هذا ما فوضه رجال الدين المسيحي للملك عبد الله من المغطس

حمل لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني برجال الدين المسيحي يوم الأحد من بقعة مقدسة في المغطس، رسائل لا يمكن لعاقل أو لبيب إلا أن يتمعن في مراميها.

فبينما يُذكّر جلالته العالم كله أنه الوريث لأمانة الشريف الحسين بن علي في حماية المقدسات، يجدد المسيحيون خللا اللقاء - كحال إخوانهم المسلمين - البيعة له، كما بايعوا جده حيث وجدوا في عرشهم ملاذاً آمنا، وميزان عدل وخيمة تقيهم نازلات الزمن.

سنوات عجاف مرت بها منطقتنا العربية، وكانت صعبة على المسلمين والمسيحيين في المشرق، فبعد حماقات وإرهاب زمر خوارج العصر، يأتي بعقل "يميني" من يزيد الطين بِلة، وكأنما يقول للمسلمين والمسيحيين، "لا محراب لكم ولا صلبان"..هكذا عنوة وبلغة القوة التي لم تعد ترى أبعد من أنفها.

لكن الملك وفي كل مرة تنقبض فيها القلوب، يمد كفيه وقد ملأهما الإحسان والطمأنينة، مؤكداً دعمه لصمود كنائس الأرض المقدسة في الحفاظ على مقدساتهم وممتلكاتهم، وتقديره لكنائس القدس والأوقاف الإسلامية لتمسكها بالعهدة العمرية التي أرست قواعد العيش المشترك والسلام.

 ويبرق الملك للقاصي والداني بأنه "سنواصل واجبنا التاريخي الممتد منذ عهد جدنا الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية المقدسات في القدس الشريف"، يضيف هذا الموقف إلى عبارته في القمة الإسلامية "ستبقى القدس حقاً أبدياً خالداً للمسيحيين والمسلمين".

اليوم وأمام هذا المشهد، يجدد المسيحون البيعة للملك وأمام العالم كله حامياً للمقدسات ومفوضاً للحديث باسم مسيحيي المشرق أمام الهيئات والمحافل الدولية دفاعا عن القدس بمآذنها وأجراسها، وهذا يعد مرتكزاً تاريخياً حيث يفوض بطريرك الكنيسة - ولأول مرة – الملك بالحديث باسم الكنيسة في المحافل الدولية.

لقد أبرق رجال الدين المسيحي بطوائفهم المختلفة وليس الأرثوذكوس فحسب، برسائل ست يمكن إجمالها في:

أولاً: تجديد البيعة للهاشميين كأوصياء امناء على مقدساتهم، وتفويضه للحديث باسم مسيحيي المشرق أمام الهيئات والمحافل الدولية دفاعا عن القدس وكنائسها.

ثانياً: مناشدة الملك أن يخاطب حكومات العالم والأمم المتحدة من أجل رفع الظلم عن القدس وحماية المقدسات.

ثالثاً: مناشدة الملك من أجل الحفاظ على هوية القدس وعروبتها ومن أجل أن يظل جلالته مستمرا في دفاعه الصلب عنها.

رابعاً: تقدير القيادات المسيحية المقدسية جهود الملك في الدفاع عن القدس وتعزيز صمود أهلها، بصفته صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.

خامساً: قيادات الكنائس المقدسية أكدت وقوفها خلف موقف الملك بأن حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد.

سادساً: إن مسيحي الشرق باقون في المشرق العربي وستظل القدس قبليتهم الوحيدة، وهي رسالة لكل من يريد الشرق دون مسيحيين.

وخلال اللقاء أيضاً حملت كلمات رجال الدين المسيحي رسائل مهمة، أكدت البيعة للملك في حماية المقدسات، وخاطبت كل القوى العالمية بأنها ترى في الملك حامياً لمسيحيّ الشرق، وأن ما ينظر إليه الإنجيليون في الغرب من نظرة دينية للقدس كساحة لتعجيل الآخرة ومجيء السيد المسيح، يختلف عن الذي يؤمن به الإنجيليون الأصليون في المشرق بما فيهم العرب.

وتالياً أبرز ما جاء في حديث رجالات الدين المسيحي ومدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، خلال اللقاء:

البطريرك ثيوفيلوس الثالث :

وفي كلمة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين، التي ألقاها نيابة عنه الأرشمندريت خريستوفوروس عطا الله رئيس دير دبين للروم الأرثوذوكس، أكد غبطته أن الملك صاحب الشرعية التاريخية، والوصاية على المقدسات، "ومن أأمن منكم عليها وأنتم الأعدل والأوفى في حمل قضيتها وصون مقدساتها المسيحية، كما تحافظون تماما على كل مداميك مقدساتها الإسلامية".

وتابع غبطته الذي جدد مبايعة الملك في الوصاية على المقدسات: إننا نرى بكم تجليا واضحا لصورة المحبة والسلام، التي تجسدت حين التقى بطريرك المدينة المقدسة القديس صفرونيوس، بالخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، ليخطا معا أول تلاق روحي مقدسي مسيحي إسلامي.

كما حملة كلمته رسالة هامة جاء فيها: كثيرين هم الذين يريدون الشرق بدون المسيحيين، ونحن نقول لهم من هنا إننا باقون وستظل القدس قبلتنا الوحيدة، التي نفتديها بالروح وبكل نفيس.

