يشتغلن طوال الأسبوع بلا حقوق، ويتعرضن للاستغلال والتحرش.. قانون الخادمات يثير الجدل في المغرب بعد دخوله حيز التنفيذ
تُغمِض عينيها لحظةً، تتنهَّد بعمق قبل أن تقول بنبرة واثقة: «لو وضَعتُ نفسي مكانها، لوددت أن يطبق قانون الخادمات في أقرب وقت وأن أتمتَّع بجميع حقوقي وأن أعمل وأنا مرتاحة»، هكذا تتحدث سيدة الأعمال المغربية إلهام الشادي عن مُساعِدتِها المنزلية التي تعتبرها فرداً من العائلة.
التقطت «غيثة» كلمات مُشغِّلتِها وهي تضع كأسَي عصير على الطاولة، نظرت إلى وجهها وانطلقت أساريرُها قبل أن تعود أدراجها صوب المطبخ، حيث كانت تستعد لتحضير وجبة الغذاء.
فتزامناً مع دخول قانون الخادمات الجديد المتعلق بتحديد شروط تشغيل العمال والعاملات المنزليين بالمغرب حيز التنفيذ، بشكل رسمي، بداية أكتوبرتشرين الأول 2018، شرعت إلهام الشادي في استكمال مختلف الإجراءات والوثائق التي تجعل من «غيثة» عاملة منزلية تتمتع بجميع حقوقها.
إلهام.. مُشغِّلة تسعى لضمان حقوق خادمتها
عشر سنوات من الأخذ والرد بين الفِرق البرلمانية والمجتمع المدني والحقوقي، حول القانون 19.12 المثير للجدل، والذي جاء لحماية فئة هشة اقتصادياً واجتماعياً، أقرَّ قانون الخادمات المُنزَّل حديثاً في المغرب بضرورة تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل، مع تحديد مدة العمل اليومية وأيام الراحة الأسبوعية، بالإضافة إلى مدة العطلة السنوية وأيام العطل الرسمية وغيرها.
حتى قبل أن يدخل قانون الخادمات حيز التنفيذ، استفادت «غيثة» من عطلتها خلال شهر أغسطس/آب 2018. وقبلها بشهور قليلة، اقترحت ربة عملها أن تُشغِّلها بموجب عقد عمل، فضلاً عن الاستفادة من التغطية الصحية، الأمر الذي أثار حيرة لدى العاملة المنزلية، طالبةً وقتاً للتفكير؛ فليست جميع رّبات البيوت يُعاملن «الخادمات» بالحسنى؛ بل ويقترحن تمتيعهن بحقوق، تبقى في نظرهن حلماً يستحيل تحقيقه.
عشر سنوات من الأخذ والرد بين الفِرق البرلمانية حول قانون الخادمات / خاص
إلهام التي تُسيّر شركتها الخاصة، أوضحت لـ «عربي بوست»، أنها تربَّت على معاملة الخادمات بشكل جيد وهو ما كانت ترى والدتها تفعله، «والدتي تعامل الخادمات بأَناة وإحسان، وكانت تصبر كثيراً على أذيتهن، ما يُحركني تجاه غيثة هو الجانب الإنساني أولاً، وضمان اشتغالها في بيئة صحية متمتعة بحالة نفسية جيدة».
قانون الخادمات .. ثقافة جديدة بالمغرب
مبادئ إلهام الشادي وإنسانيتها هي ما نعتته زكية البقالي، نائبة رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بكونه الثقافة الجديدة التي يجب أن تُزرَع داخل المجتمع المغربي، الذي يجب أن يؤمن بضمان حقوق العمال المنزليين وحقهم في العيش الكريم.
وقالت «البقالي» ضمن حديثها لـ «عربي بوست»، إن المرأة الموظفة أصبحت في أمسِّ الحاجة للعاملة المنزلية ممَّن تنوب عنها في أداء عدد كبير من الأشغال والمهام داخل البيت، موضحة أن قانون الخادمات في حاجة إلى الدعاية وتسليط الضوء عليه بوسائل الإعلام واستهداف الأسر، وكذا العمال والعاملات ممن خلال حملات تحسيسية موسَّعة.
وفي الخارج كانت قد أثيرت ضجة كبيرة ضجَّة كبيرة خلقها ملف عاملات الفراولة بإسبانيا ممَّن كشفن عن تعرضهن للابتزاز الجنسي، حيث غدا «الجنس مقابل الاستمرار في العمل أو لاستخلاص المستحقات المالية».
حبر على ورق
منذ 15 سنة، تاريخ صدور مُدوَّنة الشغل المغربية التي تؤطر مجموع القواعد والعلاقات داخل المقاولات وبسوق الشغل، استثنى النص القانوني آنذاك فئة العمال والعاملات داخل المنازل، منذ ذلك الحين انتظرت هذه الشريحة طويلاً قبل أن يكون لها قانون خاص يحميها وينظم عملها ويُعرِّف مهامَّها.
وعلى الرغم من مجموعة من الإيجابيات التي جاء بها هذا الإطار التشريعي الجديد، لا تنظر سميرة موحيا، نائبة رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، بعين الرضا إلى قانون الخادمات ، الذي ترى أن تنزيله على أرض الواقع سيبقى حبراً على ورق، وفق تعبيرها.
