«قصة حديقة أمريكية، تجمدت فيها التماسيح بالكامل لكنها ظلت على قيد الحياة
لم يتخيل جورج هوارد مدير حديقة سوامب، أن تموت تماسيح موجودة في محمية داخل حديقته، في بلدة أوشن إيسل بيتش في ولاية كارولينا الشمالية، خاصة أن موت التماسيح متجمدة سيكون مأساة فلسفية ومالية على حد سواء.
لكن ما دفع هوارد مدير حديقة سوامب، إلى توقع ذلك، هو المشهد الذي رآه في مستنقع المحمية المغطى بالجليد داخل الحديقة التي يديرها، حسبما نشرت The Washington Post الأمريكية.
لكنه لم ينتظر طويلاً، حيث قفز على السور وتوجه صوب البركة، راكضاً نحو أنوف التمساح الظاهرة من السطح المتجمد. ولكن ماذا يستطيع أن يفعل؟ علقت التماسيح في الجليد ولا تستطيع الحركة.
التماسيح علقت في الثلج ومدير الحديقة مرتبك
قال هوارد لصحيفة The Washington Post الأمريكية: «كنت مرتبكاً، هل أحاول إخراجها من هناك؟»
لكن قبل أن يبدأ رحلة التنقيب المرتجلة في الجليد، قرر أن يقوم ببعض البحث العلمي أو على الأقل أن يبحث عن الأمر على محرك البحث جوجل. تملّكه شعور بالارتياح والطمأنينة عندما ظهرت نتائج البحث: تماسيحه لا تزال حية. ظلت على قيد الحياة عبر إخراج أنوفها من الجليد. تغير شعور هوارد من القلق إلى الدهشة.
وقال في حديثه إلى The Washington Post: «كان الشيء الأكثر جنوناً الذي رأيته طوال حياتي. كنت مذهولاً. في البداية كنت (قلقاً)، ثم أدركت ما كانوا يفعلونه، وأنَّ هذه كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنهم التنفس بها. وفكرت، كم هذا ذكي؟»
اعتقد هوارد أنَّ تلك تجربة مع التماسيح سيختبرها مرةً واحدةً في العمر. بعد ذلك، في الأسبوع الماضي، سيطرت موجة باردة على الأجواء في معظم أنحاء كارولاينا الشمالية وشمال شرق البلاد، مما أدى إلى تجمد المياه في متنزه هوارد الذي تبلغ مساحته 65 فداناً بالقرب من نهر شالوت.
لكن بعد البحث اكتشف أن التماسيح تخرج أنوفها للتنفس
لم يكن هناك حاجة إلى المزيد من البحث هذه المرة. بدلاً من ذلك، نشر هوارد مباشرة صوراً على موقع فيسبوك. انبهر الزوار. ونشرت وسائل الإعلام قصصاً ووصفت الأمر في عناوينها بأنَّه «فظيع» ، حتى أن التماسيح لم تنزعج
قال هاوارد إنَّ كل واحد من الثمانية عشر تمساحاً الني تعيش في حديقة سوامب، وكلها أُنقذت بعد العيش في الأسر، بدا وكأنَّه يعرف خطوات التصرف خلال الطقس البارد. عندما تبدأ برودة الجو، تُغرق التماسيح معظم أجسامها في المياه الضحلة، ثم تُلصق أنوفها في الهواء تحسباً لحدوث التجمد بعد ذلك، فتصنع ثقوباً صغيرة للتنفس عبرها. وبمجرد تجمد الماء، يلتصق الجليد بمقدمة التماسيح، مانعاً حركة التماسيح من مكانها بينما تتدلى أجسادها تحت السطح.
لا يعلم هوارد أصل هذا السلوك. في الحقيقة لا أحد يعرف ذلك.
فهو ليس تصرفاً مكتسباً لكنه غريزي في التماسيح
يقول آدم إي. روزنبلات، أستاذ علم الأحياء في جامعة نورث فلوريدا الذي يدرس كيفية استجابة التماسيح للتغيرات البيئية، إنَّ هذا السلوك هو لغزٌ كبيرٌ، مضيفاً أنه على الأرجح ليس شيئاً تتعلمه التماسيح من خلال الممارسة، بل هو غريزي، تطور بمرور الوقت من خلال الانتقاء الطبيعي.
