حوارات الحكومة ومشروع قانون ضريبة الدخل
د.محمد طالب عبيدات
الحكومة قررت أن يكون الحوار الوطني لإقرار ضريبة الدخل على ثلاث مراحل؛ الأولى حوارات في المحافظات مع المجتمع المحلي والمدني؛ والثانية على المواقع الإلكترونية لرئاسة الوزراء؛ والثالثة تحت قبة البرلمان؛ وفعلاً شرعت الحكومة بحوارات المحافظات والمواقع الإلكترونية؛ لكن يبدو بأن هنالك ردة فعل شعبية واضحة لعدم قبول القانون الجديد لضريبة الدخل بالرغم من كل الجهود الحكومية المبذولة لإقناع الناس بأن القانون لن يمس الطبقة الوسطى ولن يتأثر أكثر من 10% من المواطنين وأن هنالك حاجة ماسّة للقانون لغايات ضبط قضايا الموازنة والدين العام والتفاهمات مع صندوق النقد الدولي، وهنالك تأجيج ومحاولات فتنة من وسائل التواصل الإجتماعي يجب الحذار منها، ولكن يبدو بأن الكثير لم يأخذ ولم يقتنع بما تطرحه الحكومة في حوارياتها:
1. آليات الحوار التي طرحتها الحكومة ربما يكون أكثرها عملية وموافقة مع الدستور هو الحوار تحت قبة البرلمان ليكون وفق الأطر والمؤسسات الدستورية بالرغم من عدم رضا البعض من المواطنين عن أداء بعض أعضاء مجلس النواب .
2. مؤشرات عدم قبول المواطنين لمشروع القانون بصيغته الحالية واضحة للعيان والدليل الإنسحابات لبعض أعضاء الفريق الوزاري في بعض المحافظات وبعض المشّادات التي حصلت، وإن كان البعض يرى في ذلك بروفة لديمقراطية إيجابية وعصرية.
3. هنالك أخطاء وإستفزازات وسجالات من طرفي الحوار - المواطنين وبعض أعضاء الفريق الحكومي- في بعض المحافظات، ولذلك من الأسلم وقف هذه الآلية في الحوار حتى وإن شارفت على الإنتهاء.
4. المهاترات التي تتم خلال الحوارات بالمحافظات أشك أن سببها مشروع قانون ضريبة الدخل، بل أجزم بأن سببها هو فقدان المواطن الثقة بالحكومات المتعاقبة كنتيجة لعدم مكافحتها الجديّة للفساد وعدم تحقيق نمو إقتصادي حقيقي وعدم توفير فرص عمل مناسبة وعدم المساهمة في محاربة الفقر.
5. يبدو واضحاً للعيان بأن ما يحصل من سلبية إبّان الحوار مردّه إلى أن 'القصّة ليست رُمّانة بل قلوب مليانة!'، وكأننا نقول هنالك ضرورة لإستعادة ثقة العلاقة بين الحكومة والشعب أولاً، بالرغم من بعض السلبيات لقانون الضريبة والذي لا يساهم في جذب الإستثمارات أو المحافظة عليها على الأقل!
6. مُطالبات المواطنين باتت واضحة وأولوياتهم محصورة في مكافحة الفساد والتحوّط لجدول زمني لسداد المديونية ومدى مساهمة مشروع قانون الضريبة بذلك وتحقيق نمو إقتصادي وإيجاد فرص عمل للشباب العاطل عن العمل والمساهمة في القضاء على الفقر والضريبة ككل شاملة الدخل والمبيعات والخدمات مقابل الضريبة وبعض التحديات الأخرى.
7. مطلوب اليوم قبل الغد وخدمة للوطن إيجاد الوسائل والآليات اللازمة لإستعادة الثقة شبه المفقودة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة، وأنا أدرك حجم الجهود المبذولة لذلك لكننا نحتاج أكثر حيث أشفق أحياناً على بعض أعضاء الفريق الحكومي الذي يسعى لذلك جاهداً ويقوم بواجبه الوطني، ولا يمكن بالطبع أن يتم ذلك من غير تغييرات جذرية في النهج لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وترسيخ لغة القانون والعدل والإستحقاق بجدارة وغيرها.
8. أحياناً أفكّر وأشطح لأقول أنّى كان رئيس الوزراء وفريقه الحكومي فلن يفعل أكثر مما يفعله الفريق الحكومي الحالي أو من سبقه أو غيره، لأننا بصراحة نعاني من وضع إقتصادي صعب لا نُحسد ولا نُغبط عليه! وهنالك تحديات فعلاً جسام ويجب أن نعض بالنواجذ على الإنجازات التي تحققت في الوطن في خضم إقليم ملتهب وخصوصاً بالأمن والإستقرار.
9. مطلوب من الجميع -حكومة ومواطنين- أن يتّقوا الله في هذا الوطن الذي قلبي عليه، لنصل لحالة توافقية على مشروع قانون الضريبة لأنه لا يمكن تفصيل قانون يناسب الجميع.
بصراحة: الحوارات الحكومية لإقناع الناس بمشروع قانون الضريبة لم تؤت أُكلها بسبب فقدان الثقة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة، والمطلوب إجراءات حكومية فاعلة في مكافحة الفساد وإستعادة الثقة المفقودة ليقبل الجميع بعدها بأي قانون ضريبة عصري وأنّى كان خدمة للوطن، ومطلوب الحوار بتركيز تحت قبّة البرلمان لهذه الغاية، حفظ الله الوطن وقائده وشعبه.//