الملك: سنواصل واجبنا التاريخي في حماية ورعاية مقدسات القدس الشريف
التقى رجال دين وشخصيات وقيادات مسيحية في الأردن والقدس
حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد
جلالته يهنئ أبناء الطوائف المسيحية بالأعياد المجيدة
يؤكد دعمه لصمود كنائس الأرض المقدسة في الحفاظ على مقدساتهم وممتلكاتهم
أكد عمق التآخي الإسلامي المسيحي في المملكة الذي يشكل أنموذجًا في الوئام والعيش المشترك
غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث للملك: من أأمن منكم على القدس
أنتم الأعدل والأوفى في حمل قضية القدس وصون مقدساتها المسيحية كما تحافظون تمامًا على كل مداميك مقدساتها الإسلامية
نحن اليوم نؤكد على أهم مبادئ العهدة العمرية بأن كنيسة القيامة للمسيحيين كما أن المسجد الأقصى /الحرم الشريف للمسلمين
البحر الميت
التقى الملك عبدالله الثاني، في موقع عماد السيد المسيح عليه السلام (المغطس) أمس، رجال دين وشخصيات وقيادات مسيحية في الأردن والقدس، بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية.
وهنأ جلالته، خلال اللقاء الذي حضره سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية، المبعوث الشخصي لجلالته، أبناء وبنات الأردن وفلسطين المسيحيين، وجميع المسيحيين العرب، بالأعياد المجيدة، مؤكدا جلالته عمق التآخي الإسلامي المسيحي في الأردن، الذي يشكل أنموذجا في الوئام والعيش المشترك.
وأكد الملك، خلال مأدبة غداء أقامها جلالته تكريما للحضور، دعمه لصمود كنائس الأرض المقدسة في الحفاظ على مقدساتهم وممتلكاتهم، معربا جلالته عن تقديره لكنائس القدس والأوقاف الإسلامية لتمسكها بالعهدة العمرية التي أرست قواعد العيش المشترك والسلام.
كما أكد جلالته أن حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد، وقال جلالته "سنواصل واجبنا التاريخي الممتد منذ عهد جدنا الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية المقدسات في القدس الشريف".
بدورهم، أعرب المتحدثون من ممثلي أوقاف وكنائس القدس عن تقديرهم عاليا لجهود جلالة الملك في الدفاع عن القدس وتعزيز صمود أهلها، بوصفه صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.
وجددوا رفضهم للقرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، الذي وصفوه بأنه غير قانوني، ويقوض السلام ويتنافى مع التعاليم المسيحية.
كما ثمنوا مضامين خطاب جلالة الملك في قمة منظمة التعاون الإسلامي، وتأكيد جلالته بأن حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد، مناشدين جلالته بمخاطبة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو وسائر المحافل الدولية باسم كل الكنائس.
واستنكر المتحدثون أية محاولات لتهويد المدينة المقدسة والمساس بهويتها العربية.
غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث
وفيما يلي نص كلمة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين، التي ألقاها نيابة عنه الأرشمندريت خريستوفوروس عطا الله رئيس دير دبين للروم الأرثوذوكس: "حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وحامي المقدسات في القدس حفظكم الله ورعاكم، أصحاب الدولة والمعالي والغبطة، أيها الحضور الكريم، تحية مقدسية مباركة، وبعد، نقرأ في أفيائكم اليوم، كما اعتدنا على الدوام، جل الحب والوفاء للمدينة المقدسة، وفي هذه الأيام التي تغفو بها القدس على جراحها، إلا أنها ترى في عيونكم يا صاحب الجلالة بريق الأمل، وتستشعر من نشامى وطنكم، عمق الإخلاص لثراها الطهور، الذي ما زال يحمل طيب دماء جنودكم البواسل، وعطر دم استشهاد جدكم الملك المؤسس عبدالله الأول طيب الله ثراه.
لقد جئتكم اليوم، أحمل من أرض المهد والقيامة، أرض الأقصى وقبة الصخرة، عظيم الوفاء، وأقدم الشهادة من أجل القدس العزيزة على قلبكم المؤمن، وأنتم صاحب الشرعية التاريخية، والوصاية على مقدساتها. ومن أأمن منكم عليها وأنتم الأعدل والأوفى في حمل قضيتها وصون مقدساتها المسيحية، كما تحافظون تماما على كل مداميك مقدساتها الإسلامية.
