هل تروج أمريكا للفحم؟

 د. أيّوب أبو ديّة

 

            من الملاحظ أن المشاريع النووية في الشرق الأوسط لغايات توليد الكهرباء والاستخدامات السلمية بدأت في تركيا وإيران ومصر في الفترة نفسها تقريباً، أي نحو عامي 1975 – 1976، وربما يكون السبب في ذلك حرب أكتوبر 1973 عندما بادرت السعودية إلى قطع إمدادات النفط عن الدول المساندة لإسرائيل، حيث استشعرت الدول عند ذاك الخطر ولذلك ارتأت أن تنحو نحو تأمين مصادرها المحلية من الطاقة؛ وكان أحد الحلول هو الحل النووي ولكنه أسقط بعد حادثة تشرنوبل عام 1986، ثم تم إحياؤه مرة أخرى وعاد ليسقط عام 2011 بعد كارثة فوكوشيما، وبالتزامن مع الربيع العربي، حيث اقتحم المتظاهرون وسكان المنطقة الموقع النووي في ضبعة في مصر ونهبوه، الأمر الذي يشير إلى أن هناك أولويات في مصر لسد حاجات الشعب من أمور أساسية قبل التوجه إلى مشاريع نووية مكلفة جداً بدأت تحضر لها من جديد بالتعاون مع الروس.

ويمكن القول كذلك أن التطور الذي حدث في صناعة الطاقة المتجددة، وبخاصة الرياح، ثم فيما بعد الطاقة الشمسية بعد أزمة الطاقة عام 2007، يًعزى أيضاً لحرب 1973 وما تلاها من إجراءات اقتصادية. لذلك نتساءل اليوم ما هي الأسباب الجوهرية التي أدت إلى توجه منطقة الشرق الأوسط للاعتماد جزئياً على الفحم الحجري بينما بدأت دول العالم تتراجع عنه التزاماً بتعهداتها في قمة باريس 2015؟ فهل يمكن أن يكون النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية تحديداً هو أحد هذه العوامل؟

            إن نسبة مساهمة الفحم في توليد الكهرباء على الصعيد العالمي هي نحو 40%، وتمتلك الولايات المتحدة أكبر احتياطي للفحم في العالم حيث يبلغ نحو 237 مليار طن، وتشكل نسبة الفحم 30% من الكهرباء المولدة هناك، ولكن الأهم من ذلك كله الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يتم ترويج الوقود الأحفوري على صعيد محلي وعالمي لزيادة فرص العمل في الولايات التي تنتج الفحم والبترول وأصبحت تنافس السعودية منذ سنوات؛ والدليل على هذا التوجه أنه قد زاد إنتاج الفحم في الولايات المتحدة عام 2017 بعد أن سجل انخفاضاً حاداً خلال عامي 2015-2016.

لذلك، فإنه ليس من المستبعد أبداً أن يكون اتجاه الإمارات العربية المتحدة والأردن ودولة عمان ومصر صوب التوسع في مشاريع إنتاج الكهرباء من الفحم بناء على ضغوط لمصلحة الاقتصاد الأمريكي بالدرجة الأولى، والتي ربما بررتها الدول العربية بأنها تخدم مصالحها أيضاً، بغض النظر عن التلويث الذي تحدثه، حيث أنه يسهم في تنويع سلة الطاقة لديها تحسباً لأي تطورات سياسية، وأيضاً لأن استخدام الفحم يشكل رؤيا ذات استدامة من حيث أن كميات احتياطي الفحم في العالم ضخمة جداً تفوق بكثير احتياطي النفط والغاز على سبيل المثال، بغض النظر عن مدى التلويث الذي يمكن أن يحدثه إحراقه بانتظار تطور تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه؛ وهي تكنولوجيا تتجه الولايات المتحدة أيضاً إلى تطويرها بوضع حوافز كبيرة كتخفيض ضريبي لكل طن كربون يتم تخزينه تحت الأرض (نحو 50 دولاراً) وذلك لغاية تسويق إنتاجها الهائل من الوقود الأحفوري في العقود القادمة. ولكن، هل هناك أمل في تغيير هذا التوجه صوب مصادر نظيفة للطاقة، وبخاصة في ضوء أن الحوافز الضريبية الأخيرة لا تصل إلى الحد الأدنى من تكلفة التقاط الكربون وتخزينه.

هناك دوماً فسحة للأمل، فقد تشكل ائتلاف من عشرين دولة، بالإضافة إلى ولايتين أمريكيتين، للتخلص من المحطات الحرارية التي تعمل على الفحم بحلول عام 2030، ومنها بريطانيا وكندا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا والمكسيك والبرتغال وسويسرا ونيوزلندا. ويتطلع هذا الائتلاف إلى التعاظم ليضم 50 عضواً بحلول اجتماع المناخ القادم في بولندا هذا العام (Katowice). ونتأمل في ضوء انخفاض أسعار الطاقة المتجددة أن تنحو دول مثل الصين وباقي الولايات الأمريكية وروسيا واستراليا والهند هذا النحو، فدولة مثل الصين وحدها باتت تسهم بنحو 30% من الغازات الدفيئة العالمية، تليها الولايات المتحدة الأمريكية 15% والاتحاد الأوروبي 9% ثم الهند 7%؛ فإذا لم ينخرط الملوث الأعظم في الائتلاف فلن يحدث تغيير مهم على صعيد ظاهرة الانحباس الحراري العالمية، إلا إذا تطورت تقانات الطاقة المتجددة وأنماط تخزين الطاقة والكربون في القريب العاجل.