قوانين العفو العام
الاصل في ادراة شؤون الامم والبلاد هو وجود قوانين وانظمة وتعليمات تنظم شؤون البشر وتحكم تصرفاتهم وافعالهم . وحتى تأتي هذة القوانين اكلها فلا بد من وجود عقوبات رادعة على من يخرج عليها وان تطبق هذه العقوبات على جميع المواطنين بالعدل ومن غير محاباة او اهمال .
البشر في طبيعتهم ميالون لعدم الخضوع للقوانين والانظمة التي تقيد تصرفاتهم وما يرون انها حرياتهم الشخصية ، ولكن اذا تطلب الامر ارغامهم على الالتزام بالقوانين والانظمة فيجب تطبيقها بحزم دون تهاون ويجب على الدول ان تفرض هيبة القانون على مواطنيها . وهي وعندما تفعل ذلك وتستمر على نفس المستوى والاتجاه يأخذ المواطنون بالحرص على عدم مخالفة القانون والالتزام به بداية خوفاً من العقوبات ونتهاءً بأن يصبح الالتزام بالقانون عادة وسلوك ومنهج حياة .
ورغم ذلك ومهما وصلت الامم من تقدم ورقي فأنه دائما يوجد من يخالف القوانين ويرتكب الجرائم ويقع ذلك في كل دول العالم ويتم تطبيق العقوبات الرادعة على من يخالفون هذه القانون . ولا توجد دولة في العالم تخلوا من السجون كما يدعي البعض ولكن قد يكون الاختلاف في مستوى هذه السجون وطريقة التعامل مع المساجين وعددهم وهذا يختلف من دولة لأخرى وليس بالضروة ان يكون ذلك مرتبط بقوة الدولة ولكنه مرتبط بدرجة التزام شعوب هذه الدول بالقوانين والانطمة ومدى توفر الامكانيات المادية في هذه الدول .
وفي الدول المتقدمة لا يوجد شيئ اسمه عفواً عاماً وانما توجد لجان مراقبة سلوك المساجين وخاصة من منهم محكومين لمدد طويلة ووظيفة هذه اللجان مراقبة تصرفات المساجين اثناء وجودهم في السجون وتقيم مدى تطور سلوكهم اثناء فترة سجنهم فأذا وجدت اللجان انه لا خطورة على المجتمع من الافراج عن احدهم في وقت مبكر فتقوم بالتوصية للجهات القانونية بذلك والتي تقوم بالافراج عن المسجون مع وضعه تحت المراقبة المستمرة ومن خلال ظابط سلوك يبقى على اتصال مع المسجون المطلق سراحه ويراقب سلوكه ومدى اندماجه مع المجتمع الى ان تنتهي مدة مكحوميتة الاصلية على الاقل . واذا ما بدر من المسجون المفرج عنه ما يخالف ذلك يتم اعادتة الى السجن . ويستثنى من ذلك مرتكبي الجرائم التي توصف بالبشاعة والخطورة والذي يتضمن الحكم الصادر عليهم بقضاء كامل مدة عقوبته والتي قد تكون مدى الحياة بالسجن من غير ان يتمتع بشروط اطلاق السراح المبكر .
اي ان معظم دول العالم لا يوجد بها شيئ اسمه قانون عفو عام وان كانت بعض الدول احيانا تفرج عن بعض المساجين لديها ضمن شروط معينة ولكنه ليس عفواً عاماً وذلك لعدة اسباب سوف اذكرها بالرغم من معرفتي ان الكثيرين سوف يخالفونني بما سوف اقوله وربما يتم توجيه الاتهامات وما هو اكثر من ذلك ليى .