وهذا عهدنا بكم يا صاحب الجلالة، وارث العهدة العمرية التي أرست قواعد وأسس العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وحافظت على ازدهار الحضارة المسيحية الإسلامية في ديارنا المقدسة.
إننا نرى بكم تجليا واضحا لصورة المحبة والسلام، التي تجسدت حين التقى بطريرك المدينة المقدسة القديس صفرونيوس، بالخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، ليخطا معا أول تلاق روحي مقدسي مسيحي إسلامي.
نحن اليوم نؤكد على أهم مبادئ العهدة العمرية، بأن كنيسة القيامة للمسيحيين كما أن المسجد الأقصى /الحرم الشريف للمسلمين. وعلى هذا الأساس، لن تتوانى كنائس القدس عن نجدة المقدسات الإسلامية، مثلما أن أوقاف القدس تذود عن حمانا وممتلكاتنا، كلما ألم بنا خطر أو تهديد. جئت لأجدد لكم المبايعة، وأنتم تحملون القضية الفلسطينية بجلها، والقدس بخصوصيتها للعالم، وتخاطبون في المحافل الدولية باسم فلسطين من منطلق الشرعية في وصايتكم الأمينة على مقدساتها.
جئتكم بتواضع المهد وعظم معاني القيامة، لأضع بين أيديكم الكريمتين ملف كنيستنا الأرثوذكسية المقدسية "أم الكنائس"، لا لأثقل كاهلكم أكثر، بل لأن الثقة بكم عظيمة جدا، فأنتم الأقدر أن تخاطبوا العالم لا باسم فلسطين فقط، بل باسم أم الكنائس أيضا، انطلاقا من حرصكم على مسيحيي هذا المشرق المثقل بالمواجع، وسط تزايد أبواق التطرف والتمييز، إلا أننا نعي أنكم صوت الحق الذي سيعلو ولن يعلى عليه.
صاحب الجلالة، أقف لمبايعتكم كما وقف أعيان القدس وفلسطين وعلماؤها وأحبارها وأهلها في الحادي عشر من آذار عام 1924، يبايعون جدكم الكبير الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، فنجدد لكم العهد والبيعة، ليجمعنا حبنا للقدس فنؤكد عمق اعتزازنا بمواقف الهواشم وبصمود عمان الأبية المؤمنة الوفية، التي ما توانت على أن تحمل القدس بكل الاهتمام والتبجيل من غير تمييز أو تحيز، فكانت القدس كل القدس بمسيحييها ومسلميها في ضمير الهواشم وفي قلوب الأردنيين جميعا على مر التاريخ.
وفي رحاب القدس الطاهرة تأسست كنيستنا المقدسة أولى الكنائس "أم الكنائس"، التي باتت أملاكها وأوقافها اليوم عرضة لطمع أكبر، وثكلى بالقيود، وعلى مرمى من الإنتهاكات. وها هي قضية باب الخليل تقف شاهدة على ما تمر به أملاك كنائسها من تآمر واستيلاء في محاولة لتغيير ملامح وتاريخ المدينة المقدسة.
يا صاحب الوصاية والجلالة، إن تسييس القدس والإستئثار بها وخرق (الستاتيكو) القائم فيها هو تدنيس لقدسيتها وتهديد لتاريخها ووجودها ودثر لمقدساتها وحضارتها، وقتل لقرارات الشرعية الدولية بحقها، ووأد للسلام في مدينة السلام الأولى.
ومن أرض المعمودية التي انطلقت منها البشارة المسيحية للعالم، ندعو أصحاب الضمائر الحية والنوايا الصالحة للتصدي لأي انتهاك يواجه القدس ومقدساتها وشعبها، والالتفات لواجبهم في حماية المدينة المقدسة. ولدعم ومساندة جهودكم الجبارة في حمايتها وحماية المقدسات فيها، لتكون القدس كما كانت على مر العصور عاصمة القيم الروحية والإنسانية، ومثالا صالحا للعيش المشترك بين الناس على اختلاف أديانهم وقومياتهم، لكي تبقى بركة الله ونعمته حاضرة.