المدبر الرسولي لبطريرك اللاتين في القدس :

وألقى نيافة المطران بيير باتيستا بيتسابالا، المدبر الرسولي لبطريرك اللاتين في القدس، كلمة قال فيها للملك: نأمل أن تكونوا صوتا لنا لدى كل الهيئات ولدى كل حكومات العالم، وأعلم أنكم ستلتقون قريبا البابا فرنسيس، حتى يتنبهوا ويهتموا لهذه المدينة، المقدسة للديانات الثلاث، وهي تراث الإنسانية كلها، فيعملوا على تجنيبها كل قرار أحادي يسبب لها المذلة والضرر.

مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في فلسطين والأردن :

وألقى المطران منيب يونان، مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في فلسطين والأردن، كلمة قال فيها: أنتم يا صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والاسلامية في القدس، قد مددتمونا عزما وقوة لنصمد على تراب القدس ونحافظ على عروبتها على الرغم من جميع التحديات التي نواجهها.

وتابع بقوله: نواجه بعض الفئات المسيحية في العالم التي تنظر إلى ما يدور في الشرق الأوسط والقدس نظرة دينية ضيقة أبوكالبتية وأخروية. وهذه الفئة ممن ندعوهم الإنجيليين هم من يسيسون الدين ويدينون السياسة. وللأسف، فهم ينظرون إلى كل ما يحدث في الشرق الأوسط من حروب وهموم وتشريد ودمار وظلم بأنه مقدمة إلى مجيء المسيح الثاني. ولكننا نحن الانجيليين الأصيلين بما فيهم الإنجيليون العرب نختلف كل الاختلاف نصا وحرفا مع هذه الفئات من الإنجيليين الذين لا يؤيدون العدالة والذين يسيسون الدين بسيناريوهات غير واقعية خاطئة للشرق الأوسط.

 وأضاف قائلاً:  وعلى الرغم أن لبعضهم التأثير على القرار السياسي في أمريكا، ولكننا نحن العرب المسيحين ننظر إلى هذه الفئة بأنها تمثل التطرف الديني والغلو السياسي ولا تمثل المسيحية الحقيقية النقية ولا تفقه العدالة ولا تكترث لحقوق الانسان. 

الهيئة العامة لمجلس الكنائس العالمي : 

كما ألقت ديما كرادشة، عضو الهيئة العامة لمجلس الكنائس العالمي، كلمة، قالت فيها: اقف امام جلالتكم...وكلي فخر بأنني عربية، أردنية، مسيحية وممثلة لمجلس الكنائس العالمي إذ نطلب من جلالتكم، وبصفتكم صاحب الوصاية على جميع المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس الشريف بأن تكثفوا جهودكم بالدفاع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في الأمم المتحدة واليونسكو ومحكمة العدل الدولية ومحافل المجتمع الدولي كافة من أجل حماية كنائسنا وممتلكاتنا وخصوصا في هذا الوقت الذي تصرخ فيه الكنائس من مضايقات لا حصر لها.

 وكان عريف الحفل وزير الثقافة الأسبق جريس سماوي قال في كلمة ترحيبه:  ترنو القلوب والأعين إلى القدس، كأننا نستحضر ذلك اللقاء التاريخي العظيم الذي توج بالعهدة العمرية بدخول الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، القدس ليتسلم مفاتيحها من البطريرك العربي صفرونيوس لينعم العرب جميعا، بعد ذلك، مسلمين ومسيحيين في رحاب الدولة الإسلامية الراشدة بالعدل والسلام، وتنتقل الشعلة إلى الحفيد من بني هاشم صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس، ووارث المجد المتجدد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله، الذي لم يألو جهدا، ولم يدخر حركة أو عملا أو همة إلا كرسها للقدس وعروبة القدس، لتكون عاصمة لفلسطين، بلد الشهادة والأنبياء والمناضلين، توأم الأردن وحدقة العين منه.

 مدير عام أوقاف القدس :

كما ألقى مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ محمد عزام الخطيب، كلمة قال فيها: يشرفني أن أقف بين يدي جلالتكم لأنقل لكم تحيات واعتزاز جنودكم أئمة وموظفي وحراس المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف والمرابطين في مصليات ومساطب وجنبات المسجد الأقصى، لنجدد البيعة لجلالتكم بأن نضحي بأجسادنا وأرواحنا وأبنائنا وأموالنا دفاعا عن قبلة المسلمين الأولى، ومسرى جدكم الأكرم النبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمانة التي تحملونها يا صاحب الجلالة باسم كل الأمة الإسلامية، مستندين إلى الدين والنبوة والتاريخ ودماء شهداء جيشكم العربي على أسوار الأقصى، ولا زلتم تسطرون صفحات خالدة في الدفاع عن القدس والمقدسات، نصركم الله وأعز جندكم وجزاكم الله عن جميع المسلمين خيرا.

وأكد الشيخ الخطيب تجديد البيعة بقوله: إننا يا صاحب الجلالة نجدد التزامنا بالعهدة العمرية التي توجب علينا حماية إخواننا المسيحيين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم وممتلكاتهم ونعتبر أي اعتداء ضد أي وقف مسيحي اعتداء ضد المسجد الأقصى واوقافه الإسلامية.

155