تحقيق... هل السيارات الكهربائية أكثر نظافة حقاً من سيارات البترول والديزل؟

 

 – رصد

"السيارات الكهربائية أكثر نظافة وصداقة للبيئة من سيارات الاحتراق الداخلي"، هذه الجملة قد تبدو بديهية ومحسومة للوهلة الأولى ولكن القصة في الواقع أعقد من ذلك، والحقيقة أن تبنّي السيارات الكهربائية في ظروف معينة -وبلدان معينة قد لا يمثل تغيراً ملحوظاً في التأثير الضار على البيئة والمناخ مقارنة بسيارات البترول والديزل.

مصدر الكهرباء

العامل الأهم هنا هو الكهرباء، أو بالأحرى مصدر الطاقة المستخدم في توليدها لشحن سيارتك الكهربائية، والذي يتمثل في معظم بلدان العالم حالياً في الوقود الحفري، مثل الفحم.

حتى في الدول الغربية ذات الاهتمام الكبير بالدعم الرسمي للطاقة النظيفة والمتجددة، لا يزال الوقود الحفري هو المصدر الأهم لتوليد الكهرباء فيهم، بنسب تتراوح بين 55% و60% في ألمانيا وأمريكا كأبرز مثال، ما يعني ببساطة انتقال الانبعاثات الضارة للبيئة من عادم سيارتك إلى المصنع المسؤول عن توليد الطاقة في مدينتك.

وقد قدرت الدراسات بأن سيارات تيسلا الكهربائية كأبرز مثال في المجال ستؤدي إلى انبعاثات نسبتها ثُلث ما ينتج عن سيارات مرسيدس خلال العام الواحد، وبعد احتساب تلوث البطاريات في المعادلة فإن فارق الانبعاثات الكربونية سيقل إلى حدود النصف.

ولكن حتى مع أخذ ذلك في الاعتبار، سيجيب المدافعون عن السيارات الكهربائية بأن انتقال الانبعاثات الضارة إلى المصانع ومجطات توليد الكهرباء على أطراف المدن هو أمر إيجابي في النهاية، لما سيؤديه ذلك من انخفاض للتلوث المباشر داخل المدن من عوادم السيارات، والتي قد تصل لمستويات غير مسبوقة في عواصم الدول النامية بالأخص، مثل القاهرة ونيودلهي وبكين.

البطاريات سمٌّ قاتل

من أهم العوامل الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار في هذا الشأن هي عمليات استخراج المواد النادرة اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية، بالأخص مادة الليثيوم المستخدمة في البطاريات، وقد أشارت الدراسات إلى أن تعدين هذه المواد يؤدي إلى استهلاك ضخم للطاقة، والتي تأتي في المعتاد من الفحم والغاز.

وفي الواقع، تم تقدير أن ثلث الانبعاثات الكربونية التي تتسبب فيها السيارات الكهربائية طيلة حياتها تأتي من عمليات تعدين المواد اللازمة والإنتاج قبل أن تخرج من المصنع للمستهلك، بما يعادل أكتر من 11,000 كيلوجرام من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بينما عمليات إنتاج سيارات البترول والديزل التقليدية ينتج عنها ما يعادل 7,000 كيلوجرام من هذه الانبعاثات.

ومما يتصل بهذه النقطة تحديداً هي إشكالية البطاريات الكهربائية المنتهى صلاحيتها، والتي تم حظرها من معظم أماكن النفايات لسمومية مكوناتها وخطورتها على البيئة.

حلول مبتكرة

ولكن ظهرت حلول مبتكرة لهذه المشكلة مؤخراً، مثل قيام نيسان بإعادة تدوير البطاريات المستهلكة وجمعها مع ألواح شمسية لإنارة شوارع المدن باليابان، كما أن ذلك يفسّر أيضاً تمسّك تويوتا وكيا بإطلاق سيارات تعمل بخلية وقود هيدروجينية، إذ أنه لا ينتج عنها أي انبعاثات على الإطلاق مع كونها مكلّفة بالوقت نفسه.

واجب الحكومات

يظهر من كل ذلك أن السيارات الكهربائية وحدها ليست الحل السحري لأزمات التلوث والانبعاثات الضارة التي تعاني منها حضارة الثورة الصناعية التي نعيش في خضمها حالياً، بل يتطلب الأمر جهوداً شاملة لتغيير المنبع والبنية التحتية لتوليد الطاقة في دولنا واستخراج المعادن من أراضينا، وتظهر الطاقة المتجددة كالخيار الأوضح هنا بجانب الطاقة النووية لسد الفجوة وإتمام التحول نحو مستقبل أكثر نظافة وسلامة للجميع.