إن القدس يا صاحب الجلالة، تسير اليوم على درب آلام جديد، حيث عرفت هذه المدينة أقدس درب للآلام اجتازها الرب والمخلص يسوع المسيح. ولكنها اكتملت بالقيامة المجيدة، لتعلن أن بعد الموت قيامة وحياة. لأنه ومهما قوي الباطل وتفاقم الظلم سيأتي الحق والعدل، لأن للشر تاريخ انتهاء، وهذه هي رسالة كنيستنا المقدسة لأبناء الوطن في هذه الأيام الصعبة، علينا أن لا نيأس بل لنتقوى بالإيمان والرجاء والمحبة، ولنحافظ على وحدتنا الوطنية وعلى عيشنا المشترك وعلى الوجود المسيحي الحي في بلادنا المقدسة، لأن كثيرين هم الذين يريدون الشرق بدون المسيحيين، ونحن نقول لهم من هنا إننا باقون وستظل القدس قبلتنا الوحيدة، التي نفتديها بالروح وبكل نفيس.
وإننا هنا يا صاحب الجلالة، نقدر ونبارك مساعيكم الموصولة وجهودكم الطيبة لتثبيت استمرارية الوجود المسيحي والمحافظة عليه، واهتمامكم المشكور في دعم شؤوننا في البطريركية الأرثوذكسية المقدسية ومواقفكم التي تعكس الحرص والاهتمام بما تقوم به الكنائس، إذ نرى بهذا إرثا شرعيا نفخر به، يجسد نموذجا حيا للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين يجذر قيم العيش بين الشعوب والتآخي والحوار بين أتباع الأديان.
وفي الختام ستبقون يا صاحب الجلالة في قلب دعائنا أنتم وأسرتكم الهاشمية والأردنية الكبيرة، التي لم تبخل يوما على القدس وأهلها بالعون، حفظكم الله العلي القدير وحفظ أردننا المبارك وجيشنا العربي الأبي وأدام عليه أمنه واستقراره بقيادتكم الحكيمة، وأنتم ذخرا وسندا منيعا للقدس الحبيبة وأهلها ومقدساتها. وإننا نبادل المعايدة ونهنئكم بعيد الميلاد المجيد هاتفين مع الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".
آملين أن نحتفل معا وقد أمنت القدس على مقدساتها وأهلها وثراها بوجودكم معها سندا ووصيا شرعيا نجدد به الفخر ونواصل معه البيعة والعهد، ونؤكد على قول جلالتكم نعم "القدس في وجدان كل المسيحيين والمسلمين وستبقى لنا خالدة الى الأبد".
دمتم بحفظ الله ورعايته، والسلام معكم ولكم".
وألقى نيافة المطران بيير باتيستا بيتسابالا، المدبر الرسولي لبطريرك اللاتين في القدس، كلمة وفيما يلي نصها: "صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، نحتفل كمسيحيين في هذه الأيام بعيد الميلاد المجيد، عيد سلام ومحبة للبشرية كلها. هو عيد فرح وانتزاع كل خوف. قال الملائكة للرعاة: كما جاء في الإنجيل المقدس "لا تخافوا. إني أبشركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كله: ولد لكم اليوم مخلص في مدينة داود. وهذه علامة لكم: ستجدون طفلا مقطما مضجعا في مذود" (لوقا 10: 1-12).
"كلمة الله الأزلى صار إنسانا وسكن بيننا" (يوحنا 1: 14) ودخل تاريخ البشرية. لم يأتنا ديانا أو نذير عقاب. بل جاءنا طفلا متواضعا، ببساطة الطفل ووداعته وفرحه .. قال الملائكة للرعاة: "إني أبشركم بفرح عظيم".
هذه البشرى موجهة إلينا بصورة خاصة في هذه السنة. فكلنا عطاش وجياع إلى الفرح. بينما أصبح الكثيرون منا يرون بلوغ الفرح الحقيقي أمرا صعبا أو حتى مستحيلا في الأوضاع المعقدة والصعبة التي نعيشها في هذه المرحلة من تاريخنا.
صاحب الجلالة، هناك أسباب كثيرة دينية واجتماعية تدعونا إلى الابتهاج والفرح في العيد المجيد، وهناك أيضا أسباب كثيرة تثير فينا الهموم والأشجان، حينما ننظر إلى المجتمعات السياسية والاجتماعية التي نعيش فيها.
بيت لحم والقدس مدينتان قريبتان ومرتبطتان تاريخيا، وهما قلب إيماننا وحياة جماعاتنا المؤمنة. فيما نحتفل بالميلاد في بيت لحم، لا يمكننا إلا أن نرى القدس وما تعاني.
