أبناء غزة وأبناء الأردنيات
أصبح بمقدور أبناء غزة المقيمين في الأردن ممن لا يحملون "لم شمل" تملك شقة أو منزل مستقل اسوة بباقي الأشقاء. حق الحياة الكريمة لأبناء غزة في الأردن يتقدم على حق سواهم من المقيمين على أراضي المملكة، كونهم يعيشون هنا منذ عقود طويلة، وشردوا من أرضهم قهرا وقسرا، ولم تتوفر بعد الظروف المواتية لعودتهم.
للقرار منافع اقتصادية، فهو يساهم في تحريك سوق العقار الذي يعاني من ركود نسبي، ويفتح الباب لمشاريع إسكانية جديدة تنعش قطاعات عديدة، لكن قبل ذلك كله يترجم الحق بمعاملة منصفة لكل من يتمتع بحقوق مدنية في بلادنا.
تؤكد تجارب عشرات الدول حول العالم أن الانتقاص من الحقوق المدنية لغير المواطنين، يخلق بيئات كراهية، ومجتمعات مهمشة، ترتب المخاطر والتهديدات الناجمة عنها كلفا أكبر على الدولة، من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. كما أن التمييز في المعاملة القانونية، يخلق المجال للتحايل على القوانين والأنظمة ومخالفتها، للوصول للخدمات الأساسية والحقوق الكفيلة بحياة كريمة.
هذا ما كان يحدث طوال سنوات سابقة، تحديدا في قضية ملكية العقارات وقد نشأ عنها نزاعات قانونية أرهقت دوائر القرار القضائي والحكومي.
وعلى الجانب السياسي والسيادي، فقد أكدت تجربتنا الأردنية الخالصة، أن التوسع في منح الحقوق المدنية للفئات الاجتماعية غير الأردنية والمرتبطة حصرا بالأشقاء الفلسطينيين، ينزع الذرائع التي تسوقها جهات مشبوهة للضغط على الأردن والدول المستضيفة للاجئين والنازحين بهدف توطينهم ونزع صفة اللجوء عنهم، وهي الصفة المصانة بالقرارات الدولية، ولايمكن لأي دولة القفز عنها حتى لو رغبت بذلك.
إن مثل هذه القرارات الحكومية ذات الطبيعة السيادية، تخضع في العادة لمراجعة وتدقيق من مختلف المرجعيات الرسمية، لضمان تحقيق الأغراض المنشودة منها دون الوقوع في شبهات سياسية أو أمنية. وأعتقد أن القرار الأخير قد خضع فعلا لمثل هذه الحسابات.
وعلى مستوى آخر من المتوقع أن تنظر لجنة العمل النيابية قريبا في تعديل مواد بقانون العمل المفتوح حاليا للتعديل أمام اللجنة المذكورة، لمنح أبناء الأردنيات المتزوجات بغير الأردنيين حق العمل دون الحاجة لاستصدار تصاريح خاصة، باعتباره حقا لمواطنات أردنيات بغض النظر عن جنسية الأب.
بالطبع مثل هذه المسائل تثير جدلا واسعا في الأوساط الأردنية، وهذا أمر مشروع ومطلوب، فثمة قوى اجتماعية تخشى من التداعيات المستقبلية لمثل هذه القرارات، وتصنفها في خانة التوطين الناعم. لكن عقودا طويلة من الجدل بيننا كفيلة بالتوصل إلى قواسم مشتركة حول قضايا أساسية استنادا لخبراتنا وتجاربنا في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، والملفات الشائكة التي نجمت عنه أردنيا.
لقد أصبح بوسعنا اليوم أن نميز بشكل واضح بين الحقوق المدنية والسياسية، وكيفية إدارة العلاقات الداخلية بين مكونات المجتمع الأردني دون المس بثوابت الموقف الأردني الصلب تجاه حقوق الأشقاء الفلسطينيين.
بات واضحا أن كل ما يترتب من حقوق مدنية لأبناء الأردنيات أو الغزازوة في الأردن، هي من صميم الأمن الاجتماعي الأردني ولا يمكن تجاهلها طويلا، لأننا بذلك نعرض سلمنا الأهلي لمخاطر كثيرة، تؤججها على نحو غير مسبوق القضايا المعيشية والضغوط السكانية الطارئة.