سوار من ذهب
د. أيّوب أبو ديّة
عبد الرحمن سوار الذهب زعيم عربي دخل التاريخ بوصفه أول زعيم عربي تنازل عن الحكم طوعاً، وليته لم يفعل فربما ظل السودان موحداً لو استمر في الحكم.
كان قائداً سياسياً فذاً في أيام السلم عندما تنازل عن الحكم ولكنه كان أيضاً قائداً عسكرياً بطلاً أثناء الحرب، حيث رفض تسليم حامية مدينة الأبيض العسكرية بوصفه قائداً عسكرياً لها إلى حين استعاد جعفر النميري السيطرة عليها بعد إفشال انقلاب الرائد هاشم العطا عام 1971.
قلنا "ليته لم يتنازل عن الحكم" لأنه أبعد عن السودان إلى قطر الشقيقة بصورة تعسفية بعد تنازله عن الحكم، ولكنه ظل ناشطاً في قطر، إذ أسهم هناك في فصل الجيش عن الشرطة لزيادة في الكفاءَة وتحسين في التنظيم. ولكنه ما لبث أن عاد إلى السودان ليستلم منصب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، إلى أن تولى عبد الرحمن سوار الذهب الحكم في السودان بعد أن أطاحت انتفاضة نيسان 1985 بجعفر النميري، فأصبح المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي؛ وعندها وعد الشعب السوداني أنه سوف يترك السلطة بمجرد تسلم الحكومة المنتخبة الجديدة مهامها. وهذا ما تم، حيث عندما استلم رئيس الحكومة المنتخب الصادق المهدي السلطة صدق سوار الذهب وعده للشعب واستقال من منصبه واعتزل العمل السياسي.
وبالرغم من اعتزاله العمل السياسي لم يتوقف عن نشاطاته المدنية والمجتمعية، داخل السودان وفي خارجه، حيث رأس منظمة الدعوة الإسلامية التي أشرفت على تحسين أوضاع الناس الصحية والاجتماعية والنفسية، وذلك عبر بناء الملاجئ ودور الأيتام والمدارس والمشافي ومؤسسات الإغاثة ودور الثقافة، حيث أسهم في تأسيس منارات علمية في السودان، مثل جامعة كردفان وكلية النيل الجامعية، كذلك أسهم في تنشيط الحوار المدني التصالحي ورفع الوعي بحقوق الناس الاجتماعية والمدنية، فيما امتد نشاطه إلى بعض الدول الإفريقية مثل السنغال وموريتانيا والصومال وغيرها.
فاز المشير عبد الرحمن سوار الذهب بجائزة الملك فيصل السنوية كشخصية عربية إسلامية مميزة، كذلك فاز بجائزة الشيخ حمدان بن راشد الدولية للخدمات الإنسانية، وجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لجهوده في مجال الدعوة الإسلامية.
وبالرغم من أن المشير سوار الذهب يعتبر من أبرز الشخصيات الإسلامية التي نالت شهرة عالمية، ولكنه فيما يبدو لم يحظ بالتكريم المناسب من مؤسسات الغرب الأكاديمية أو السياسية أو المجتمعية، كما يتهافت عليها الزعماء في الدول النامية، اذ انحصر تكريمه من قبل الدول الإسلامية، ويكفيه ذلك شرفاً وشهامة ووطنية، فربما عدم تكريم الغرب له يضيف إليه شرفاً إلى شرف وشهامة إلى شهامة ووطنية إلى وطنية له مشهودة.
لقد تخطى المشير سوار الذهب التقليد العربي في التمسك بالكرسي أطول فترة ممكنة، فوداعاً أيها المشير أينما حللت ونأمل أن تكون عبرة لزملائك العرب والأفارقة القابعين على الكراسي في أبراجهم العاجية كقول الشاعر:
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكاً مسروراً//