واول اسباب اعتراضي على العفو العام هو ان العفو العام يزيل حالة الاجرام من اساسها ويزيل العقوبة التي عليه وتصبح التهمة كأن لم تكن ويترتب على ذلك محو جميع النتائج الجنائية المترتبة على الجريمة بحيث تصبح وكانها لم تكن وبأثر رجعي وهذا يعني عودة هذا المشمول بالعفو العام نظيفاً كما ولدته امه ومن غير سوابق جنائية وعودة اهليتة وحقوقه التي فقدها بسبب الحكم دون الحاجة الى قرار رد اعتبار وتعود له جميع حقوقه القانونية والسياسية مهما كانت طبيعة التهمة المنسوبة له طالما هي مشمولة بقرار العفو . فأذا كان هذا المشمول بالعفو العام مجرماً قاتلا او فاسدا اولصاً او مزوراً او مرتشياً او مرتكباً لأي جريمة تخل بالامانة والشرف تمنع من ممارسته لبعض الاعمال والمناصب ، تعود اليه كافة حقوقه الاجتماعية والسياسية ويحق لة ان يعود لعمله السابق بل يحق له تولي اعلى المناصب حتى الوزارية منها والترشح لأي انتخابات حتى النيابية حيث ستكون صحيفة سوابقه بيضاء ناصعة حتى لو كان الجرم الذي ارتكبه قد قام به في اليوم السابق لقانون العفو . كما ان هذا الامر يترتب عليه شطب اسبقياته الجرمية السابقة بحيث انه لو عاد وكرر ارتكاب نفس الجرم بعد العفو فيكون كمن ارتكب هذا الجرم لاول مرة ويستفيد من الميزة القانونية لذلك .
وثاني المآخذ على قانون العفو هو انه يعتبر عقوبة على غالبية المواطنين الملتزمين بالقانون ولا يرتكبون اي مخالفة لاحكامه ويؤدون ما عليهم من التزامات ويدفعون ما عليهم من مستحقات في وقتها . ثم يأتي عفو عام يعفي من لم يكن ملتزماً بذلك من كل التزاماته ومن كل العقوبات التي كان يجب ان توقع عليه وكأن ذلك مكافئة له على خروجه على القانون وعدم تنفيذ التزاماته المالية وعدم دفع ما عليه من مخالفات او رسوم . وهذا سوف يشجع الآخرين على مخالفة القوانين وعدم الخوف من ارتكاب الجرائم وعدم دفع ما عليهم من التزامات مالية معتمدين انه لا بد وان هناك عفواً عاماً قادماً سوف يشملهم كما شمل غيرهم سابقاً .
وثالث المآخذ على قانون العفو العام انه لا يحقق العدالة حتى على مرتكبي الجرائم المشمولة بقانون العفو العام ، فأن منهم من امضوا كامل مدة عقوبتهم ومنهم من امضوا في السجن غالبية عقوبتهم ومنهم بعضها ومنهم القليل منها ومنهم من لم يقبض علية ولم يقدم للمحاكمة الا انهم جميعاً يشملهم قانون العفو بنفس الدرجة على نفس التهمة .
والاهم من كل ذلك ان تكرار قوانين العفو العام وزيادة عدد الجرائم والمخالفات المشمولة به سوف يقضي على هيبة القانون وعلى دولة القانون في الوقت الذي نطالب جميعاً بسيادة القانون وتطبيقة على جميع من يخرج عليه .
الا ان الهاشميون وبما يتمتعون بة رحمة ومحبة للمواطنين وتعاطفاً معهم واحساساً بمشاكلهم قد درجوا وكلما ادلهم الخطب على المواطنين الى اصدار قوانين بالعفو العام وقدصدر في ظلهم ومنذ تأسيس الامارة وحتى الآن سبعة عشر قانوناً للعفو العام ، اختلفت في مدي شمولها للجرائم من قانون لآخر ولكن جميع قوانين العفوا كانت تستثني أنوعاً من الجرائم من احكامه لخطورتها ولأن شمولها بالعفو يوثر تأثيراً سيئاً على الحقوق القانونية والمالية لعموم المواطنين .
