الأردن محاصر
خلود الخطاطبة
العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وضع الأردن أمام تحديات سياسية واقتصادية عميقة، لا يمكن التنبؤ بحدودها، وهي أقرب الى الحصار غير المعلن بعد أن تخلى العالم "المتحضر" عن اللاجئين وأضحى يستخدمهم أدوات ضغط سياسية على الدول "المستضيفة"، ولم يلتفت للأسف الى عقود قدمت فيها دولة مثل الأردن للجوء والإنسانية ما عجزت عن تقديمه دول أوروبية.
أميركا توقف دعمها المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" ما يهدد بتراجع الخدمات التعليمية والصحة لنحو 2 مليون لاجىء فلسطيني في الاردن يتلقون هذه الخدمات، والأخطر من ذلك اعلان الحكومة عن تخفيض مخصصات خطة الاستجابة للأزمة السورية للعام المقبل بسبب تراجع الدعم الدولي، بمعنى أن 1.5 مليون لاجىء سوري يستضيفهم الأردن سيشكلون أيضا قوة ضاغطة على الخزينة الأردنية المتهالكة أصلا.
لا عجب ان الاردن يقود حراكا دبلوماسيا هائلا لمحاولة تعويض النقص في موارد "الاونروا" الذي سببته ادارة دونالد ترمب للضغط على الدول الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، فهذا التحرك ينطلق في ناحية من ايمان الاردن بدوره الانساني التاريخي تجاه كل لاجىء عربي، وفي ناحية أخرى يشكل ادراكا للأثر الاقتصادي السيىء لمثل هذا القرار في ضرب القليل الذي يتركه البنك الدولي للحكومة الأردنية ضمن إطار برامجه "التصحيحية".
أما في جانب اللجوء السوري، فان الاردن يعاني أصلا من عجز المجتمع الدولي عن تأمين مخصصات الاستجابة للأزمة السورية البالغة نحو 2.5 مليار للعام الحالي، فما تلقاه الأردن حتى الان لا يتجاوز 14.5% من قيمة هذا المبلغ فقط، فكيف سيكون الوضع في حال تخفيض الارقام التي لا يتم تحصيلها على أرض الواقع، في ظل عدم وضوح مآلات الأزمة السورية العام المقبل، وكيف يمكن الصمود لعام اخر في رعاية اللجوء السوري الذي عبر معظمه عن عدم رغبته بالعودة الطوعية الى بلاده.
أؤمن تماما أن ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية بقيادة دونالد ترمب من ضغوط على الأردن وتعميق أزمتها المالية والاقتصادية عبر ملفات اللجوء والبنك الدولي هو تنفيذ لخطة "جاريد كوشنر" ومن ورائه منظمات صهيونية، لتصفية القضية الفلسطينية، فاللغة التي يفهمها تاجر مثل ترمب هي لغة المال ويتعامل على أساسها مع دول العالم كافة ولا يستثني من ذلك أحدا.
المهم في هذا الاطار، ان تستغل دول العالم اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل في 18 الشهر الحالي، للتأكيد على واجباتها تجاه اللاجئين في العالم، وتعوض ما ترتكبه أميركا من خطايا تجاه شعوب العالم، من تجويع وتركيع، ويجب ان تكون قراراتها بحجم الرفض العام والعارم للقرار الاميركي بنقل السفارة الاميركية الى القدس واعتبار القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
الاردن يلعب دورا هاما في الحشد العالمي لمثل هذه القرارات، لكنه للأسف يعمل وحيدا في كثير من المرات، دون دعم الا من دول محددة كالدول العربية المستضيفة للجوء الفلسطيني أو السوري، لكن ما لا يدركه الجميع بان تداعيات ملف اللجوء في المنطقة لا يمكن انهاؤها الا بعودة كل لاجىء الى بلاده، وهو ما سيحصل، رغم كل ما تنفذه الولايات المتحدة الأميركية من سياسات تركيع وتجويع//.