الغارمات من جديد

اطلعت على أوراق توثق لديون الغارمات من النساء، وتفاجأت بأن عددا منهن مطلوبات بسبب مبالغ مالية بسيطة وصل بعضها الى ستين دينارا فقط وتراوحت المبالغ المتعلقة بأخريات بين 150 و200 دينار، أغلبها تعود الى صناديق الإقراض أو شركات التمويل الصغيرة التي تستهدف تلك الشريحة من النساء.
الأمر غير المفهوم بتاتا، كيف توافق تلك الصناديق أو شركات التمويل الأصغر على إقراض ربة منزل مبلغا ماليا دون وجود ملاءة مالية لديها، أو حتى ملاءة لكفيلها، فتجد أن أغلبهن تقدمن بمعاملات الحصول على قروض مقابل كفالة شخصية من الزوج الذي لا يعمل أصلا في حالات كثيرة.
 في النهاية، هذا ما يحدث، ما تسبب بإقبال واسع من ربات المنازل غير العاملات للحصول على تلك القروض دون أدنى تفكير في طريقة السداد تحت ضغط الحاجة ولسداد دين أو لسد رمق وجوع أطفالهن، وبالتالي أضحين مطالبات لتلك الجهات الاقراضية التي تلجأ في حالات كثيرة الى القضاء لتحصيل حقوقها المالية، ما خلق أزمة «النساء الغارمات» في المجتمع الأردني.
الأزمة حاليا في اتساع، مع تراجع المستوى المعيشي والحركة الاقتصادية في الأردن، جراء قوانين الجباية الحكومية من ضرائب دخل ومبيعات ومحروقات ورسوم وغرامات ورفع لأسعار الخبز وضعف شبكة النقل وغيرها الكثير، الا أن استمرار هذه الأزمة مستقبلا سيفرخ قضايا اجتماعية أكثر سلبية وخطرا على الأسرة والمجتمع بأسره.
ماذا يعني توقيف سيدة لم تتمكن من سداد ما عليها لأية جهة اقراضية، ببساطة فان الأسرة بكاملها معرضة للخطر وعلى الأخص الأطفال خاصة وأن أغلب هؤلاء النساء هن من يعلن أسرهن بسبب الطلاق أو غياب أو سجن الزوج أو هجره لأسرته، أليس الأطفال بعد ذلك هم من مسؤولية الحكومة التي يجب أن ترعاهم أم ستتركهم عرضة للجنوح؟.     
آخر احصائية رسمية لتكلفة السجين في مراكز الاصلاح الأردنية، وصلت الى 750 دينارا للنزيل الواحد شهريا، ما يعني أن استمرار هذه الأزمة سيرتب على الحكومة من جهة كلفة الغارمة في حال توقيفها ومن جهة أخرى كلفة لرعاية أبنائها، علما بأن أغلبهن لا تتعدى المبالغ المترتبة عليهم كلفة اقامتهن في مركز اصلاح لشهر واحد.
من أجل حل هذه القضية واختفائها بشكل كامل، يجب التعامل مع ما أفرزته من مشاكل وقضايا حالية ولا يكون ذلك الا بتدخل الحكومة عبر الزام الجهات الاقراضية إما بإعادة جدولة القروض ودراسة الحالات عبر صناديق الإعانة الحكومية كل حالة على حدة لحل البسيط منها عبر تسديد ما تبقى عليهن.
الأمر الآخر الذي يضمن حلا جذريا لتلك القضية، هو الزام الحكومة تلك الجهات الاقراضية وأغلبها تعود للقطاع الخاص، بما درجت عليه البنوك بشروطها لمنح القروض والتي يعتبر الشرط الأساسي فيها، التأكد من قدرة المدينة على السداد أو حتى كفيله لضمان حق الجهة الاقراضية وعدم التورط مستقبلا في اللجوء للقضاء لتحصيل حقوقها.