هل تحقق التعديلات القانونية الجديدة التوازن في سوق العمل؟
أبو نجمة: ضرورة التريث بإقرار القانون ومنح مناقشة التعديلات الوقت الكافي
الخصاونة: تعديلات القانون توازن بين مصلحة العام واحتياجات صاحب العمل
الأنباط – شذى حتاملة
أثار مشروع قانون العمل المعدل مخاوف مختصين من تأثيرات التعديلات الجديدة على استقرار سوق العمل والعلاقات العمالية، ما يؤكد الحاجة إلى حوار اجتماعي أوسع لضمان التوازن بين مصالح جميع أطراف المعادلة في سوق العمل.
وعلق المختصون على بعض بنود مشروع القانون، مؤكدين حاجتها للنقاش والتعديل كي تضمن الحقوق.
وكان مجلس النواب أقر مؤخرًا مشروع قانون العمل المعدل، الذي يهدف إلى تحديث وتنظيم سوق العمل في الأردن بما يتماشى مع التطورات المحلية والدولية، وتضمن المشروع العديد من التعديلات التي توازن بين حقوق العمال وأصحاب العمل، حيث تم التركيز على تعزيز حقوق العاملين في القطاع الخاص وتوفير بيئة عمل أكثر استقرارًا ومرونة.
وشملت التعديلات مواد مهمة تتعلق بالحقوق النقابية، مثل إنهاء الخدمات، وحقوق المرأة في العمل، و زيادة إجازة الأمومة إلى 90 يومًا وحظر فصل المرأة الحامل، كما تم تعديل المادة 31 التي كانت تتيح لصاحب العمل فصل نسبة من العمال دون الرجوع للجنة الثلاثية، حيث تم تخفيض النسبة من 15% إلى 5%.
ويرى رئيس مركز بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة ضرورة التريث بإقرار القانون ومنح مناقشة التعديلات الوقت الكافي لضمان دراسة كل مادة بشكل دقيق وعدم الاستعجال في إقرارها ، لافتًا إلى أنه خلال السنوات الماضية، تم إقرار تعديلات هامة على قانون العمل في جلسات قصيرة لا تتجاوز بضع ساعات، ما أسفر عن ظهور ثغرات تشريعية واضطرابات في سوق العمل نتيجة عدم دراسة الآثار المحتملة لهذه التعديلات بشكل كافٍ ، واليوم أصبح هناك إدراك أكبر لأهمية التروي في دراسة التشريعات، خصوصًا تلك التي تؤثر على مصالح العمال وأصحاب العمل، والتي لها تبعات اقتصادية واجتماعية واسعة.
وأضاف في حديث خاص لـ " الأنباط " أن المواد التي أثارت جدلًا خلال الجلسات النيابية بشكل رئيسي تمحورت حول إنهاء الخدمات والحقوق النقابية، ومن أبرز هذه المواد كانت المادة 31 التي تمنح أصحاب العمل صلاحية إنهاء خدمات نسبة من العاملين دون الرجوع للجنة الثلاثية، ما كان سيتسبب في فصل جماعي غير مبرر ويهدد استقرار علاقات العمل ، مبينًا أن المادة 108 أثارت قلقًا واسعًا أيضًا، إذ كانت تهدف إلى إلغاء الحمايات القانونية لممثلي النقابات العمالية، ما كان سيؤثر سلبًا على قدرة العمال في الدفاع عن حقوقهم.
وتابع أبو نجمة "أما فيما يخص التعديلات التي اقترحتها لجنة العمل النيابية، فقد كانت متوازنة في كثير من جوانبها، وأبرزها رفض التعديلات التي كانت ستضعف الضمانات القانونية للعمال، مثل المادة 31 والمادة 108، كان موقف اللجنة واضحًا في ضرورة الحفاظ على استقرار علاقات العمل ومنع التوسع في الفصل الجماعي دون رقابة".
وأكد أن مجلس النواب لم يأخذ بتوصية اللجنة فيما يخص المادة 31، وقام بتعديلها بحيث تم تخفيض نسبة الفصل المسموح به من 15% إلى 5%، لكن هذا لا يغيّر من خطورة التعديل نفسه، إذ أن مبدأ منح صاحب العمل سلطة الفصل بهذه الطريقة، حتى بنسبة 5%، يظل مخالفًا لمعايير العدالة والعمل الدولية.
