الطراونة يكتب: الترقيات الأكاديمية إلى رتبة أستاذ دكتور «بروفيسور» دون إنجازات ملموسة


الاستاذ الدكتور اخليف الطراونة

تُعدُّ ظاهرة حصول بعض الأكاديميين على لقب «أستاذ» (بروفيسور) دون تحقيق إنجازات أكاديمية ملموسة من القضايا التي تثير القلق الصامت في الأوساط الأكاديمية. وتعود هذه الظاهرة إلى عوامل عدّة، من بينها غموض معايير؛ والضغوط الهيكلية والإدارية؛ والتحديات المتعلقة بنشر الأبحاث ذات القيمة العلمية؛ إضافة إلى التوازن بين التدريس والبحث.

1. غموض معايير الترقية

تُمثّل المعايير المُتبعة في منح الرُتب الأكاديمية أحد العناصر الأساسية التي تحدد جودة النظام الأكاديمي. وإذا كانت هذه المعايير غامضة أو غير محددة بدقة، فإن ذلك يفتح المجال لممارسات لا ترتبط بالإنجازات الأكاديمية الفعلية. فالتقييم يعتمد على مدة الخدمة، ويشمل أيضاً عدد الأبحاث المنشورة خلال فترة معينة (عادةً بين أربع إلى خمس سنوات). ولكثرة أعداد الحاصلين على رتبة الأستاذية مؤخراً ولقصر المدة الزمنية بين الرتبة والأخرى؛ فإن من المستحسن رفع الحد الأدنى لفترة الخدمة بين الرتبة والأخرى بثماني سنوات؛ بهدف ضبط أعد?د الأساتذة (البروفيسور). كما يتعين أيضاً أن تكون الأبحاث المنشورة مرتبطة باحتياجات المجتمع المحلي، وأن تتوافر فيها تطبيقات عملية تضمن فاعلية الترقية، مع التركيز على جودة الإنجاز ومدى الحاجة إليه على أرض الواقع.

2. الضغوط الهيكلية والإدارية

تؤدي البنية الهيكلية للجامعات دورًا كبيرًا في تشكيل سياسات الترقية. إذ تواجه إدارات الجامعات أحيانًا ضغوطًا لتوسيع هيئات التدريس؛ بهدف تعزيز السمعة الأكاديمية للجامعة. وقد يؤدي هذا التوجه إلى منح الرتب الأكاديمية بشكل أسرع، تحت وطأة السعي إلى تحسين تصنيفات الجامعة ومواءمة معايير الاعتماد.

إلى جانب ذلك، تُبالغ بعض الجامعات في الاهتمام بصورتها المؤسسية، بحيث تركز على زيادة عدد الأساتذة بصرف النظر عن مستوى إنتاجهم الأكاديمي الفعلي أو جودته.

وفي هذا السياق؛ قد تساهم العلاقات الأكاديمية والشبكات الشخصية في تسهيل الحصول على الترقيات، ما يُضعف أهمية التقييم النوعي للأداء الأكاديمي.

3. التحديات في نشر الأبحاث ذات القيمة العلمية

تمثل كُلف النشر المرتفعة في المجلات العلمية ذات التصنيف العالي أحد التحديات الرئيسة التي تواجه الأكاديميين. وقد تدفع هذه الكُلف الباهظة بعض الباحثين إلى اللجوء إلى مجلات أقل تصنيفًا، ما يؤثر سلبًا على قيمة أبحاثهم وسمعتها. ونتيجة لذلك، يظهر تفاوت واضح في جودة الأبحاث المنشورة، الأمر الذي يسفر عن انخفاض مستوى البحث العلمي بشكل عام.

علاوة على ذلك؛ فإن ارتباط الأبحاث بعملية الترقية فقط من شأنه إضعاف قيمتها الأكاديمية؛ إذ تصبح الإنجازات البحثية مُرتبطة بمسار إداري بحت، ما يقلل من أهمية الإبداع والعمق الفكري في هذه الأبحاث. ويتجلّى هذا الأمر بوضوح في قلة عدد براءات الاختراع، أو حتى انعدامها أحيانًا لدى الحاصلين على رتبة الأستاذية.

4. التوازن بين التدريس والبحث

تؤثر الأعباء التدريسية الثقيلة تأثيرًا ملحوظًا في قدرة الأكاديميين على إجراء أبحاث علمية متميزة، ما يعيق تحقيق إنجازات بحثية ضرورية للترقية الأكاديمية ولخدمة المجتمع على حدّ سواء. وفي بعض الأنظمة الأكاديمية، يُفضل التركيز على التدريس، ما يُحدث اختلالًا في التوازن بينه وبين البحث العلمي، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على جودة التعليم والإنتاج البحثي على المدى الطويل.

ختاماً؛ يتضح أن هذه الظاهرة السلبية في الترقيات الأكاديمية تنشأ نتيجة تداخل عوامل متعددة، ما يستوجب إعادة النظر في معايير وأسس الترقية الأكاديمية. إذ يجب تحديث هذه المعايير بما يتناسب مع متطلبات العصر، بحيث تُعزز جودة البحث العلمي وتُحسن الأداء الأكاديمي بشكل عام. ـــ الراي