كلنا سمعنا التصريح الخطير الذي أحدث خللا في وضع المدينة المقدسة، وفي الأماكن المقدسة، وفي حياة الجماعات الدينية فيها. إننا نعرب عن أسفنا لهذا التصريح الذي يزيد مسيرة السلام تعقيدا، بل عمق هوة الثقة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
أعرب البابا فرنسيس عن اهتمامه العميق، لهذا التصريح، وأعلن عن موقفه الصريح عندما قال: "أرجو أن يهتم الجميع لهذه القضية وأن يلتزموا احترام الوضع القائم (الستاتو كوو) في المدينة المقدسة بما يتلاءم وقرارات هيئة الأمم. القدس مدينة فريدة، مقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين، وكلهم يكرمون فيها أماكنهم المقدسة كل واحد بحسب ديانته. وللقدس دعوة خاصة: أن تكون مدينة سلام".
أمام حالة الصراع القائم فيها، نحن نرى أن أي حل أحادي لا يمكن أن يكون حلا. أية قرارات أحادية من جانب واحد لا يمكنها أن تحقق السلام. عكس ذلك، إنها تبعد السلام. القدس كنز ثمين للإنسانية كلها. فكل مطالبة بها بصورة إقصائية، على الصعيد السياسي أو الديني، تنقض منطق طبيعة المدينة نفسها.
صاحب الجلالة، كلنا نعلم كم هي عزيزة، المدينة المقدسة، على قلبكم. أنتم والأسرة الهاشمية، حراس للأماكن المقدسة في تلك المدينة، ولجماعات المؤمنين الذين يعيشون فيها ويصلون. سمعنا صوتكم يرتفع مرات كثيرة، في الماضي، وفي هذه المرة أيضاً، للدفاع عن الوضع القائم (الستاتو كوو) للمدينة، وجماعات المؤمنين فيها. كلنا نثمن غالياً اهتمامكم للحضور المسيحي في المدينة المقدسة، ولدعمكم بالقول والفعل للمؤسسات المسيحية فيها. إنا نشكر لكم مواقفكم النبيلة، وهي مصدر عزاء نادر لنا في الظروف الراهنة، وفي الاضطراب الذي يعم هذا الشرق الأوسط.
نأمل أن تكونوا صوتا لنا لدى كل الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة واليونسكو ولدى كل حكومات العالم، وأعلم أنكم ستلتقون قريبا البابا فرنسيس، حتى يتنبهوا ويهتموا لهذه المدينة، المقدسة للديانات الثلاث، وهي تراث الإنسانية كلها، فيعملوا على تجنيبها كل قرار أحادي يسبب لها المذلة والضرر.
في هذه الأيام، كلنا معاً نرفع صوتنا لنؤكد بقوة أننا نندد بكل شكل من أشكال العنف، المادي أو السياسي. ونؤكد على عزمنا للمطالبة ولتحقيق مستقبل للقدس يقوم على المشاركة وليس على الاستثناء أو الإقصاء، يقوم على الترحيب وليس على الرفض، حتى يكون كل المؤمنين الساكنين في المدينة المقدسة مواطنين كاملين متساوين.
صاحب الجلالة، باسمي وباسم المسيحيين الكاثوليك الذين أمثلهم، أشكر لكم مواقفكم الشجاعة. وأسأل الله أن يؤيدكم بحكمته وقوته ويشملكم ببركته القديرة".
كما ألقى مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ محمد عزام الخطيب، كلمة وتاليا نصها: "سيدي حضرة صاحب الجلالة، حفظه الله، الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس الشريف، السلام عليكم ورحـمة الله وبركاته، يشرفني أن أقف بين يدي جلالتكم لأنقل لكم تحيات واعتزاز جنودكم أئمة وموظفي وحراس المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف والمرابطين في مصليات ومساطب وجنبات المسجد الأقصى، لنجدد البيعة لجلالتكم بأن نضحي بأجسادنا وأرواحنا وأبنائنا وأموالنا دفاعا عن قبلة المسلمين الأولى، ومسرى جدكم الأكرم النبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمانة التي تحملونها يا صاحب الجلالة باسم كل الأمة الإسلامية، مستندين إلى الدين والنبوة والتاريخ ودماء شهداء جيشكم العربي على أسوار الأقصى، ولا زلتم تسطرون صفحات خالدة في الدفاع عن القدس والمقدسات، نصركم الله وأعز جندكم وجزاكم الله عن جميع المسلمين خيرا.
