مؤتمر "أمة واحدة ومصير مشترك".. ضرورة توحيد الجهود نحو قضايا الأمة الملحة
"الأنباط" تنقل آراء المشاركين في مؤتمر الحوار الإسلامي بالبحرين
عياد: أهمية انعقاد المؤتمر حاليًا تكمن بالظروف التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية
معروف: الحل يكمن في توحيد الأمة الإسلامية والوقوف معًا في وجه الهجمات الكبيرة
السهلاني: الرسالة التي أكدها المؤتمر هي الدعوة إلى روح الأخوة والتعاون والمرونة
الأنباط - شذى حتاملة
عقد في مملكة البحرين مؤتمر الحوار الإسلامي، الذي جمع ممثلين عن مختلف المذاهب الإسلامية والعديد من العلماء والمفكرين من أنحاء العالم، وجاء هذا المؤتمر في وقت حاسم يعكس أهمية تعزيز التعاون والتفاهم بين مختلف أطياف الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات المعاصرة التي تهدد وحدة الأمة.
وناقش المؤتمر قضايا جوهرية تتعلق بالاختلافات الفقهية والعقائدية، بالإضافة إلى كيفية تعزيز الوحدة وتفعيل الحوار البناء بين المذاهب المختلفة، كما شكل المؤتمر منصة هامة لطرح رؤى وأفكار عملية تهدف إلى تعزيز الأخوة الإسلامية وترسيخ قيم التسامح والاحترام المتبادل.
وأكد البيان الختامي للمؤتمر على أن "وحدة الأمة عهد وميثاق"، وأن "التفاهم والتعاون على تحقيق مقتضيات الأخوة الإسلامية واجب متعين على المسلمين جميعًا"، مشيرًا إلى أن "الحوار الإسلامي المطلوب اليوم، والذي تحتاجه الأمة ليس حوارًا عقائديًّا ولا تقريبيًّا، بل هو حوار تفاهم بَنَّاء، يستوعب عناصر الوحدة الكثيرة، في مواجهة التحديات المشتركة، مع الالتزام بآداب الحوار وأخلاقه".
وحث المؤتمر على التعاون المشترك بين المرجعيات الدينية والعلمية والفكرية والإعلامية لمواجهة ثقافة الحقد والكراهية، مؤكدًا على تجريم الإساءة واللعن بكل حزم من كل الطوائف. وأشار إلى أن التراث الفكري والثقافي في مدارس المسلمين جميعًا لا يخلو من أخطاء اجتهادية ينبغي أن تُتَجاوز، داعيًا إلى التزام الحكمة والجرأة في النقد الذاتي لبعض المقولات، وإعلان الأخطاء فيها؛ استئنافًا لما بدأه الأئمة السابقون، والعلماء المتبوعون من كافة المدارس الإسلامية.
وشدد على "ضرورة توحيد الجهود نحو قضايا الأمة الملحّة كدعم القضية الفلسطينية، ومقاومة الاحتلال، ومواجهة الفقر والتطرف؛ إذ حين يتكاتف المسلمون جميعًا باختلاف مدارسهم لدعم هذه القضايا عمليًّا، تذوب الخلافات الثانوية تلقائيًّا تحت مظلة "الأخوّة الإسلامية" التي أمر بها القرآن".
ودعا المؤتمر المؤسسات العلمية الإسلامية الكبرى لإنجاز مشروع علمي شامل، يُحصي كافَّة قضايا الاتفاق بين المسلمين في العقيدة والشريعة والقِيَم، مؤكدًا أن هذا المشروع سيكون له الأثر الكبير في معرفة الأمة بنفسها، وإصلاح تصوُّر بعضها عن بعض، وتنمية ثقافتها الإسلامية المشتركة، وتعزيز دعوتها الإنسانية.
