حرب اقتصادية على إيران
باستثناء حكومة المستعمرة الإسرائيلية التي رحبت بقرار الولايات المتحدة لزيادة العقوبات والاجراءات والحصار على إيران وتكثيفها وزيادتها لتشمل موضوعي النفط والبنوك، مما يسبب مأزقاً حقيقياً ليس فقط لطهران بل ولكل العواصم التي تتعامل معها .
ففي الوقت الذي يواصل فيه ترامب سياساته في شن الحرب الاقتصادية لتجويع الشعب الإيراني ودفعه نحو التمرد والثورة على حكومته الشرعية المنتخبة، يرفض أصدقاء الولايات المتحدة هذه السياسة التحريضية التي وصفها الرئيس التركي أردوغان على أنها غير شرعية وتفتقر لأي مظلة قانونية، ذلك لأن أصدقاء الولايات المتحدة وخاصة أوروبا يرفضون هذه السياسة ليس فقط لأنها تتعارض مع مصالحهم بل لأنهم يدركون أنها سياسة متطرفة رغم خلافاتهم السياسية مع طهران، ويجدون أولاً أن الحوار والتفاهم هو الصيغة الأكثر ملاءمة من فرض الحرب الاقتصادية، وأنها ثانياً تشكل استجابة للسياسة العدوانية الاستعمارية الإسرائيلية ولتحريض اللوبي الصهيوني اليهودي الإسرائيلي داخل مؤسسات صنع القرار الأميركي ، ولو لم تكن كذلك لما سبق وأن توصلت إدارة الرئيس الأميركي أوباما مع البلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن من طرف واحد، بدون رضى بريطانيا وفرنسا والمانيا إضافة إلى روسيا والصين الذين واصلوا تمسكهم في الاتفاق مع إيران .
سياسة ترامب ابتزازية ، ولا تستهدف فقط إعادة النظر بالاتفاق النووي، بل يشمل عملية إنتاج الصواريخ البالستيه، ونفوذ إيران الإقليمي في أسيا الوسطى والعالم العربي، وسياسة إيران وإن لم تكن غير مقبولة عربياً وإسلامياً ولكن تدخلاتها تتأتى من خلال غياب المعايير الديمقراطية السائدة لدى البلدان التي تتدخل بشأنها إيران، وبسبب سياسات الولايات المتحدة التي كانت تدعم الأنظمة غير الديمقراطية وتقف إلى جانبها في قمع شعوبها وتحول دون التحول الديمقراطي السلمي لأنظمتها، فالتدخل الأميركي العسكري في كل من العراق وليبيا وإسقاط نظاميهما وكذلك في اليمن وغيرها هو الذي سمح للتسلل الإيراني أن يتعزز وأن يُملي سياساته على قوى اجتماعية كانت تعيش الظلم والدونية وتتطلع إلى المساواة والمواطنة على أساس الشراكة .
واشنطن هي التي لعبت دوراً في دعم وإسناد أغلبية التنظيمات السياسية ذات البعد والنكهة الإسلامية وتوظيفها للإسلام واستغلاله طوال مرحلة الحرب الباردة، بما فيهم تنظيم القاعدة وما انبثق عنها المناهضة للسوفييت وللتوجهات اليسارية والقومية .
الشعوب العربية والإسلامية، تؤمن حقاً بالتعايش والشراكة والتعددية، لأن رسالاتها السماوية الثلاث ولدت في أحضان شعوبها ومن خلالهم امتدت إلى العالم، ولذلك لا يمكن لهذه الشعوب أن تكون معادية لتراثها الإسلامي والمسيحي واليهودي، ولكن التوظيف السياسي للقيم الدينية هو الذي فجّر الخلافات والصراعات، وهذا التوظيف لم يكن حديثاً، فقد بدأ منذ الحملات الاستعمارية الأوروبية تحت رايات الصليب لغزو البلدان العربية والإسلامية، مثلما وظفت الصهيونية اليهود لقيام مستعمرتها الإسرائيلية على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها العربي بتراثه الإسلامي والمسيحي، وها هي القاعدة وداعش تسيران على نفس النهج الاستغلالي في توظيف الدين لإقامة دولتهما الإسلامية .
نختلف مع إيران ولكننا لسنا في حرب معها أو ضدها، ويمكن لكل العناوين الخلافية معها معالجتها وحلها في إطار من احترام المصالح والتوافق والشراكة وحُسن الجوار كما هي مع تركيا وأثيوبيا التي تجمعنا معهم الجيرة والتاريخ والتراث المشترك، وبالتالي لن نستطيع القفز عنهم وإلغاء وجودهم كما هم لا يستطيعون المس بوجودنا وتاريخنا ومستقبلنا مما يتطلب البحث عن أدوات ووسائل العيش المشترك بيننا وبينهم.