سيدي صاحب الجلالة، تكتنف القدس هذه الأيام مخاطر جسام، زادها خطورة القرار المشؤوم باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، قوة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو قرار جائر رفضناه بأشد العبارات لأنه يمثل اعتداء على التعريف الرباني للمسجد الأقصى ويتجاهل أي وجود لكنائس القدس فهو اعتداء ضد كل مسلم وضد كل مسيحي وكل أردني وكل فلسطيني وكل مناهض للاستعمار والاحتلال والعنصرية.
وأخطر ما في قرار ترمب بالنسبة لنا في أوقاف القدس أنه يشرعن ويشجع تهويد تراث القدس وتغيير الوضع القائم وطمس طابعها التاريخي والقانوني بشكل يهدد مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، والشواهد مستمرة في الانتهاكات اليومية التهويدية التي تتعرض لها المقدسات والعقارات الوقفية الإسلامية والمسيحية، من تسريب واغتصاب للعقارات والأراضي التي تتم بطرق ملتوية من خلال التزوير والبيع الباطل مثلما أصاب بعض العقارات والأراضي الوقفية الكنسية، مما استدعى وبتوجيهاتكم السامية أن تقوم إدارة الأوقاف الإسلامية بالقدس بدورها في مؤازرة إخواننا المسيحيين والعمل معهم للكشف عن عمليات تسريب هذه العقارات وفضح عمليات التزوير والاحتيال والتصدي لها بما تملكه الأوقاف من وثائق لهذه الأملاك الوقفية المسيحية والمحفوظة لدينا.
سيدي صاحب الجلالة، إن استهداف المتطرفين اليهود للمقدسات المسيحية وتسجيل حوادث إحراق وتكسير أكثر من 53 كنيسة في القدس وفلسطين فيما يسميه المتطرفون اليهود تهديد "تدفيع الثمن" لا يختلف عن عشرات حوادث تكسير قبور مسلمين وزراعة آلاف القبور اليهودية المزيفة في أرض الأوقاف الإسلامية، وما هذه الانتهاكات إلا دليل واضح على أن الهدف هو إزالة كل مقدس وتراث غير يهودي في المدينة المقدسة والمسجد الأقصى في قلب هذا الإستهداف. من حيث عدد وطبيعة الاعتداءات.
إننا يا صاحب الجلالة نجدد التزامنا بالعهدة العمرية التي توجب علينا حماية إخواننا المسيحيين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم وممتلكاتهم ونعتبر أي اعتداء ضد أي وقف مسيحي اعتداء ضد المسجد الأقصى واوقافه الإسلامية.
صاحب الجلالة، لقد أثلجتم صدور كل المقدسيين بتصريحكم التاريخي في القمة الإسلامية في إسطنبول حين قلتم "حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد" لأنه تصريح يؤكد وحدة إسلامية مسيحية تستند للعهدة العمرية المبنية على أن وعد الله عز وجل بأن المسجد الأقصى / الحرم الشريف للمسلمين مثلما أن كنيسة القيامة للمسيحيين وحدهم ووعد الله أقوى من وعود ترامب وبلفور.
سيدي صاحب الجلالة، إن أهلكم في مدينة القدس يتطلعون لوصاية جلالتكم على المقدسات بأمل كبير لأنكم السند والظهير الأوحد بعد الله تعالى، تصونون وترعون مقدساتها الإسلامية والمسيحية وتدعمون صمود أهلها، ونعاهدكم بأن نبقى في القدس مسلمين ومسيحيين حراسا أوفياء نفدي المقدسات ونفدي وصايتكم عليها بالمهج والأرواح.
حفظكم الله سيدي وابقاكم حاميا ومدافعا عن المقدسات وقضية القدس، عاصمة دولة فلسطين وهي عاصمة كل المسلمين وكل المسيحيين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وألقى المطران منيب يونان، مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في فلسطين والأردن، كلمة فيما يلي نصها: "صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، بادئ ذي بدء، نود أن نشكركم على هذه اللفتة الهاشمية الكريمة بدعوتنا من القدس الحبيبة لننقل اليكم تحيات القدس، وننقل اليكم محبة القيامة والأقصى لجلالتكم. وهذه القدس التي هي مهد الديانات السماوية هي أيضا العاصمة الخالدة للمسيحين وللمسلمين وتصلي معكم من أجل العدالة والسلام والمصالحة.
