هل استيقظت الدولة أخيراً؟
إعادة فتح حدودنا مع الجارة سوريا، بعد ثلاث سنوات مضت إثر تقهقر قوات النظام وتحشيد قوات المعارضة المسلحة المختلطة والهجوم المسلح على المنطقة الحرة السورية الأردنية، جاء بعد الجهود العسكرية والسياسية التي بذلها الأردن لإعادة الجنوب السوري نظيفا من الخطر المسلح، وبدا واضحا تعطش الأردنيين للشمال، حيث عبرت في الساعات الأولى عشرات المركبات باتجاه دمشق، فهل تعود العلاقات الإقتصادية والمناولات التجارية ضمن قوافل الشاحنات قريبا، أم ستكون القصة ترقبا لما ستأتي به الأيام من تطورات ومتغيرات مع النظام السوري وهاجس الأمن ومزاجية التحالفات والصراعات التي دمرت العالم العربي.
في 22 تشرين الأول عام 1985 عقد لقاء مصالحة أردني سوري في العاصمة السعودية الرياض، ضم رئيس الوزراء زيد الرفاعي ورئيس الحكومة السورية القوي عبدالرؤوف الكسم، كانت المصالحة بوساطة سعودية قادها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز،حيث تم إعادة السفراء بين البلدين بعد قطيعة دامت أربع سنوات، وبقيت العلاقات مستمرة مذاك الحين حتى وقعت الواقعة بين النظام السوري وفئات من الشعب بدعم عربي ودولي، اتخذ الأردن موقفا ضبابيا منها، وركز على حماية المنطقة الجنوبية من سيطرة الجماعات الجهادية والمنظمات الإرهابية الطائفية الغازية.
في عام 1976 وقع الملك الحسين والرئيس حافظ الأسد بروتوكول وحدة بين سوريا والأردن، كان من نتائجه السفر بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية فقط، وتوحيد المناهج الدراسية، وفتح الأبواب للمصانع والأسواق برسوم عادية، وتسهيل حركة النقل بكل أنواعه، حتى وقعت مذبحة حماة ضد جماعة الإخوان الملسمين 1982 حيث احتضن الأردن الفارّين من هناك، ما أشعل أزمة حادة وصلت الى حد قطع العلاقات ومنع السفر، عقب مطاردة واعدام طلاب أردنيين هناك.
سوريا اليوم يجب أن لا تختطف كما العراق، ورغم ما جرى بقي هيكل الدولة المتصدع قائما هناك ولعبت استراتيجية النظام وتحالفاته الدولية دورا كبيرا في حماية النظام الحاكم بدمشق، والنتيجة أنه ما زال نظاما حيا، بتحالفه مع الروس والإيرانيين والمنظمات الشيعية والصين، وهو الوحيد الذي، رغم خسائره، أثبت وجهة النظر أن المستظل بواشنطن وحلفائها سيسقط عليه الجدار في أي لحظة، وهذا درس يجب أن يتعلمه الأردن وأشقاؤه العرب لإعادة هيكلة العلاقات العربية مع العالم وبناء منظومة أساسها التعاون الخلاّق لمصلحة بلادهم لا مصالح أعدائهم أو المنافسة بينهم.
نحن في الأردن، رغم بداوتنا العربية، فإننا بلد شرق متوسطي، وجغرافيتنا العربية تنتمي الى حوض المتوسط،، وجغرافيتنا السياسية متشابكة مع جميع الأمم، و مجتمعنا خليط فسيفسائي في العاصمة وبعض المدن، ولكن ينقصنا شيء عظيم، عقل سياسي ذكي، يستطيع أن يفهم لعبة السياسة كما فهمها الرؤساء السابقون في عصر الأردن الذهبي منذ الخمسينات وحتى نهاية التسعينات، حين كانت الدولة تعج بالأسماء الحاكمة والمعارضة وجميعهم قامات باسقة، فأين هم اليوم؟!
هل يقول لنا أحد المسؤولين متى نصبح مستقلين في قراراتنا وأفعالنا الإقتصادية على الأقل دون خوف من غضبة أحد، ألم نتعلم من لعبة الأمم ومخططات الدول التي تبيعنا ديمقراطيات وحريات نهارا، ثم تسوق أسلحتها بالترليونات في الغرف المغلقة، وتشعل الحروب لنموت وتحيا شعوبها برخاء، ألا نتعلم من دول شرق آٍسيا التي نهضت فجأة وأصبحت في مصاف الأسواق الناشئة بلا حروب ولا منازعات ولا تدخلات بشؤون الغير.
الأردنيون يبحثون عن رمق وتحملوا أعباء لم يتحملها أحد غيرهم، وعلينا أن نفتح الحدود مع الجميع كي يتنفس الإقتصاد والمواطنون، وعلى الدولة الرسمية أن تستيقظ فالليل طويل ولا شمس في الأفق
الراي