هل تنهار البلد؟
هل تنهار البلد؟
بلال العبويني
يدرك الجميع مدى حالة الإحباط التي يعانيها الكثيرون، وأن المستقبل سوداوي بالنسبة إليهم، وهم بذلك غير ملومين لأنهم ينطلقون من حالة التخبط التي شهدناها في القرارات التي اتخذتها الحكومات خلال السنوات الماضية وأثرها على الواقع المعيشي أو حتى الاقتصادي الملموس.
غير أن موجة من الإشاعات المكثفة انطلقت خلال الأيام الماضية عن هروب رجال أعمال إلى الخارج بسبب الخسائر وانهيار شركات بسبب الإفلاس وما إلى ذلك من إشاعات يشعر المرء معها أن البلد باتت على شفا حفرة من الإنهيار.
الواقع صعب صحيح، وثمة خسائر لحقت بمؤسسات اقتصادية صغيرة وكبيرة صحيح، وهناك رجال أعمال تأثر واقعهم المالي صحيح، والأسواق في أغلبها تعاني من حالة كساد صحيح، غير أنه في المقابل هناك شركات ومؤسسات اقتصادية صغيرة وكبيرة استفادت من الواقع الراهن، وهناك أخرى أثبتت موجودية في حالة التنافس الشديدة التي تشهدها الأسواق على حساب أخرى.
فهذا الأمر يبدو طبيعيا في اقتصاد السوق المفتوح الذي يحتكم إلى معايير الجودة والتنافسية العالية بحيث يكبر القادر على التنافس والذي يقدم الأداء الأفضل وقادر على إدارة المتغيرات الاقتصادية، ويصغر أو يتلاشى من لم يكن قادرا على تحمل الضغوط وإدارتها بالطريقة الأمثل، وهذا أمر معلوم تماما لمن يدرك ماهية حركة الاقتصاد.
بالتالي، فإن الدولة وإن كانت تمر بمرحلة حرجة وتحديدا على الصعيد الاقتصادي إلا أن القول بأنها على شفا حفرة من الإنهيار يعد ضربا من السوداوية والإحباط المفرط والحكم القاسي البعيد عن الواقع.
إذ أن الدولة ما زالت قادرة على أن تعبر ما تعانيه من أزمات اقتصادية تحديدا، وذلك بحسن إدارة الأزمة والتعامل معها بما يخفف من وطأتها على الاقتصاد الوطني وعلى جموع المواطنين بأن لا تحملهم الحكومات المزيد من الأعباء الضريبية والرسوم والأسعار حتى لا تتفاقم أزمتهم الاقتصادية وعجزهم عن تلبية المتطلبات الأساسية من مأكل ومشرب، وحتى لا تساهم القرارات أكثر في تعميق حالة الضعف في القدرة الشرائية وتعميق حالة الكساد في السوق.
نحن، لسنا بخير نعم صحيح، فالحكومات ارتكبت جرائم بحق المواطنين والدولة بسبب النهج الجبائي والبعد عن التخطيط السليم للاقتصاد الوطني وإدارة الموارد على الشكل الأمثل، غير أن ذلك لا يدعو إلى الحكم بقرب انهيار الدولة أو إفلاس مؤسساتها الاقتصادية العامة والخاصة قريبا أو هروب المستثمرين ورجال الأعمال إلى خارج البلاد بسبب الإفلاس وتراكم الديون.
فإن كان شيئ من هذا القبيل قد حدث، فإنه على ما نظن يكون بالحدود الدنيا والمعقولة والمقبولة في اقتصاديات السوق، غير أنه ليس حالة عامة البتة، ولا يمكن اتخاذ حالات فردية إن حدثت على أنها عامة.
الإشاعة هدامة، وفي هذا الوقت الصعب نحن أحوج ما نكون فيه إلى التمحيص في كل ما يُعرض أمامنا من معلومات وأنباء سواء أكان مصدرها داخليا أو خارجيا، فالبلد ربما تكون في مرحلة لا تحتمل معها هذا الكم الهائل والمتلاحق من الإشاعات، بالتالي فإن الواجب يحتم على الجميع أن لا يكون معول هدم في بنيان الدولة التي نأكل من خيرها وننعم بأمانها ونتفيأ ظلالها.//