لبنان 2025: صراع الإرادات فوق فوهة «المهل الزمنية»


محسن الشوبكي
يدخل لبنان مع نهاية عام 2025 منعطفاً استراتيجياً حاسماً، في ظل انتقال القوى الدولية من سياسة إدارة الأزمات إلى مقاربة أكثر جذرية تستهدف بنية الدولة نفسها. ويبرز في هذا السياق مسار تقوده واشنطن، يقوم على فرض مقايضة قاسية تربط بين تدفّق أموال الإعمار والاستقرار المالي، وبين إنهاء التعددية العسكرية وحصر قرار الحرب والسلم بيد السلطة الرسمية.

هذا المسار يضع الداخل اللبناني أمام انقسام حاد في الرؤى. فبينما يرى تيار سياسي وازن في هذه اللحظة فرصة تاريخية لاستعادة منطق الدولة وحصرية السلاح كمدخل وحيد للإنقاذ، تعتبر قوى أخرى أن هذه الضغوط ليست سوى محاولة لانتزاع أوراق القوة الوطنية وتجريد لبنان من قدراته الردعية تحت وطأة الحاجة الاقتصادية.

في موازاة ذلك، يُستخدم عامل الوقت كأداة ضغط لا تقل فاعلية عن العقوبات. إذ تُقدَّم نهاية عام 2025 كأفق أخير لاتخاذ قرارات كبرى جرى تأجيلها لسنوات، ما يضع البلاد أمام سباق قاسٍ بين الاستجابة لشروط الخارج أو مواجهة مزيد من الانهيار. ويهدف هذا الإطار الزمني الضاغط إلى تقليص هامش المناورة السياسية ودفع القوى اللبنانية نحو خيارات حادّة.

على المستوى الميداني، يسعى الكيان الصهيوني إلى فرض معادلة عدوانية تمنحه ذريعة للتحرّك العسكري عند أي تعثّر سياسي داخلي، في محاولة لفرض وقائع أمنية جديدة تتجاوز التفاهمات القائمة. غير أن الرهان على استسلام لبنان لهذه الضغوط يصطدم ليس فقط بقدرة المقاومة على المناورة، بل أيضاً بتعقيدات الخريطة السياسية الداخلية، حيث يخشى كثيرون أن يؤدي الإصرار على نزع السلاح قسراً إلى اختلال موازين القوى الوطنية وتهديد السلم الأهلي، بدلاً من تحقيق الاستقرار المنشود.

بين الرغبة الدولية في التفكيك التدريجي للمنظومات المسلحة وبين التوجّس المحلي من أهداف هذه الضغوط، يبرز الجيش اللبناني كمرجعية يُعوَّل عليها لإدارة هذا الانتقال الحرج. غير أن قدرة المؤسسة العسكرية على لعب هذا الدور تبقى رهناً بتوافر توافق سياسي داخلي يوفّر لها الغطاء اللازم، ويحول دون تحميلها أعباء تتجاوز إمكاناتها أو زجّها في صراع داخلي مفتوح.

في المحصلة، يبقى مستقبل هذه المواجهة معلّقاً بين سيناريوهين أساسيين: تسوية قسرية تدمج القدرات الدفاعية ضمن استراتيجية وطنية جامعة، أو انفجار مؤجّل ناتج عن غياب التوافق على تعريف السيادة وحدودها. وعليه، فإن عام 2025 لا يشكّل نهاية المطاف بقدر ما يمثّل اختباراً عسيراً لقدرة اللبنانيين على صياغة عقد وطني جديد، يحمي البلاد من الأطماع الخارجية من دون الانزلاق إلى فتنة داخلية أو ارتهان مالي كامل.