وأشار إلى أهمية تعزيز منصات الحوار الإسلامي بإنشاء لجان متخصصة تحت مظلة المؤسسات الدينية الكبرى؛ لرعاية الحوار بين الشباب المسلم من كافة المذاهب الإسلامية، وتنظيم مبادرات وبرامج شبابية للحوار، بما في ذلك الشباب المسلم في الغرب لربطه بتراثه الإسلامي، وتعزيز قيم التفاهم والعمل المشترك بين المذاهب الإسلامية، وتقديم نماذج إيجابية تعزز هويتهم الدينية، وإطلاق مبادرات علمية ومؤسسية للحوار بين المسلمين من كافة المذاهب، لإزالة الصور النمطية المتبادلة، ونزع أسباب التوتر بينهم، باعتبار ذلك الطريق الأمثل لتحسين صورة المسلمين، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وأكد مفتي الجمهورية المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور نظير محمد عياد، أن أهمية انعقاد المؤتمر في الوقت الحالي تكمن في الظروف التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، حيث أن الواقع الذي نعيشه يستدعي ضرورة الوحدة والتضامن، مع التجاوب مع رؤية جديدة من شأنها لم شمل الأمة والقضاء على التفرقة، وأن الأمر الأهم أن هذا المؤتمر جاء بمشاركة سياسية ودينية ومؤسسات علمية، مؤكدًا أن الخروج من هذه الأزمة لا يتحقق إلا من خلال التعاون المثمر والمشترك بين المؤسسات الدينية والمؤسسات الدعوية والمؤسسات العلمية، فضلًا عن المؤسسة السياسية.
وأضاف في حديث خاص لـ"الأنباط" أن هذا المؤتمر يمثل بداية جديدة لتحريك المياه الراكدة، كما تطرق فضيلة شيخ الأزهر في مداخلته إلى أهمية تجاوز الاتهامات وبدء مرحلة جديدة من الحوار بعيدًا عن التوترات القديمة، لافتًا إلى أن الحديث عن الصراع الفكري والعلمي والمذهبي بين أطراف الأمة يسهم في تصحيح الفهم الخاطئ والتعصب، ويشجع على بناء حوار إسلامي إيجابي يسعى إلى وحدة الأمة والمصير المشترك، ما يساعدنا على تجاوز السلبيات السابقة.
وفي السياق ذاته، قال الباحث والمؤرخ الدكتور بشار عواد معروف، أن هذا المؤتمر جمع مجموعة من العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية، حيث أبدى فخره بمشاركته في الموتمر كممثل عن الوفد الأردني.
وألقى معروف كلمة تناولت بعض النقاط الهامة، مشيرا إلى أن الاختلاف بين المذاهب الفقهية هو أمر طبيعي ويعكس التنوع، حيث يمكن للإنسان الاستفادة من آراء مختلف المذاهب، ولكن الخلافات العقائدية وتوظيف الدين في السياسة يعتبران من أكبر التحديات، حيث تم استخدام الدين لأغراض سياسية تفسد الأمور، ولذلك، كان التأكيد هنا على ضرورة التركيز على المشتركات بين المسلمين، وأهمية أن يحترم كل طرف الآخر في قوله وفعله، وألا يُسيء أحد للآخر بأي شكل من الأشكال.
ولفت معروف في حديثه لـ"الانباط" إلى أن الحل يكمن في توحيد الأمة الإسلامية والوقوف معًا في وجه الهجمات الكبيرة التي تتعرض لها الأمة، لذا المسلمون اليوم يواجهون خطرًا كبيرًا من هذه الهجمات، مؤكدًا أننا فخورون بموقف جلالة الملك في رفضه تهجير الفلسطينيين، وتأكيده على أن لا توطين ولا بديل للوطن، وهذا التوجه يحظى بتأييد كبير من جميع المشاركين في المؤتمر، ونحن ندعمه بكل قوة.
وأكد أن المؤسسات الدينية من مختلف المذاهب يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في دعم مخرجات المؤتمر وتحقيق أهدافه، من خلال تعزيز التعاون بين هذه المؤسسات ومواءمة جهودها لتحقيق وحدة الأمة، وتوجيه خطاب ديني يعزز من التسامح والتفاهم المتبادل بين جميع الأطراف.