يا صاحب الجلالة، لقد وقف أهل القدس من مسيحيه ومسلميه في شهر تموز المنصرم وقفه حق سلمية مع الأوقاف الاسلامية في القدس ورفع صوته عاليا: أنه واجب واجب احترام الوضع التاريخي القائم في القدس. ولا يجوز لأحد أن يعبث بهذا الوضع التاريخي القائم لأنه الضمان الوحيد لسلام القدس وللسلام بين أتباع الديانات السماوية الثلاثة، فالقدس هي مدينة الشمولية والتعددية وهي أم للجميع وتحتضن الجميع ولا يجوز أن تكون لدين واحد أو لشعب واحد، إنما قوتها هي بنسيج تعددها.
وأنتم يا صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والاسلامية في القدس، قد مددتمونا عزما وقوة لنصمد على تراب القدس ونحافظ على عروبتها على الرغم من جميع التحديات التي نواجهها.
يا صاحب الجلالة، أن مواقف كنائسنا المسيحية في العالم هي مواقف تدعم العدالة وتؤيد سلام القدس. وقد هبت جميع كنائسنا بما فيهم الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي والاتحاد اللوثري العالمي ومجلس الكنائس في أمريكا وغيرهم بتأييد مواقف العدالة للقدس في الشهر المنصرم. ونحن نفخر أنهم يتبنون مواقف رؤساء الكنائس المسيحية في القدس.
ولكننا وبصراحة نواجه أيضا بعض الفئات المسيحية في العالم التي تنظر إلى ما يدور في الشرق الأوسط والقدس نظرة دينية ضيقة أبوكالبتية وأخروية. وهذه الفئة ممن ندعوهم الإنجيليين هم من يسيسون الدين ويدينون السياسة. وللأسف، فهم ينظرون إلى كل ما يحدث في الشرق الأوسط من حروب وهموم وتشريد ودمار وظلم بأنه مقدمة إلى مجيء المسيح الثاني. ولكننا نحن الانجيليين الأصيلين بمن فيهم الإنجيليون العرب نختلف كل الاختلاف نصا وحرفا مع هذه الفئات من الإنجيليين الذين لا يؤيدون العدالة والذين يسيسون الدين بسيناريوهات غير واقعية خاطئة للشرق الأوسط. وعلى الرغم أن لبعضهم التأثير على القرار السياسي في أمريكا، ولكننا نحن العرب المسيحين ننظر إلى هذه الفئة بأنها تمثل التطرف الديني والغلو السياسي ولا تمثل المسيحية الحقيقية النقية ولا تفقه العدالة ولا تكترث لحقوق الانسان.
فكما تبرأتم جلالتكم من فئة إرهابية ضالة لا تمثل الإسلام الحقيقي ودعوتوهم خوارج، نتبرأ نحن المسيحيون العرب من هذه الفئة المسيحية التي لا تمثل الإنجيل ولا المسيح، ونحن ندعوهم خوارج عن الكنيسة، إنما بقراءتهم الحرفية الخاطئة للإنجيل يسيئون للإنجيل وللمسيح الذي حمل رسالة المحبة والكرامة والعدالة للبشرية جمعاء. ولذلك، أننا كعرب مسيحيين مخلصين إلى أوطاننا وقضايانا العدالة. ونحن جزء أصيل لا يتجزأ من النسيج العربي بما فيهم الأردني والفلسطيني. نقول وبصراحة: أن جوهر القضايا العربية هي القضية الفلسطينية وقضية القدس. ورب ضارة نافعة، بأن القرار الأمريكي قد جدد في العالم الاهتمام بمركزية القدس أكثر مما مضى، وفهم العالم اليوم، أنه لا يمكن أن يكون ثمة سلام في الشرق الأوسط، دون سلام عادل في القدس وللقدس.
يا صاحب الجلالة، إننا نؤيدكم وندعم مواقفكم المشرفة وما أعلنتموه وثبتته منظمة التعاون الإسلامي، واسمحوا لي أن أقتبس من خطابكم: "لا يمكن أن تنعم منطقتنا بالسلام الشامل، إلا بحل للصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي على أساس حل الدولتين وفق الشرعية الدولية والمبادرة العربية ووصولا إلى قيام الدولية الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية. فالقدس هي الأساس الذي لا بديل عنه لأنهاء الصراع التاريخي (من خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله في اسطنبول 13/12/2017). وهذه الرؤية الهاشمية وحدها هي التي تحقق السلام العادل لمنطقتنا لأننا دعاة سلام وعدالة ومصالحة وكما علمنّا يسوع المسيح الذي نحتفل بميلاده: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون." (إنجيل متى 5 : 9).
