هل يحتاج الدفاع عن الأردن إلى كل هذا التبرير؟
حاتم النعيمات
الأردني بطبيعته مضياف، لا يرفض الآخر أبدًا، ولو أردنا سرد بروتوكولات احترام الضيف عند الأردني، فإننا سنحتاج إلى وقت طويل. وهذه الخصائص في الشخصية الأردنية انعكست على سلوكه السياسي؛ فقد أصبح الأردن ملاذًا وبيتًا للكثير من شعوب المنطقة التي داهمتها الحروب والأزمات، وهذا واجب لا نُشكر عليه.
في خضم هذا كله، نواجه اليوم تهديدات حقيقية بالتهجير والتوطين وتحويلنا إلى وطن بديل. نعم، فلا يوجد أصدق من جلالة الملك عندما رفض هذه المشاريع، ولا يوجد من هو أكثر أهمية من الرئيس الأمريكي ليتحدث بذلك حتى نصدق أن هناك مشروعًا فعلًا، ناهيك عن التحركات الميدانية الإسرائيلية. لذلك، فلا يمكن بهذه البساطة إلغاء حالة الطوارئ الوطنية ضد هذه المشاريع، ولا يمكن كنتيجة أيضًا، أن نتساهل مع أي محاولة لطمس هويتنا تمهيدًا لها.
من الصعب اليوم أن تقنع طفلًا أردنيًا أن اليمين الإسرائيلي والأمريكي لا يطمح إلى تمييع الهوية الوطنية الأردنية لتقبل التهجير والتوطين. لأننا ببساطة نرى ونشاهد كيف يُستخدم هذا التمييع في محاولات التسلل إلى مجتمعنا باستغلال ميزات الشخصية الأردنية المذكورة سابقًا.
طوال عقود، ونحن نتحدث عن تيارات توطينية في الأردن تعمل بجدٍّ لتهيئة الظرف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ليقول الأردنيون "نعم” للتوطين والتهجير. هذه التيارات تهاجم هويتنا وثوابتنا صباح مساء، وعندما يرد الأردنيون عليها، يتم اتهامهم رأسًا بالإقليمية والعنصرية. وقد رأينا منهم من طالب الأمريكيين بفرض المحاصصة مقابل التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، ورأينا بأم أعيننا من يحاول تسميم علاقتنا بوطننا بوصفه كيانًا مصطنعًا تواجد فيه مجموعة من السكان بالصدفة، ورأينا من خوَّن مواقفنا واتهم جيشنا وأمننا بحماية الاحتلال الإسرائيلي. ألا يُعتبر كل هذا التدمير البنيوي من دواعي الاستنفار والدفاع عن هويتنا ووطننا؟ تخيلوا أن هناك من يشكك في شهدائنا ودمنا الذي قدمناه للحفاظ على الضفة الغربية لما يقارب العشرين سنة، وهناك من نسب الانتصار في معركة الكرامة (معركة الدروع والمدفعية والطيران) لغير قيادتنا وجيشنا. هل سمعتم حديث أحدهم الذي اتهم فيه العشائر بأنها مصدر من مصادر الفوضى؟ هل مطلوبٌ من الأردنيين أن يصمتوا على ذلك كله؟
لقد تعرضت صورة الأردن في ذهنية الأردنيين إلى تشويش هائل طوال عقود بفعل هذه التيارات التوطينية، لذلك فأول ما تناولته الصحوة الأردنية هو تاريخ هذا البلد الذي تم التعتيم عليه، كردٍّ على أكذوبة الكيان المصطنع، فكانت الجهود المباركة للكثير من الشباب الأردني في إعادة الاعتبار إلى هذا التاريخ العظيم الذي تشهد له المباني الأثرية والنقوش والمخطوطات والمرويات. ثم سارع هؤلاء الوطنيون الأردنيون إلى قراءة الأخطار المحيطة بالدولة وبالكينونة الأردنية، فكان التفافهم حول جلالة الملك ومواقفه العظيمة في رفض كل مشاريع التصفية على حسابنا، كردٍّ من نوع آخر على أي طموحات تهدد وجودنا. بالمحصلة، انصهر الشعور بالخوف على الوطن مع فخرنا بتاريخنا العميق، وتكوَّن لدينا تيار يعشق بلده ويدافع عنه.
للأسف، فقد أصبح الدفاع عن الأردن يحتاج إلى شرح طويل للنوايا، ويتطلب قبل البدء به الكثير من المُقدّمات، رغم أنه فعل سليقيٌّ شرعي. ومع ذلك كله، فالوعي بالهوية الوطنية -خصوصًا في الحالة الأردنية- يشبه تمامًا حركة القطار إلى الأمام، لذلك لن تنجح محاولات تثبيط هذا الوعي أو إعادته إلى الوراء، فهذا الوعي يتحرك بقوة دفع تتكون من الخداع التاريخي الذي تعرضنا له، ومن الشعور العميق بالخوف على وطننا.