التشكيك وجلد الذات
بلال العبويني
"الأوطان لا تبنى بالتشكيك وجلد الذات"، هذا مما قاله جلالة الملك يوم أمس في خطاب العرش بافتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة، وهو واقع نعيشه اليوم في كل مفاصل الحياة اليومية.
وللحقيقة أن الأخطاء المتراكمة التي ارتكبتها الحكومات على مدار السنوات السابقة هي من أنتجت هذه الحالة التي تطورت إلى نظرة سوداوية لكل شيء، ولدرجة التقليل من أهمية أي منجز ممكن أن يتحقق في زحام الإخفاقات الحكومية المتواصلة تحديدا فيما تعلق بعملية الإصلاح المالي والاقتصادي التي افتقرت فيها الحكومات إلى الإبداع والتفكير خارج الصندوق وبعيدا عن جيوب المواطنين.
وللأسف، تلك النظرة السوداوية لكل شيء والتقليل من أهمية المنجزات الحكومية على قلتها، يقف وراءها مسؤولون سابقون، إما لغاية المشاغبة على المسؤولين الذين على رأس أعمالهم، أو من أجل تلميع الذات بهدف العودة مرة أخرى إلى سدة المسؤولية.
هذه الحالة، بات يدركها الجميع، فربما جالس الكثير من المواطنين مسؤولين سابقين واستمعوا منهم إلى نقد لاذع، وأحيانا ليس نقدا بناء لأداء المسؤولين الذين على رأس أعمالهم، وكأن المسؤول السابق كان قد "أقام الدين في مالطا" إبان كان على رأس عمله.
جلد الذات والتشكيك الدائم يجب أن ينتهي من حياتنا حتى نستطيع أن نتقدم ونتجاوز ما نعانيه من واقع اقتصادي صعب على وجه التحديد، ولا يكون ذلك إلا بأن تتحمل الحكومات مسؤولياتها وتطبق التوجيهات الملكية على أرض الواقع بالتفكير خارج الصندوق وعدم البحث عن الحلول الاقتصادية على حساب المواطنين.
وحتى ننتهي من حالة جلد الذات، لا بد أن نصل إلى مرحلة نجعل فيها من المطالبة بسيادة القانون على الجميع خلف ظهورنا باعتباره منجزا لا رجعة عنه وباعتباره أصبح واقعا لا داعي إلى التذكير به في كل مرة نكون فيها أمام شكل جديد من أشكال الخروج على القانون وتحدي الجميع بالتنمر على الدولة والمجتمع.
الملك أفرد الورقة النقاشية السادسة للحديث عن سيادة القانون وأنه يجب أن يسود على الجميع، غير انه وكل تلك الإشادات التي استمعنا إليها من المسؤولين بالورقة حين طرحها للنقاش إلا أننا لم نلمس أثر تلك الورقة في الممارسات الحكومية على الوجه الذي يجب أن تكون عليه.
وبالتالي، فإن التنمر الحاصل والعجز في معالجته كان واحدا من أسباب التشكيك الدائم الذي نعيشه اليوم في كل ما هو مطروح أمامنا حكوميا، إذ كيف سيقتنع مواطن بأن القانون سيد على الجميع وهو يرى التباين في تطبيقه بين "فلان وعلان".
لذلك، سننتهي من حالة التشكيك بالمنجزات وسنتخلص من جلد الذات، عندما يرتفع أداء الحكومات والمسؤولين إلى مستوى تطلعات الملك وإلى مستوى طموح المواطنين الذين يأملون أن يلمسوا أثر القرارات الحكومية القاسية التي عانوا منها خلال السنوات الماضية وقد انعكست على حياتهم وعلى الدولة إيجابا كما وعدوا بذلك.//