وقال: «إذا كانت أنواع التماسيح تعيش في أجواء باردة لفترة طويلة بما يكفي، عندئذ فإنَّ تلك التماسيح التي استطاعت فعل ذلك هي التي ستكون قادرة على البقاء والتكاثر. كيف عرفت كيفية فعل ذلك؟ لا أعتقد أن أي شخص يعرف الإجابة في هذه المرحلة».
وأضاف روزنبلات أنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ العلماء دراسة هذا السلوك بالتفصيل. نظراً لأنَّ معظم التماسيح تعيش في الأجواء الدافئة في الجنوب -كارولاينا الشمالية هي المكان الأبعد شمالاً الذي يستطيعون الذهاب إليه، فمن غير المعتاد أن تواجه درجات حرارة شديدة البرودة. لم يكن أحد غير التماسيح يبدو فضولياً للغاية حول كيفية تمكنها من النجاة خلال ليالي التجمد النادرة.
ثم في عام 1983، لاحظ علماء البيئة المختصون بحياة التماسيح مجموعة كاملة من التماسيح تخرج أنوفها من الجليد في ولاية كارولاينا الشمالية. سمعوا أساطير عن تماسيح منبوذة تمكنت بطريقة ما من البقاء على قيد الحياة لستة فصول شتاء متعاقبة في ولاية بنسلفانيا أو أربع سنوات في ولاية فرجينيا.
لكنهم عرفوا أنَّ الأسلوب الذي تتبعه في الجليد لا يمكن أن يكون سلوكاً جديداً، فأسلاف التماسيح تطورت منذ 245 مليون سنة. من المؤكد أنَّها لم تختر فقط النوم في ذلك الطقس شديد البرودة في ولاية بنسلفانيا لتبتكر تقنية جديدة للبقاء على قيد الحياة. تبين أنَّ العلماء ببساطة لم يكونوا يولون اهتماماً كافياً للأمر.
فعندما تسبح تحت الماء تدخل طور السكون
الآن، هم يعرفون ما يحدث في الجليد: يقول روزنبلات عندما تسير التماسيح تحت المياه، تدخل ما يسمى بـ»طور السكون» -مثل البيات الشتوي، ولكن لذوات الدم البارد- وتتوقف أجسادها عن العمل بالكامل تقريباً. كل ما تحتاج إليه هو التنفس.
قال روزنبلات «إنها توقف عمليات التمثيل الغذائي لديها بشكل أساسي. لا تحتاج لتناول الطعام لأنَّها لا تحرق الكثير من الطاقة، تبطئ معدل ضربات القلب، والجهاز الهضمي، وفقط تجلس منتظرة نهاية الطقس البارد. إنَّه تكيف مذهل».
لكن هذا لا يفلح دائماً. فحصت واحدة من أولى الدراسات عن حالات «التجمد» بين التماسيح، عام 1982، تمساحاً نفق أثناء طور السكون ذلك. بعد ثلاثة أيام، انخفضت حرارة جسمه بحيث لم يستطع المقاومة.
وعلى سبيل المثال، تتبع العلماء وراقبوا في عام 1990 مجموعة من التماسيح في كارولاينا الجنوبية، بما في ذلك صغارها، ووجدوا أنَّ صغار التماسيح لم تكن تعرف هذه التقنية، وشاهدوها تقرع أنوفها على الجليد تحاول اختراقها قبل أن تغرق.
ثلاثة من التماسيح الأكبر كانت متأخرة في اتباع هذه التقنية نجت تحت الجليد لمدة 12 ساعة قبل أن تصعد في النهاية إلى السطح وتنضم إلى التماسيح الأخرى.
وبمجرد ذوبان الجليد، رجعت جميعها ببساطة إلى الشاطئ، وهي تتمتع بالشمس وكأنَّها تعود من غفوة.