يا صاحب الجلالة، باسم المسيحية العربية، نتمنى من جلالتكم بصفتكم صاحب الوصاية على جميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف بأن تخاطبوا الأمم المتحدة واليونسكو والدول والمحافل المؤثرة في العالم من أجل إدانة الظلم وحماية المقدسات وممتلكاتها من الانتهاكات الصارخة ضد التراث المسيحي والإسلامي في القدس الشريف.
بهذه الكلمات نود أن نشكركم ثانية على هذه الدعوة الكريمة. ومن خلالكم، نشكر أيضا محبة ورعاية سمو الأمير غازي بن محمد حفظه الله.
وإن دل هذا الاجتماع على شيء، إنما يدل على أنكم أب لهذا الشعب الأبي. ويدل على حرصكم الأمين على حرية الأديان وحرية العبادة في الأردن والشرق الأوسط، ويدل على أن الأردن هو نموذج للعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد من مسلميه ومسيحيه وهو بلد آمن للحوار بين الأديان.
ومن القدس، نصلي إلى الله الواحد الأحد بأن يمد من عمركم ويوفقكم في مساعيكم للسلام والوئام، للعدالة والمصالحة وإعطاء كل ذي حق حقه.
وكل عام وأنتم والأردن والعائلة الهاشمية بألف خير.
وسلام الرب معكم ولكم جميعا".
كما ألقت ديما كرادشة، عضو الهيئة العامة لمجلس الكنائس العالمي، كلمة، تاليا نصها: "سيدي صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه، صاحب الجلالة، اليوم، ومن على هذه البقعة المقدسة، أحمل لجلالتكم تحية عربية مسيحية مليئة بعبق الميلاد وروح السلام الذي يملأ قلوبنا بالزهو والافتخار، حيث نلتقي قريبين من موعد ميلاد المسيح ومن مكان تعميد المسيح على أرض الأردن الطاهرة التي تنعم بقيادة هاشمية حكيمة.
سيدي صاحب الوصاية على الأماكن الإسلامية والمسيحية، إننا في مجلس الكنائس العالمي نفخر بما تحققونه من نموذج التآخي والوحدة الوطنية التي لم تجعلنا نشعر في يوم من الأيام بغير أننا أسرة أردنية واحدة كانت وما زالت تحظى برعاية حامي المقدسات المسيحية والاسلامية في الأردن وفلسطين ونحن على مقربة من نهر الأردن الذي يشكل معبرا واصلا لا فاصلا بيننا وبين مقدساتنا وأهلنا الصامدين في وجه احتلال غاشم.
عيد على أي حال عدت يا عيد، نعم نستذكر الميلاد في الأرض المقدسة في قلب فلسطين العروبة، وهي اليوم تنزف من الالم والحزن على ابنائها وبناتها الذين منهم من استشهد ومنهم من شرد الى اقاصي الارض ومنهم الصابرين في الأرض المباركة وهي تصرخ بوجه من احتل واغتصب الأرض بقرارات "من لا يملك لمن لا يستحق"، من بلفور إلى ترامب...نقول لهم نرفض قرار ترامب مثلما رفضنا بلفور قبل 100 عام. عطائكم باطل وغير قانوني ولن ترضى به كنائس العالم ولا أحرار العالم.
ونحن في الأردن ... قدوتنا قيادتنا الهاشمية .. نقف صفا واحدا في وجه المعتدي والمحتل لنسمع العالم صوت "الحق الإسلامي والمسيحي الخالد في مقدساته" كما بينتم جلالتكم في قمة إسطنبول قبل أيام، نعم إنه حق أبدي خالد في مقدساتنا التي حفظتها العهدة العمرية كما حماها جدكم الشريف الحسين بن علي بروحه وجسده، وتقودون جلالتكم اليوم العالمين الإسلامي والمسيحي في الدفاع عن المقدسات بهمة الأبطال، فسر يا صاحب الجلالة، ونحن كل مسيحيي ومسيحيات الوطن والعالم من ورائكم وجنودكم المخلصين حتى يرتفع الظلم عن قدسنا ومقدساتنا.