وأوضح أنه بالنسبة للمواد التي تصب في مصلحة العامل، فهناك عدد من التعديلات التي تعزز الحقوق الاجتماعية للعاملين، منها زيادة إجازة الأمومة إلى 90 يومًا، مما يوفر حماية أفضل للمرأة العاملة، واستحداث إجازة وفاة أحد الأقارب، وهو تعديل يعكس بعدًا اجتماعيًا مهمًا ، إضافة إلى حظر فصل المرأة الحامل، مما يعزز حمايتها من أي انتهاك بسبب ظروفها الصحية ، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات تعتبر تقدمًا في بعض الجوانب، لكنها لا تعوّض التعديلات التي تم تمريرها، والتي قد يكون لها انعكاسات سلبية على استقرار سوق العمل والعلاقات العمالية ، داعيًا إلى إجراء حوار اجتماعي أوسع حول التعديلات قبل إقرارها، لضمان تحقيق توازن حقيقي بين مصالح جميع الأطراف.
من جانبه، أوضح الخبير القانوني الدكتور صخر خصاونة ، أن مشروع قانون العمل يعد من أبرز القوانين التي تنظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل ، ولغاية الآن لم يتم الانتهاء من مناقشته، مؤكدًا أن قانون العمل يعتبر من أهم التشريعات التي تحكم هذه العلاقة ، فهو يشمل فئتين أساسيتين هما: فئة العمال وفئة أصحاب العمل ، وبالتالي فإن قانون العمل دائم باستمرار هو عرضة للتطور، والتعديل، ولإعادة التفسير من قبل المحاكم.
وتابع الخصاونة " لذلك عندما يتم تعديل أحكام قانون العمل، يستغرق ذلك وقتًا طويلًا مقارنة بالقوانين الأخرى ، و يعود ذلك إلى تأثيره الكبير على الاقتصاد الوطني وحقوق العمال، حيث يشمل فئة العمال التي تعتبر الأضعف ، إذ أن التعديلات المقترحة أو مشروع التعديل لقانون العمل لعام 2004 ما زال قيد المناقشة حاليًا".
وأشار إلى أن هناك عدة نقاط إيجابية، منها لمصلحة العمل، ومنها لصاحب العمل، وبالتالي كان هنالك فكرة لإجراء عملية التوازن ما بين حقوق صاحب العمل والعمل، فمثلًا نجد بأن القانون حصن المرأة الحامل ، وهذا جزء كبير من حماية حقوق المرأة العاملة .
وبين أنه كان هناك نص في قانون العمل بالمادة 15 ينص على أنه إذا كان العقد محدد المدة وانتهى، ولكن استمر الطرفان في تنفيذه، يعتبر العقد مجددًا لمدة غير محددة ، هذا هو التطبيق العملي للنص، حيث كان يعتبر العقد محدد المدة إذا لم يذكر تجديده بوضوح، ويمدد لمدة مماثلة، وإذا لم تكن هناك فترة محددة، يتحول إلى عقد غير محدد المدة ، وقد أكدت محاكم الأردن هذا التفسير، لافتًا إلى أن التعديل الأخير، قام المشرع بتوضيح النص في المادة 15 ليكون كما يلي: إذا كان العقد محدد المدة واستمر الطرفان في تنفيذه، يعتبر العقد ممددًا لمدة غير محددة ، هذا التعديل يتوافق مع تفسيرات المحاكم الأردنية لعقود العمل غير محددة المدة أيضًا .
ولفت الخصاونة إلى أن الفقرة المتعلقة بالعجز أو الإصابة، إذا تم إثبات إصابة العامل بعجز أو تم إنهاء خدماته وفقًا لأحكام المادة 31 من قانون العمل، والتي أثارت جدلًا وما زالت مثار نقاش، فإن المادة 8 من القانون المعدل، التي تقابل المادة 31 من قانون العمل، تحدد أنه يجوز لصاحب العمل في حالات الظروف الاقتصادية أو ما يسمى بإعادة الهيكلة إنهاء أو تعليق عقود العمل غير المحددة المدة، كليًا أو جزئيًا.
وبين أن العامل كان يستحق في حال إنهاء عقده الحصول على تعويض شهر كامل وفقًا للمادة المعدلة، لكن النص المعدل جاء ليحمي العمال بشكل أكبر، حيث ينص على أن صاحب العمل يمكنه إنهاء أو تعليق العقود بنسبة لا تتجاوز 15% من عدد العمال، وهو ما يعكس توجهًا لحماية حقوق العمال، بخلاف النص السابق الذي كان يتيح لصاحب العمل إنهاء أو تعليق العقود كافة، بالتالي، فإن النص الجديد يحمي العمال بشكل أكبر من النص السابق والذي يعطي الحق لصاحب العمل بإنهاء 5 % من العاملين لديه ، مما يجعل من غير المسموح إنهاء عقود العمل أو تعليقها بشكل تعسفي كما كان يحدث في السابق.