الأردن قرر مواجهة الغباء بالاستغناء

حرب الرسائل القبلية تشعل قمة الملك مع ترامب

السعودية تنتقل إلى موقف الدعم والصمود رغم العلاقات مع ترامب

حماس تترك الباب مفتوحًا للوسطاء بقرار ذكي

الأنباط – عمر كلاب

رسائل استباقية, لا تنقصها الحكمة والإدارة السياسية, لعملية في غاية التعقيد, تشهدها القضية الفلسطينية, وارتدادتها على الموقف الأردني, الذي يقع اليوم في خانة شديدة الصعوبة, فمن جهة تربطه علاقة استراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية, ومن جهة ثانية مرتبط بالقضية الفلسطينية حد التآخي والمصير المشترك, فباتت القضية الفلسطينية شأنًا أردنيًا محليًا, والتعقيد, أن المطلوب أمريكيًا هو المستحيل أردنيًا, والمطلوب فلسطينيًا هو الحل الأمثل أردنيًا, وما بين المستحيل والحل, تجلس إدارة أمريكية غارقة في تلموديتها, وصانعة لأزمات كونية وليست شرق أوسطية فقط.
إدارة هذه اللحظة الفارقة, تشهد مناورة أردنية ذكية, تتلخص في استنهاض الشارع الشعبي, لمواجهة الضغوط الأمريكية, وثانيًا تأطير تشريعي يمنع الاقتراب من المستحيل الأردني أو محاولة إخراجه من دائرة الاستحالة, فما نقلته العدسات والكاميرات التفازية, من مشهد مهيب, لاختراق نقابة الحامين بجحافلها القانونية, ساحة البرلمان برفقة رئيس مجلس النواب, صبيحة تحويل قانون منع التهجير, إلى اللجنة القانونية في المجلس النيابي, بصفة الاستعجال, تشير إلى أن مشروع القانون يحظى بتوافق وطني, ورسالة قبيل ساعات من قمة أردنية أمريكية مرتقبة.
هذه الصورة المحلية, التي تسند الملك قبل لقاء الرئيس الأمريكي, ليست وحدها, بل ثمة إسناد عربي للملك قبل القمة, تمثل في الموقف السعودي الصلب, والذي كسر المألوف السعودي, بإعلانه في تصريح نادر ولافت دعمه للحقوق المشروعة الفلسطينية وعدم اقترابه من ملف التطبيع قبل الدولة الفلسطينية, واستعداد السعودية لتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه, في رسائل نقلها مبعوثون مقربون من ولي العهد السعودي إلى الأردن ومصر, وسبق للملك أن كشف عن خلاصة مكالمته مع ولي العهد السعودي بعبارة " كل الدعم ".
فلسطينيًا, نجحت حركة المقاومة الإسلامية, حماس , بتوجيه رسالة ذكية إلى الإدارة الأمريكية, والكابينيت الصهيوني, بوقف تسليم الأسرى والجثث, إذا لم تلتزم الإدارة الصهيونية ببنود الاتفاق, وذلك قبل خمسة أيام من موعد التسليم, بمعنى أنها تركت الباب مفتوحًا, للوسطاء كي يمارسوا دورهم وضغطهم, ودون شك سيكون هذا الملف, حاضرًا في قمة الملك والرئيس الأمريكي, الذي أعلن بتصريح يخلو من أي ذكاء سياسي, بأنه سيفتح أبواب الجحيم على حماس, التي تنتظر الجنة, بحكم أنها تعيش في الحجيم نفسه, وبقيت السلطة الفلسطينية في مربع الكمون التنازلي, تاركة الأردن ومصر لخوض المعركة الدبلوماسية, دون تقديم أي ورقة قوة.
الملك يذهب الى القمة مسلحًا بعوامل قوة متعددة, أهمها الموقف الشعبي والبرلماني, الذي قرر وحسب آراء ساسة كثيرين, مواجهة الغباء الأمريكي, بالاستغناء, حيث استعاد الأردنيون, ذاكرتهم مع التهديدات الأمريكية بوقف المساعدات, بحادثة سابقة ابان حكومة المرحوم مضر بدران, الذي شكر أمريكا على قرار وقف المساعدات, من أجل تدعيم الاعتماد على الذات, وهذا ما أشار إليه بقوة ووضوح الوزير المخضرم والسفير الاستثنائي في تل أبيب وواشنطن مروان المعشر, بقوله هي فرصة أردنية, والأردن معتاد على تحويل المحن إلى منح.
عمان تنتظر ساعات القلق على فراش من الراحة نسبيًا, بحكم الالتفاف الشعبي حول اللاءات الملكية الثلاث, ومستعدة للعمل من أجل الاستغناء عن الغباء, والقاهرة بدورها تترقب قمة رئيسها مع الرئيس الأمريكي, الأسبوع القادم, وسط حالة شعبية صلبة, كشفتها حجم التأييدات لبيان الخارجية المصري, الذي أوضح بجلاء رفضه التهجير, وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف, في رسالة قوية للرد على مقترحات الرئيس الأمريكي.
الرهان قائم على مهارة الملك وعلاقاته الوثيقة مع دوائر صنع القرار الأمريكي, والتي سبق لها أن منحت الأردن هامش انفلات من الصدام مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة, فالقضية الفلسطينية, هي نقطة الخلاف الجوهري مع واشنطن, والمستحيل أردنيًا لن يصبح واقعًا مهمًا ضغطت الإدارة الأمريكية, فاللاءات الثلاث هي عنصر الإجماع الأردني ولا حياد عنها.