انصاف المتعلمين والجهلة والنخب الفكرية
د. رياض الشديفات
في ظل الصخب الإعلامي السائد في مجتمعنا نحو مختلف القضايا وغياب المرجعيات الفكرية والوطنية الفاعلة والمؤثرة تعج الساحة بالجهلة الذين يملأون الفضاء ضجيجا وعويلا وصراخا ، وترتفع أصوات أنصاف المتعلمين في الإدلاء بدلوها في جو يملؤه الغبار الذي تنعدم فيه الرؤيا إلا من بعض الضوء الخافت هنا وهناك ، ويخفت صوت العقلاء والنخب حيت لا مكان ل " فتثبتوا " ولا مكان ل ،فتبينوا " ولا مكان ل " فاسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، ولا صوت يعلو فوق صوت الهوى ، ولا صوت يعلو فوق صوت المصالح .
ولعل من أخطر ما تعانيه مجتمعاتنا العربية ضجيج أنصاف المتعلمين ممن لا يحسنون أبسط قواعد اللغة ، ومبادئ العلم ، وطرائق الحوار والنقاش ، فتراهم يخبطون خبط عشواء ، يحللون في السياسة ، ينظرون في الاقتصاد ، يفتون في الدين ، ينتقدون جهابذة العلماء ، لا يقنعهم شيء ، يطربون للباطل ، ينفرون من سبيل الحجة ، يعيبون على غيرهم ما يقعون هم فيه ، فهم كالرضع الذين لم يبلغوا الفطام بعد ، غالب هؤلاء ميدانهم مواقع التواصل ووسائل الإعلام عبرها يصولون ويجولون .
وفي ذات السياق حين ترى الجهلة يتحدثون في قضايا أهل الاختصاص التي لا يمكن الخوض فيها إلا لمن ملك ناصية التخصص الدقيق ، ويتصدرون المشهد من غير علم وبينة، وهنا تكمن المصيبة الكبرى بحق الشعوب والمجتمعات ، وهنا يكون الأمر قد وسد لغير أهله ، ولعل ما نحن فيه من تيه وضياع بسبب هذين الفريقين : فريق أنصاف المتعلمين ، وفريق الجهلة ، وكلاهما فعل فعله في توجيه الرأي العام ، وفي صناعة الأزمات الإدارية والثقافية ، بكل ما نراه من غثاء يسمونه ثقافة تارة ، وتارة فكرا ، وتارة فنا ، وتارة حداثة ، وتارة تحت ستار عناوين براقة "مؤمنون بلا حدود" فصرنا غثاء في المعادلة المعاصرة ننتظر مصيرنا المجهول .
وأما حال النخب فهو بين غائب ينتظر حتفه ، وبين مغيب لا مكان له بين المتزاحمين على الصف الأول ، فلا الوجهاء موجبون ، ولا العلماء مقدرون ، ولا الأذكياء والنجباء مسموعون ، وقد خلت الساحة لمن يسرح ويمرح بحسب هواه ومصالحه ، يُقرب هذا بمعاييره ،ويبعد هذا بهواه ، والله المستعان// .