاد حداد عدم سماحه لأحد باقتطاف أبيات دون أخرى في قصائده!

ولا يخفى على أحد الخلفية السياسية للأغنية، فقد صدرت الأغنية في ألبوم يحمل اسم «شبابيك» عام 1981، أي وقت استرداد طابا من العدو الإسرائيلي.

«البنت قالت فستاني منشور على الشط التاني

خدنى المراكبي وعداني ورجعت في القمرة الليلة»

يشار هنا إلى مصر باعتبارها فتاة فستانها منشور على الشط الثاني، أي الضفة التي احتلها العدو الإسرائيلي.

كلمات أغنية «الليلة يا سمرا»

لا انا كُنت برة ولا مهاجر أنا اللي جايلك من باكر

قلبي ولا البحر الهادر عيني ولا الجمرة الليلة

خلي الندى من أحلامك يسقي النبات من أيامك

حطّي اللي خلفك أدامك تلقى البلد عامرة الليلة

الليل يصبح ويمسي وافتكريني واتنسي

شميت هواكي لقيت نفسي يا طيبة وصابرة الليلة

البنت قالت فستاني منشور على الشط التاني

خدني المراكبي وعدّاني ورجعت في القمرة الليلة

ياللي صفيحتك بغوايش عايش ولا لغيرك عايش

قلبي ولا البحر الطايش عيني ولا الجمرة الليلة

قال فينا غنوة وحدوتة قال مافيناش قولة توتة

ماهياش عجينة وملتوتة كل القلوب حمرا الليلة

ده العنجريب اللي جنيته سبع سنين استنيته

على الجريد اللي رميته هتظهر السمرا الليلة