انطباعات اولية لزيارة سريعة حول سلطنة عمان

 ارشيد العايد - في كتابه 'مصلحٌ على العرش'، كما ترجمه الى العربية خيري الضامن، يسجل المفكر والمؤرخ الروسي سرجي بليخانوف أن ' من أهم مآثر السلطان قابوس بن سعيد ، التاريخية حرصه الشديد على تقاليد البلاد وتراثها الثقافي في سياق تطبيق الاصلاحات . فهو يرى ان التعليم وتنوير الشعب الشرط الاول للنجاح، وبدون بنية اساسية روحية لن تقوم الاصلاحات على قاعدة اجتماعية متينة'.

هذا الاقتباس من الكتاب الذي اهداني اياه الصديق خلفان المعمري،أسوقه في مستهل استحضار ما استقر بالذاكرة من زيارتي الى السلطنة التي امتدت لاسبوعين.

هو 'السباق مع الزمن' الذي يختصر التحدي العماني بمختلف تلاوينه: فما ان تطأ اقدامك مطار مسقط الدولي وتجول في ناظرك، حتى تكتشف الجديد الذي تراه لاول مرة موشُحا بالابهار . منجزات ٌ تقرأ فيها سباقا مع الزمن في التطور والرقي، لا يقيُد سرعته سوى الحرص الرشيد على الطابع التاريخي للمجتمع العماني.

فالتاريخ الذي تم توظيفه في الحضارة تجده بطابع حقيقي في مسقط .وبالضرورة ينسحب الأمر على باقي المدن العُمانيةالتي لكل ّ منها مفرداتها الجمالية..

مسقط المدينة الهادئة المهيبة .. تمنح زائرها ، أيا كان ، طقوس الاحترام الاثير الذي ينطق به السلوك الاخلاقي الودود بعفوية ، و الذي يتعامل به الرجل العماني معك . أول هذا الاستهلال يكون مع سائق تكسي المطار الذي يقلك الى الفندق ، ليسلُّمك الى من يزيدون في الترحيب حدّ التأهيل.

هو الاحساس العميق بالامن والامان الذي يُجلّل الزائر منذ لحظته الاولى ، فيجعل سلطنة عمان فصلا مختلفا عن معظم دول العالم إن لم يكن كلُها . 

مسقط التي يترادف ويتجاور فيها التاريخ مع الجغرافيا ، مدينةٌ تباهي نفسها أولا والاخرين ثانيا بمستوى النظافة التي تتعطر بها على مدارالساعة تاركة للالوان الخضراء أن تستضيف البصر والبصيرة بدون فواصل .فالمساحات الخضراء تمتد اينما اتجهت...تشعرك براحة التفس تجاه العمل الموصول الذي تقوم به الجهات المعنية فيجعل الاستمرارية لهذه اليقع الخضراء والاشجار المنتشرة على جنبات الطرق امرا ميسورا حتى في اوقات ارتفاع درجة الحرارة التي تنحسر وسط يناعة الخضرة الشابة .

عمق التاريخ العماني ، كما لاحظ المؤرخ بليخانوف، هو الذي اعطى للسلطنة نسقها الفريد في الاصلاح الهادئ الوثيق. فالقلاع والحصون ونظم الريُ التي شهدت بدايات التاريخ التحضر ، تتجاور مع الشلالات الاسطورية التي ينساب ماؤها مضمّخا بالندى وبصوت المسيرة الاجتماعية والسياسية التي تتسلسل هادئة من المنبع الى المصب.والى جانب كل ذلك تحديث متصل في البيئة الحضرية والخدمية ، وكل ذلك بصوت أنيس ينأى عن الاستعراض. 

عديدة وعميقة هي مسالك التحدي التي تتشكل منها الخصوصية العمانية . يعرف الكثيرون من هذه الخصوصية أحوال الامن والامان ، ومعها الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يشيع الرضا والاطمئنان في عالم يكاد يفتقر لهذه النعم . لكن الذي ربما لا يعرفه الكثيرون هو الكفاءة المؤسسية العالية في وضع الخطط التنموية المرحلية التي نجحت في في استيعاب وتطويع معضلات التنمية والتشغيل تحت ضغط ازمات اقليمية ودولية عابرة للحدود.

في طريق العودة من مسقط كان المشهد من نافذة الطائرة يشي بانحسار التأثيرات المباشرة للحالة المدارية الصعبة 'لبان'، وابتعادها عن أجواء السلطنة ، لتترك وراءها غيثا مدرارا على محافظات ظفار و الوسطى بمعدل هطول تاريخي يستحق الشكر لله على نعمه الوافرة لكل من يستظل الفضاء العماني الرحب.