الأحزاب الأردنية: من آمال التحديث إلى خيبة الأمل
خلدون الشقران
في وقت يشهد فيه الأردن تحولات عميقة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ظهرت تجربة تحديث منظومة الأحزاب كأمل جديد لإحداث التغيير المنشود. كانت آمال المواطنين كبيرة في أن يُترجم هذا التحديث إلى إصلاحات شاملة تطال كافة المجالات الحيوية، من الاقتصاد إلى التعليم والخدمات العامة. وجاءت الحملات الانتخابية الميدانية، التي غزت المحافظات، كأداة رئيسية لكسب ثقة الجمهور، في ظل التفاؤل المتجدد بأن هذه المبادرات ستؤدي إلى بروز قوى إصلاحية جديدة ستعيد صياغة الواقع السياسي بما يخدم مصلحة الشعب.
لكن، وبينما كان المواطنون يرفعون آمالهم نحو هذا التحديث، بدأ الواقع يكشف عن فجوة حقيقية بين الوعود والطموحات وما تحقق فعليًا. فما كان يبدو كخطوة نحو التغيير تحول إلى مجرد سراب، حيث تبيّن أن بعض الأحزاب التي نجحت في الوصول إلى البرلمان، لم تكن قادرة على ترجمة وعودها إلى أفعال ملموسة. إن الحديث عن الإصلاحات والوعود كانت غالبًا ما تختفي بعد انتهاء الحملات الانتخابية، لتتحول الأحزاب إلى مجرد أطياف برلمانية لا تقدم جديدًا، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذه التجربة.
أدى ذلك إلى شعور عميق بالخذلان بين المواطنين الذين بدأوا يتساءلون: هل كنا ضحية آمال فارغة؟ هل كانت هذه الأحزاب مجرد أدوات شكلية، تهدف فقط إلى تحقيق مكاسب انتخابية؟ وقد أكدت نتائج الانتخابات الأخيرة أن النشاط الحزبي لم يتجاوز حدود الحملة الانتخابية، حيث تبين أن هذه الأحزاب لا تملك أي خطط حقيقية لإحداث تغيير أو إحداث تأثير ملموس في الحياة السياسية.
لكن ما الذي جعل هذه الأحزاب تتراجع؟ هل هو ضعف في الأداء أم أن القوى السياسية المحركة لها قد تراجعت عن التزاماتها الإصلاحية؟ في الواقع، يبدو أن هناك عدة عوامل تؤثر على هذا التراجع، أبرزها غياب الاستراتيجيات الواضحة والهيكل التنظيمي الذي يفتقر إلى التماسك. كما أن الضغوط الاقتصادية والسياسية أثرت سلبًا على قدرة هذه الأحزاب على تنفيذ برامجها الإصلاحية.
مما يزيد الطين بلة، هو غياب الرقابة الفعّالة والتفاعل الحقيقي مع مؤسسات الدولة، حيث بقي أداء الأحزاب البرلمانية بعيدًا عن التوقعات الشعبية. بل إن تصريحاتهم أصبحت أكثر تردّدًا وحذرًا، لدرجة أن البعض بدأ يشكك في قدرتها على الوفاء بوعودها.
لكن رغم هذا الواقع المظلم، لا يزال هناك فسحة أمل. الطريق لا يزال مفتوحًا أمام الأحزاب الأردنية لاستعادة قدرتها على التأثير، ولكن ذلك يتطلب منها العودة إلى العمل الجاد. إذ يجب على هذه الأحزاب أن تعيد تقييم استراتيجياتها وأن تستعيد التواصل المباشر مع المواطنين، لتفهم تطلعاتهم بشكل حقيقي. إن الثقة التي فقدت يمكن أن تُستعاد من خلال خطوات عملية تتسم بالشفافية، ويجب أن تتضمن برامج إصلاحية واقعية وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
إن ما تحتاجه الأحزاب الآن هو تحديد مسار واضح لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي، وليس مجرد تصريحات خاوية. إذا نجحت في ذلك، سيكون بإمكانها كسب ثقة الشعب مرة أخرى. لكن التحدي الأكبر يكمن في توازن القوى الداخلية والخارجية، ومدى قدرتها على تجاوز المشهد التقليدي الساكن والانتقال إلى مرحلة حيوية قائمة على التغيير المستدام.
يبقى السؤال: هل ستتمكن الأحزاب من تجاوز هذا الواقع المربك، واستعادة دورها كقوى تغيير حقيقية، أم أن هذه التجربة ستظل مجرد فقاعة في تاريخ السياسة الأردنية؟