المراهق في طهران
المراهق في طهران
صالح بن عبدالله السليمان
أقرب مثال أستطيع ضربه للنظام الإيراني هو مثال الفتى المراهق الذي ينقصه العقل الواعي للأمور وورث عن سلفه (نظام الشاه) دولة غنية وبها مقومات كثيرة ولكنه بدل ان ينمي هذه الدولة وهذه الثروة وينتقل بإيران الى مرتبة اعلى فهو قام بالعكس.
بدد هذه الثروة في مغامرات داخلية وخارجية واستبدت به روح التسلط ورغبة في إخضاع الدول من جواره لنظريتين ما انزل الله بهما من سلطان
حاول جاهدا اخضاع المحيط لسياسة "ولاية الفقيه " وهذا الفقيه بالطبع فقيه إيراني يختاره مجموعة من الملالي الإيرانيين، ولتقريب هذا المبدأ هو لا يختلف عن مبدأ الإمبراطورية اليابانية في عهد الإمبراطور " تايشو" الذي حاول اخضاع كوريا وتايوان والصين الى ان وصل الى أبواب الهند واندونيسيا. او امبراطورية "الرايخ الثالث" في عهد هتلر او الامبراطوريات منذ عهد الإسكندر المقدوني والإمبراطورية الفارسية.
امبراطوريات قامت تحت قيادة امبراطور واحد يحكم من مركز الإمبراطورية، في النظام الإيراني يحكمها الفقيه في طهران او قم، وتنتشر هذه الإمبراطورية من خلال مبدأ " تصدير الثورة" وتعني الثورة هنا هي نشر التشيع الاثني عشري واستقطاب الشيعة بكل مذاهبهم الكثيرة الى الاثني عشرية، وهذا ما حدث في لبنان حيث تحول من المذهب الجعفري الى الاثني عشريه واليمن إذ حول الحوثي الزيدية الى الاثني عشرية. وفي العراق حارب المرجعية العربية التي لا تؤمن بولاية الفقيه واقصاها.
ودخلت المنطقة في اتون تفرقة وصراع طائفي. انا شهدت ذلك بنفسي الكثير من فصولها، فانتقلنا من مرحلة التعايش الى مرحلة التنازع.
وهذه المغامرات بالطبع، لا تأتي مجانا وبدون تكلفة، تكلفة مادية وانسانية. دخل في حرب طاحنة أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكانت تكلفتها المادية والبشرية باهظة، وتكلفتها الإنسانية عالية.
لا اختصر التكلفة الإنسانية للنظام المراهق بالقتلى في الحرب فقط، ولكن أيضا بقتل كل المخالفين سواء في داخل إيران حيث قام بقتل المعارضين لطيش المراهق الحاكم في إيران، فقتل الالاف وفي دفعة واحده قتل 30 ألفا، نعم ثلاثون الف معارض من خيرة شباب إيران المتعلم والمثقف منهم المعلم والعالم والطبيب والفنان والأديب والاقتصادي، قتلهم في ليلة واحدة مما جعل من مذبحة بو سليم التي قام بها معمر القذافي كنزهة في حديقة. وملايين العراقيين سواء من الشيعة المخالفين لنظام ولاية الفقيه والسنة ممن يدعونهم بالنواصب.
كل هذه التكلفة الإنسانية كان من الممكن ان تختفي. ولكن ما زاد الطين بله هو التكلفة المادية الكبيرة للتوسع وانشاء مليشيات في باكستان وأفغانستان شرقا (فاطميون والزينبيون) الى السرايا والكتائب والأحزاب العديدة في العراق وهي أشهر من ان تذكر فمن حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن الى الأشتر في البحرين. كل هذا له تكلفة مادية كبيرة وضخمة، والميزانية الإيرانية لا تتحمل كل هذه المدفوعات.