سيدي ومولاي حامي الحمى فوق هذا الثرى المقدس، اليوم...اقف امام جلالتكم...وكلي فخر بأنني عربية، أردنية، مسيحية وممثلة لمجلس الكنائس العالمي إذ نطلب من جلالتكم، وبصفتكم صاحب الوصاية على جميع المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس الشريف بأن تكثفوا جهودكم بالدفاع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في الأمم المتحدة واليونسكو ومحكمة العدل الدولية ومحافل المجتمع الدولي كافة من أجل حماية كنائسنا وممتلكاتنا وخصوصا في هذا الوقت الذي تصرخ فيه الكنائس من مضايقات لا حصر لها، ونذكر منها أن أكثر من ستين كنيسة في القدس وفلسطين تعرضت للحرق والتكسير الهمجي من قبل متطرفين إسرائيليين في السنوات الأخيرة وذلك فيما يعرف بجرائم تدفيع الثمن التي تجرأت بكتابات طالت كل المسيحين وعلى رأسهم سيدنا المسيح عليه أفضل الصلاة والسلام.
سيدي ومولاي، واخيرا وليس آخرا...اقول...لك منا يا سيدي ولكل فرد من افراد جيشنا الباسل ونشمياته كل الاخلاص والولاء لآل هاشم، حفظ الله مسيحي الوطن ومسلميه في ظل عميدها صاحب الوصاية الأمين على المقدسات الاسلامية والمسيحية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.
حماكم الله يا سيدي، وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة".
وكان عريف الحفل وزير الثقافة السابق جريس سماوي، قال في كلمته الترحيبية "من هذا المكان التاريخي المقدس، من المغطس على ضفة نهر الأردن الشرقية انطلقت المسيحية إلى العالم، دينا يدعو للمحبة والسلام، ومن هنا ترنو العيون عبر النهر إلى القدس، حاضنة المقدسات ومهد الرسالات ومحط الأنبياء.. القدس جدتنا العتيقة، ذات المخبأ من المؤونة المقدسة، من الحنطة والزيت، ومرهم الروح.
المكان عامر بالألق الروحي والاستبطان الوجداني العميق، والزمان هو زمان البشارة بميلاد المسيح عليه السلام، ميلاد الإنسان من جديد، وميلاد الروح نافضة عنها الغبار ومنبثقة كحمامة تعلو رأس النبي مبشرة بعصر جديد. فكل عام وأنتم بخير يا سيدي، والأمة، والأردن، وفلسطين بخير.
لقد اعتاد الأردنيون من جلالتكم هذا اللقاء السنوي، لقاء المحبة والوفاء لمعايدة أبناءكم وأخوتكم معايدة السلام والمحبة الممسوسة بعطر الوطن، أما هذا العام فترنو القلوب والأعين إلى القدس، كأننا نستحضر ذلك اللقاء التاريخي العظيم الذي توج بالعهدة العمرية بدخول الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، القدس ليتسلم مفاتيحها من البطريرك العربي صفرونيوس لينعم العرب جميعا، بعد ذلك، مسلمين ومسيحيين في رحاب الدولة الإسلامية الراشدة بالعدل والسلام، وتنتقل الشعلة إلى الحفيد من بني هاشم صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس، ووارث المجد المتجدد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله، الذي لم يألو جهدا، ولم يدخر حركة أو عملا أو همة إلا كرسها للقدس وعروبة القدس، لتكون عاصمة لفلسطين، بلد الشهادة والأنبياء والمناضلين، توأم الأردن وحدقة العين منه.
سيدي صاحب الجلالة، إيها الحضور الكريم، نعيش الآن عصر الدفاع عن القدس بأقصاها وقيامتها، ويهب المسيحيون دفاعا عن الأقصى الشريف، وحين يمنع الآذان في القدس، يقيم المسيحيون الآذان من كنائسهم. ويقف المسلمون لنجدة القيامة والمهد حين يمسهما ضر أو شر إنه وهج الأمة واشتعال الروح بالحياة، والإصرار عليها بكرامة وكبرياء، الأمة إذ يقودها هاشمي عربي وارث للمجد والشرف فكل عام وأنتم والأردن بألف خير. سيدي".
وحضر اللقاء رئيس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومدير مكتب جلالة الملك، وعدد من الوزراء، وسماحة قاضي القضاة، وسماحة مفتي عام المملكة، وعدد من كبار المسؤولين.