تشرح المتحدثة لـ «عربي بوست» وجهة نظرها، بتأكيد أن مُفتّشيَّة الشغل، المكلفة الإشراف على تنفيذ القانون وتطبيقه، ليست مؤطرة بعد حتى تتمكن من دخول البيوت، موضحة أن مسألة السماح لمفتشي العمل بولوج المنازل يطرح مشاكل عدة؛ بسبب التعارض الذي ينشأ عنها مع الحق في الخصوصية وحُرمة البيت.
«البيت بالمغرب محميٌّ من طرف القانون الجنائي، ويصعب معه أن يقوم مفتش الشغل بمهامه داخله والحصول على إذن من النيابة العامة، في وقت لم يجد بعدُ القانون الجديد حلولاً لهذه المسألة»، تقول الناشطة الحقوقية والنسائية لـ «عربي بوست».
قانون الخادمات الجديد حدد الأجر الأدنى بـ 160 دولار في الشهر / Istock
ضبابية في التنزيل.. وثغرات بالجُملة
تفتيش البيوت الخاصة ليس النقطة الوحيدة التي أثارت التساؤلات حولها، فلحدِّ الساعة لا تعلم إلهام الشادي ما الخطوات العملية التي يجب أن تمتثل لها تنفيذاً قانون الخادمات ، وإلا فكل الإجراءات التي شَرَعت في خوضها لفائدة مساعِدتها «غيثة» ستتكفل بها الشركة التي تملكها وتُسيِّرها. تقول إلهام: «حالياً ستتمتع غيثة بحقوقها وفق القانون التجاري (مدونة الشغل)، وإن بدا لي أن حقوقها ستكون أفضل وفق قانون العمال المنزليين، فأنا على استعداد لتطبيقه بحذافيره».
وإن كانت إلهام تعرف -ولو جزئياً- ما عليها فعله لضمان حق عاملتها المنزلية التي تشتغل وفق دوام كامل طيلة 6 أيام في الأسبوع، فإن الكثيرات ممن يَستقبلن داخل بيوتهن عاملاتٍ يومين أو ثلاثة أسبوعياً لا يعرفن حتى إن كان قانون الخادمات ينطبق عليهن أو لا.
فاطمة، عاملة منزلية تشتغل لدى 3 موظفات بمدينة الرباط، صيدلانية وصحافية وإطار بنكي، بمعدل يومين في الأسبوع لكل واحدة منهن، تقول السيدة الخمسينية لـ «عربي بوست»: «سمعت بقانون العمال والعاملات المنزليات من نشرات الأخبار، وتساءلتُ إن كنت سأستفيد شيئاً منه».
متحمِّلةً مسؤولية أسرتها؛ زوجها العاطل عن العمل وابنيها الشابين، لا تُخفي فاطمة أن مُشغِّلاتها يُعاملنها بطريقة جيدة ويزوّدنها بالإضافة إلى أجرها اليومي، وهو في حدود 13 دولاراً، ببعض المُؤن والمواد الغذائية، «جميعهن شابات متعلمات وواعيات، يعملن داخل البيت وخارجه، كما أنهن أمهات لطفل أو أكثر، وأسهم في رعاية بيوتهن وتنظيفها بشكل دوري».
لم يرُق لفاطمة معرفةُ أن قانون الخادمات الجديد حدد حداً أدنى للأجر قدره 1542 درهماً (158 دولاراً) في الشهر، أي فقط 60% من الأجر الأدنى للمهن التي تشملها مدونة الشغل، معلِّقة على الأمر بالقول: «ما الذي سأفعله بهذا المبلغ الزهيد، إن كنت حالياً أتقاضى ضعف هذا المبلغ الذي لا يكفي لا لسداد الإيجار ولا لتلبية الحاجات الأساسية؟».
تشغيل القاصرات.. أفاضت الكأس
وبالإضافة إلى تحديد قانون الخادمات الحد الأدنى للأجور، وضع أيضاً أدنى سن لعاملات المنازل متمثلاً في 18 سنة، مع فترة تمهيدية تدوم 5 سنوات يُسمح خلالها للفتيات بين 16 و18 عاماً بالعمل. كما يحدد القانون ساعات عمل الفتيات في سن 16 و17 سنة بـ40 ساعة أسبوعياً كحد أقصى، والبالغات 48 ساعة أسبوعياً، رغم أن مدونة الشغل المغربية تنص على حد لا يتجاوز 44 ساعة بالنسبة لفئات العمال الأخريات، بالإضافة إلى ذلك يضمن القانون 24 ساعة راحة متصلة أسبوعياً.
ولعل هذه النقطة المتعلقة بعمل القاصرات داخل البيوت 5 سنوات أخرى، هي ما أفاضت كأس الانتقادات الموجهة إلى القانون، لتؤكد «البقالي»، نائبة رئيسة منتدى الزهراء، وهي هيئة استشارية معتمدة لدى المجلس الاجتماعي والاقتصادي بالأمم المتحدة، أن هذه النقطة ثغرة كبيرة تشوب القانون، الأمر الذي يُعرِّض الفتيات القاصرات للاستغلال بجميع أنواعه، داعية إلى عدم عمل المُشرِّع على تمديد هذه الفترة الانتقالية كما حدث في مدونات أخرى.
من جانبها، أكدت «موحيا» أن مفتشية الشغل لا مؤهلات لها للتعامل مع القاصرين في حالة حدوث خروقات؛ لأن دورها محصور بالمراقبة، في حين يجب على العاملات الصغيرات التنقل نحو المفتشية لوضع شكاياتهن، وهو حال الكثيرات غير «غيثة»، التي تبقى محظوظة بمُشغِّلتها.
اقتراح تصحيح