لذلك كان على النظام الإيراني او ما اسميه المراهق الطائش ان يبرر اثاره للشعب الإيراني الذي بدأ يحس بالجوع والعوز والمظاهرات التي تقوم بين حين وآخر مطالبة بالطعام والعلاج ومقومات العيش الكريم الذي حرموا منه بسبب طيش النظام المراهق القابض على زمام الحكم دليل على تململ الناس. كان لا بد من تحويل انظار الشعب الإيراني.
بدأ بنشر ادعاءات مناهضة قوتين كبيرتين، القوة الاولى وهي الإمبريالية العالمية المتمثلة بأمريكا والنواصب الوهابية والمتمثلة بالسعودية، وحرك آلته الإعلامية التي دفع فيها أموال الشعب الإيراني، عشرات الإعلاميين مدفوعي الأجر الذين يؤيدونه في الاعلام العربي والخارجي، سعيا لتشويه المملكة العربية السعودية الناصبية الوهابية خارجيا، وأمريكا وإسرائيل داخليا وخلال ميليشياتها في المحيط الجغرافيا فظهرت "الصرخة" وهي الموت لأمريكا والموت لإسرائيل وهي الكذبة التي لم تعد تنطلي على أي محقق في الأخبار والوقائع.
اما داخليا لم تكن صرخة الموت لأمريكا تكفي، فظهرت "اسطورة" او دعني اسميها "خرافة" صناعة السلاح. من صواريخ وعتاد وطائرات. وكان الهم الأكبر ليس صناعة السلاح فهو يعلم انه لم يكن يوما في قدرة على صناعة أسلحة فعالة، ولكنه استورد بعض تقنيات كوريا الشمالية وبالطبع مدفوعة الثمن وغاليا، استورد تقنية الصواريخ، ولكن حتى مع استيراد التقنيات كان الفشل كثيرا ما يظهر واضحا، ومن ذلك التجربة الفاشلة التي اضطر أعلام الولي الفقيه استخدام الفوتوشوب لتزوير نجاح إطلاق صواريخ متوسطة المدى او من خلال التجربة العملية فيما أطلقه حزب الله على إسرائيل وما يطلقه الحوثي من صواريخ على السعودية. فقد فشلت كلها في تحقيق أهدافها، وآخرها طائرة "الكوثر" التي لم تتحرك من الأرض وبدّلها بطائرة أمريكية قديمة بعد ان موه معالمها ولكن بالطبع لا يمكن إخفاء الحقائق على العالم، وكانت الفضيحة مدوية
صناعة السلاح سواء النووي او الصواريخ او الطائرات او الغواصات هي ذريعة لإسكات الشعب الإيراني، وعملية نقل للمشكلة الداخلية الى الخارج.
الداخل الإيراني لم يعد بإمكانه الصمت، فجميع الخدمات الأساسية معدومة، وانتفت سبل العيش الشريف امام أفواج الشباب والعاملين فخرجوا في مظاهرات حاشدة في جميع المدن الإيرانية بدأت بالمطالبة برغيف الخبر والان تنادي بإسقاط السفاح.
وعى الشعب الإيراني اللعبة التي يقوم بها المراهق الذي يحكم باسم الولي الفقيه، ومغامراته، وتعرف هذا الوعي بالهتافات التي تظهر اثناء المظاهرات، فمن استنكار الصرف على حزب الله والحوثي، والقول نحن أحق من لبنان وغزة. الى الهتاف عرفنا عدونا، عدونا في الدخل ليس أمريكا. ويسقط الطاغية خامنئي وغيرها.
بقي السؤال. هل يعي المراهق الطائش المخمور بخمر السلطة والسيطرة على المنطقة انه يجب عليه التغير وإلغاء العقيدة التي بنى عليها الخميني الدولة وتحويلها الى دولة مواطنة همها الأول المواطن الإيراني ورفاهيته والعيش بسلام مع المحيط، ام يستمر الطيش مما قد يتسبب في قيام حرب داخلية قد تقسم إيران؟
ما زالت الفرصة قائمة ولكن الزمن يجري ولن تبقى قائمة، فقطار التغيير بدأ في الحركة وإذا ما انطلق فلن يعود بالإمكان وقفه.//
كاتب عربي سعودي
@S_A_Alsulaiman