بدوره، أكد الدكتور حيدر السهلاني، الأستاذ في جامعة الكوفة بكلية الفقه، أن هذا المؤتمر بمثابة منصة جامعة لجميع الطوائف الإسلامية من مختلف أنحاء العالم، حيث حمل في طياته رؤية عملية جادة إلى جانب النظرة
الفكرية، لافتًا إلى أن الجميع تفاعل بشكل إيجابي مع القراءات العلمية الدقيقة التي تم طرحها، وكان هناك ترحيب واسع من قبل جميع المشاركين ، ويأمل أن تكون هذه البداية انطلاقة قوية من البحرين، تفتح آفاق التعاون وتترجم إلى تطبيقات علمية عملية، وصولًا إلى الدورة الثانية في مصر.
وبين السهلاني في حديثه لـ"الأنباط" أن الرسالة التي تم تأكيدها في هذا المؤتمر هي الدعوة إلى روح الأخوة والتعاون والمرونة، مع الالتزام بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله، موضحًا أننا في الوقت الحالي نعيش في وقت تتعدد فيه المشتركات بيننا، ويجب أن نركز على ما يجمعنا ونعمل على تعزيز هذه المشتركات ، أما في الأمور التي نختلف فيها، فيمكننا تبادل الأفكار والنقاشات البناءة من أجل بيان الحقيقة، وهذا يساهم في نضج الفكر الفقهي والعقائدي والأخلاقي على حد سواء.
واختتم حديثه قائلًا: "نحن في أمس الحاجة إلى توحيد صفوف الأمة، حيث أن الوحدة هي السلاح الفتاك الذي نملكه، ويجب أن نستخدمه بعقولنا وأيدينا، لا بد أن نعمل معًا، متحدين لمواجهة التحديات المشتركة وتجاوز الأزمات.
وأوصى المؤتمر بإنشاء (رابطة الحوار الإسلامي) من قبل مجلس حكماء المسلمين للعمل فتح قنواتِ اتصالٍ لكل مكونات الأمة الإسلامية دون إقصاءٍ، استمدادًا من الاصطلاح النبوي الشريف الذي يجعل أمة الإسلام أمة واحدة.
كما أطلق المؤتمر نداء بعنوان (نداء أهل القبلة)، داعيًا إلى صياغة خطاب دعوي من وحي هذا النداء تستنير به المدارس الإسلامية تحت شعار (أمة واحدة ومصير مشترك).
وفي السياق نفسه، أعلنت الأمانة العامة لمجلس حكماء المسلمين أنها ستتابع خطوات تشكيل لجنة مشتركة للحوار الإسلامي، والخطوات العملية اللازمة لتنفيذ مقررات هذا المؤتمر، وبدء التحضيرات بالتنسيق مع الأزهر الشريف، لتنظيم المؤتمر الثاني للحوار الإسلامي بالقاهرة تلبية لما أعلن عنه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في كلمته بالمؤتمر.
وأكد أن "الوحدة الإسلامية يجب أن تصير نظامًا مؤسسيًّا يبدأ من مناهج التعليم، ويمتد إلى خطب المساجد والإعلام"، داعيًا إلى أن تتحول "ثقافة التفاهم" إلى سياسات ملموسة في كتبٍ تُعلِّم فقه الاختلاف، ومنصاتٍ تقوض خطاب الكراهية، ومشاريع اجتماعية تنموية وحضارية مشتركة.
ونوه المؤتمر بدور المرأة في ترسيخ قيم الوحدة في الأمة، وتعزيز التفاهم بين أبنائها، سواء من خلال أدوارها داخل الأسرة، أو عبر حضورها العلمي والمجتمعي. كما دعا إلى وضع استراتيجية جديدة للحوار الإسلامي الإسلامي تأخذ بعين الاعتبار قضايا الشباب وطموحاتهم، وتعتمد على الوسائل الحديثة في التواصل ونقل المعرفة، بحيث يكون الخطاب الديني متفاعلًا مع واقعهم الرقمي والتكنولوجي، وأن يعكس رؤيتهم لمستقبل الإسلام في عالم متغير.