النفقات التقاعدية والتعويضات وأثرها على الموازنة العامة

 د. علي المدادحه

    شهد الإقتصاد الأردني خلال العام 1989 ازمة اقتصادية حادة تمثلت في انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الى ما دون نسبة  النمو السكاني وبالتالي هبوط مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع العجز في الموازنة وزيادة اعباء المديونية الخارجية، وقد صاحب ذلك تغييرات في الظروف السياسية والإقتصادية العالمية والإقليمية ادت إلى انحسار مصادر التمويل المتاحة للإقتصاد الأردني، فقد انخفضت المساعدات العربية للخزينة، وهبطت حوالات الأردنيين من الخليج بسبب الركود الإقتصادي في منطقة الخليج الناشىء عن هبوط اسعار النفط.

    وتلافيا للإنعاكاسات السلبية لهذه التطورات ولمعالجة الإختلالات الهيكلية في الإقتصاد الوطني، فقد تبنى الأردن برنامج للتصحيح الإقتصادي للفترة 1992 – 1998 وكان من البنود الرئيسية التي لها تأثير على النفقات العامة في الموازنة العامة المخصصات المرصودة الى فاتورة التقاعد والتعويضات، وعليه عملت الحكومة واعتبارا من 1/1/1995 بتعيين الموظفين المدنيين في الحكومة على الضمان الإجتماعي وفي نفس السنة ايضا يرافق تعيين العسكريين الجدد على الضمان الإجتماعي إلا أنه تأخر لأسباب عدة حتى أصبح تعيينهم اعتبارا من 1/1/2003 وعلى الضمان الإجتماعي، مما أثقل مخصصات التقاعد المرصودة في الموازنة العامة حتى أصبحت النفقات التقاعدية والتعويضات الفعلية المنفقة من خزينة الدولة من (56.2) مليون دينار عام 1986 إلى (1115) مليار دينار عام 2014 وإلى (1225) مليار عام 2016 بنسبة معدل نمو سنوي حوالي (72%).

    وتبين تقارير وزارة المالية/ الموازنة العامة أن أعداد المتقاعدين حسب فئاتهم لعام 1986 حوالي (88741) شخص عسكري ومدني منهم (72366) شخص بين متقاعد وورثة كانوا يعملون في القطاع العسكري، أي بنسبة (81.6%) من إجمالي المتقاعدين الأصليين والورثة والذين كانوا يعملون في القطاع المدني حوالي (16369) شخص يبن متقاعد وورثة أي بنسبة (18.4%).

    وبعد عام 1986 لم تظهر التقارير والدراسات والنشرات التي تصدرهما وزارة المالية ودوائرها الأخرى عن أعداد المتقاعدين حسب فئاتهم، ولنفترض أن نسبة المتقاعدين العسكريين والمدنيين كما هي، ورغم أن العسكريين يتقاعدون في سن مبكر على عكس المدنيين، وتم تاكيد ذلك من خلال العودة إلى نشرة مالية الحكومة العامة الصادرة عن وزارة المالية العدد السادس، المجلد الثامن عشر تموز 2016، والتي تبين في الصفحة (16) بند النفقات التقاعدية والتعويضات أن المخصص لعام 2016 مبلغ (1225) مليار دينار إلى المتقاعدين العسكريين والمدنيين وورثتهم، ومن خلال المعلومات التي توفرت لنا بأن إجمالي أعددا المتقاعدين من المدنيين لعام 2016 بلغ (901000) شخص وورثتهم (22300) شخص بإجمالي  بلغ (112400) شخص، وحسب افتراضنا أعلاه فإن النسبة بينهما لم تتغير وبالنسبة والتناسب بين أعداد المتقاعدين المدنيين والعسكريين بين عامي 1986 وعام 2016، فإن أعداد المتقاعدين العسكريين يبلغ حوالي (388712) شخص وورثتهم حوالي (103404) بإجمالي يبلغ (492116) شخص لعام 2016، وفي حال توزيع المخصصات أعلاه والبالغة (1225) مليار دينار بينهما، والبالغ إجمالي عددهما، أي العسكريين والمدنيين وورثتهم حوالي (604516) شخص، فإن نصيب المتقاعدين المدنيين منه الأصليين وورثتهم (288) مليون دينار، أي بنسبة (23.5%) وبمعدل راتب شهري إلى الشخص (213) دينار.

    إن المبلغ المخصص إلى الفئة الأولى والثانية والتي رواتبهم التقاعدية منخفضة عما هي عليه في الفئة الثالث والرابعة، حسب تقارير وزارة المالية لعام 1986 والتي تشكل نسبتهم من إجمالي المتقاعدين المدنيين حوالي (81.4%) والمخصص لهم في الموازنة العامة لا يتجاوز (50%) من إجمالي المخصصات المرصودة لإجمالي المتقاعدين المدنيين الأصليين وورثتهم والبالغ حوالي (288) مليون دينار لعام 2016 أي بمبلغ (144) مليون دينار لإجمالي عدد المتقاعدين من الأصليين والورثة لعام 2016 حوالي (91494) شخص أصلي وورثة وبمعدل راتب شهري لكل شخص حوالي (131) دينار وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور والبالغ (190) دينار عام 2014، فهل هذه الفئة من المجتمع التي قدمت وساهمت في بناء الوطن وتساهم ايضا ما دامت على قيد الحياة في رفعة بلدها وتقدمه من الرعاية لها أن تعيش عيشا كريما، ألا وهو الحد الأدنى من الأجور والبالغ على الأقل (200) دينار شهريا بدلا من (131) دينار شهريا والذي تآكل دخلها عبر السنين التي مضت من جراء التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة عليها، وانها خلال عقدين من الزمن ترحل إلى الرفيق الأعلى، وايضا بعد ستة سنوات قادمة من هذاالتاريخ يتوقف زيادة أعداد المتقاعدين المدنيين على عبىء فاتورة التقاعد المدني، والمتوقع ايضا أنه في عام (2050) لم يبقى متقاعدا مدنيا على قانون التقاعد المدني ويصبح القانون في أدراج التاريخ، لهذه الأسباب وغيرها علينا أن نساعد هذه الفئة من المجتمع وكما قال المغفور له جلالة الملك الحسين رحمه الله "الإنسان أغلى ما نلمك" بأن نثمن ونقدر عطاءها وجهدها في بناء الوطن ورفعته أن يقدم لها دخلا تعيش به بما يتوافق مع الحد المقبول لمتطلبات الحياة الكريمة.

نائب رئيس جمعية المتقاعدين المدنيين