الأردن لا يعتقل داعمي المقاومة، ولعبة المفردات في ذروتها.


حاتم النعيمات

يحاول البعض، وعبر منصات إعلامية إظهار الأردن كدولة تقف ضد المقاومة؛ فمنذ أيام، تدور تصريحات ومنشورات وتعقد المؤتمرات لإقناع الناس بأن سبب اعتقال بعض الأشخاص هو دعمهم للمقاومة. ولا أعلم، هل الدولة الأردنية بسيطة لهذه الدرجة لتعتقل من يدعم المقاومة التي نصّت على مشروعيتها القوانين والأعراف الدولية؟

خلال فترة العدوان على غزة، كانت التظاهرات تُدار بشكل عام من قبل تجمع أطلق على نفسه "ائتلاف دعم المقاومة” بقيادة حزب جبهة العمل الإسلامي، وعضوية أحزاب يسارية وشخصيات نقابية مختلفة. وكان عمل الائتلاف الظاهر هو تنظيم التظاهرات والفعاليات الجماهيرية تحت عنوان التضامن مع المقاومة، وتدرجت الشعارات والهتافات على مرأى ومسمع من قيادات هذا الائتلاف، من تخوين الدولة (الجسر البري) إلى مبايعة شخصيات خارجية (الضيف والسنوار) في دولة ذات سيادة يحكمها شرفاء العرب، ولم تنتهِ الأمور عند التحريض على اقتحام السفارة والحدود لإحراج الدولة ومحاولة أخذ لقطة لها وهي تمنع الناس تحرير فلسطين!.

ويأتي السؤال الآن: كيف لدولة أرسلت للأشقاء في غزة والضفة مئات الملايين من الدولارات على شكل مساعدات إنسانية، ودعمت موقفهم السياسي بشكل زاد عن الطبيعي، ورفضت تهجيرهم، كيف لها أن تعتقل من يدعم المقاومة؟ أليس ما فعله الأردن شكلًا من أشكال دعم المقاومة أيضًا؟ أليس دعم الصمود وتثبيت المعادلة الديموغرافية من أهم طرق المقاومة؟ وإذا كانت الإجابات على هذه الأسئلة "نعم”، فلماذا نرى هذه الحملة الشعواء من الداخل والخارج علينا؟

سأستخدم مثالًا واقعيًا لمحاولة كشف جوهر الادعاء الموجه للدولة: عندما وقف الأردن موقفه الشهير بقيادة جلالة الملك ضد التهجير، دعت هذه القوى (ائتلاف دعم المقاومة) إلى فعالية داعمة لموقف الأردن والملك على حد زعمهم، فكانت النتيجة تظاهرة هزيلة، باردة، بمستوى متدنٍّ من "الأدرينالين” والانفعالات. في المقابل، عندما تلقى هذا الائتلاف الدعوات من الخارج، للخروج إلى الشارع، كانت الأعداد كبيرة، وكان "الأدرينالين” سيد الموقف. القصد هنا أن أبين أن عبارة "دعم المقاومة” في عقلية أتباع هذا الائتلاف تعني دعم حماس حصرًا، وتعني الاستجابة للأمر التنظيمي لا أكثر، ولا تعني أبدًا من وجهة نظري دعم المقاومة بمعناها الشامل؛ ولو كانت النوايا غير ذلك، لما كانت هذه الحملة التشويهية ضد الدولة.

تاريخيًا، يقاوم أي شعب تُحتل أرضه باستخدام طيف واسع من الأفعال، يبدأ بالكلمة والتوعية الفكرية وتعزيز الصمود على الأرض، وصولًا إلى التظاهرات والإضرابات والعمل الدبلوماسي الدولي، وهذا كله يترافق مع العمل المسلح المدروس، الذي يُعتبر جزءًا من هذا الطيف وليس جُلّه. واحتكار فكرة المقاومة بجزء معين من هذا الطيف، وتخوين كل من لا يؤمن بهذا الشكل، يُعدّ مدعاة للتفرقة والضعف، وهذا، بالمناسبة، جوهر الانقسام الفلسطيني الذي عززته إسرائيل منذ 2007.

الأردن دولة دعمت المقاومة الشعبية الفلسطينية بمعناها العام المؤدي بالضرورة إلى تشبث الفلسطيني بأرضه والرامي في جوهره إلى الحفاظ على حياته، ولم تدعمها (أي المقاومة) بشكل يجعل هذا الشعب عُرضة للقتل والدمار دون فائدة، ولم تقدّم لها سلاحًا "أقل من متوسط” لتستثير به أعتى آلات الحرب المجرمة، ولتعطي الذريعة لليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية ليكون حديثه عن التهجير بهذه السهولة التي نراها اليوم. ببساطة، هناك فرق بين دعم بريء ودعم خبيث.

القانون الأردني لا يجرّم التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا مع مقاومته المشروعة، لكنه يجرّم التحريض على الدولة، ويجرّم تخريب الوعي العام بالإشاعة والافتراء، ويجرّم أيضًا تخزين السلاح والتخطيط للعمليات على الأرض الأردنية، وهذا الكلام واقعي، فقد اعترف أحد التنظيمات بأن الذي نفذوا هذه العمليات كانوا فعلًا أعضاءً فيه، لكنه وصف عملهم بالعمل الفردي! وكأن التغذية الفكرية التنظيمية لم تكن هي العامل الرئيسي لحركة هؤلاء.

الاعتماد على فكرة نزيهة كالمقاومة لتمرير المخالفات القانونية عمل غير بريء؛ فالملايين من الأردنيين تضامنوا ولم يتم التعرض لهم، والدولة ذاتها كانت متضامنة، بل وتجاوزت حدود مصالحها في الكثير من المناسبات، وذلك في سياق إفشال المشروع الإسرائيلي وتقريع حججه وذرائعه، وليس في سياق المغامرات غير المحسوبة، ومحاولة استغلال هذا التضامن لرفع مستوى التحشيد لغايات انتخابية وتنظيمية.