وحيث ان الخطب قد ادلهم وحيث انه اصاب الكثير من المواطنين وجعل حياتهم صعبتاً ، ووقع الكثيرون منهم في ضائقة مالية ، فقد تنادى الكثيرون ملتمسون اصدار قانون للعفو العام قد يخفف عليهم مصائب الحياة . وبعد اخذ ورد من قبل الحكومة ووعود باصدار هذا القانون والمماطلة بهذه الوعود وقد يعود اغلبها لدوافع مالية اصدر جلالة الملك توجيهاتة للحكومة للعمل على اعداد قانون للعفو العام بالسرعة الممكنة والسير بأجرآته القانونية والدستورية . وقد فهم البعض من ذلك ان جلالته يريد قانون عفو عام عن كل الجرائم وليس قانون عفو عام عن بعض الجرائم والتي لا تمس الحقوق القانونية والمالية للآخرين . وقد قامت الحكومة باعداد قانون عفو عام قد لا يكون مثالياً ولا ملبياً للطموحات والتوقعات منه . وقد كانت مهمة مجلس النواب ان يصلح الخلل الذي اعتور مشروع هذا القانون، ولكن لوحظ في هذه الفترة ارتفاع سقف التوقعات من هذا القانون والجرائم المشمولة به سواء ذلك من قبل بعض المواطنين او من قبل بعض السادة اعضاء مجلس النواب . حيث ذهب البعض الى مرحلة المطالبة بتبيض السجون والمقصود بذلك اطلاق سراح جميع المساجين واصدار عفواً عاماً عن جميع الجرائم في قانون العقوبات وغيره من القوانين . ومنهم من طالب بتوسيع نطاق الجرائم والمخالفات المشمولة بالعفو حتى ان البعض طالب بشمول جرائم الاغتصاب وهتك العرض والمخدرات والقتل العمد والقصد وجميع انواع القتل ضمن بنوده . كما ذهب البعض الى المطالبة بشمول محكومي التنظيمات الارهابية الذين لم يستعملوا السلاح ضمن احكامه على قاعدة عفا الله عما سلف متجاهلين انه لولا يقظة وانتباه الاجهزة الامنية وتوقيف اعضاء هذه التنظيمات في الوقت المناسب لربما استعملوا السلاح في عمليات لهم داخل البلاد . وانه وفي حال اطلاق سراحهم فلا ضمانة من انهم لن يعودوا سيرتهم الاولى وان يستخدموا السلاح وان يسقط على ايديهم قتلى ومصابين .
بل ذهب البعض في مطالباتهم الا ان يشمل العفو العام جميع الجرائم المشمولة بة والتي تقع لتاريخ نشرة بالجريدة الرسمية مما يعطي جميع المواطنين حق ارتكاب جميع هذه الجرائم خلال هذه الفترة كونها ستكون مشمولة بالعفو العام مقدماً دون ان يترتب عليهم اية عقوبات . اي اعطائهم تصريحاً مفتوحاً بارتكاب اي جرم من غير التعرض لأي عقوبة الامر الذي لم ولن يحدث في اي مكان في العالم .
واعتقد ان رفع سقف التوقعات من قانون العفو العام والجرائم المشمولة به هو امر مقصود لغايات معينة سأتي على ذكرها لاحقاً .
وأخيراً وبعد اخذ ورد احيل القانون على مجلس النواب والذي احاله على لجنته القانونية والتي سمعنا العجب العجاب من المواد التي اضافتها لقانون العفو العام . ثم احيل هذا القانون على مجلس النواب بكامل هيئته وبالرغم من بعض التعديلات الذي ادخلها مجلس النواب على توصيات لجنته القانونية الا ان ما توافق علية مجلس النواب الاكرم يتضمن الكثير مما يستوجب مناقشته والذي لم تستفيد منها الطبقات المسحوقة المستهدفة بالقانون الا بالفتات فيما انصبت اهم نتائجه لمصلحة عتاة المجرمين والخارجين على القانون والناهبون للمال العام والفاسدون وهذا ما سوف اتحدث عنه في مقالات لاحقة