السحيج والناقد والمعارض والإخواني

بهدوء
عمر كلاب
بعد الشغب الفكري والسياسي والتراشق الاتهامي, لمسيرات الجمعة, بات السؤال واجبًا,هل كل ناصح ناقد؟ وهل كل ناقد معارض؟ وهل كل معارض إخواني؟ وهل كل مشارك في مسيرة الجمعة, أو متفهم لظرف السلطة,سحيج؟ أربعة أسئلة في صميم المعضلة السياسية والقانونية والأخلاقية التى تواجهنا في هذه اللحظة؟ فثمة تداخل غريب, تارة تراه ممسوكًا بدقة, وتارات تراه مفلوتًا حد العجز عن الإمساك, فهو حالة سائلة, والسيولة جزء أصيل من فقه المؤسسات الرسمية أو لنقل من عقل السلطة, التي تحتاج اليوم إلى إعادة التفكير بكل كينونتها, بعد أن طال الاستهداف جوهر الدولة وكيانيتها.
كاتب هذه السطور ينتقد سياسات السلطة, في التعامل مع كثير من الملفات, فهل لمجرد أننى أنتقد أوضاعًا أرى أنها تؤدي إلى عكس المقصود الأصلي منها ولا تتفق مع الصالح العام للمجتمع والوطن، يصنفني بعض حاملي المناصب, ممن اختاروا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك من «المعارضين»؟ وحتى إن كنت لا أصنف نفسى معارضًا للشكل الحالي من السلطة, اعتقادًا مني أنها بحاجة لفرصة كاملة لمواجهة هذا الكم المهول من التحديات على الأصعدة المختلفة، فهل هذا يضعني أيضًا, في خانة السحيجة عند آخرين.
لكن هذا لا ينفي حق المعارض في أن يعارض طالما أنها معارضة وطنية, والمعارضة الوطنية هى التى لا تكره «السلطة» أكثر من حبها للأردن، وغير مستعدة أن تدمر الأردن, من أجل حسابات حزبية أو فئوية أو جهوية, او لحسابات أنظمة ودول وفصائل, هى التي تفرق بين السلطة والدولة كما تفرق بين المتحدث في شأن الدين والدين ذاته، هى المعارضة التي تعرف الفرق بين معارضة «قانون» معين, أو بعض نصوصه وبين معارضة فكرة «القانون» أصلاً, باعتبار أن كل قانون وكل مؤسسة تعبر عن مصالح «الطبقة المسيطرة اقتصاديًا», ضد كل الطبقات كما ذهب كارل ماركس.
المعارضة الوطنية هى التى ترفض أن تستقوى بالخارج كائنًا من كان، سواء كان ليبراليًا يظن أن الخارج من حقه أن يتدخل في شؤوننا, لضمان الحقوق والحريات مثلما ذهب بعض الليبراليين خلال فترات الربيع العربي، أو موقف بعض الإخوان الذين يظنون أن الأردن ساحة يجب أن تستجيب لكل إخواني يقع في مأزق, سواء بوعي أو بجهالة, ومطلوب من الأردن أن يبني رؤيته ومواقفه وفقًا لحسابات الاخونة, كما رأينا في أتون الربيع العربي وتاليًا بعد السابع من أكتوبر.
المعارضة الوطنية لا ينبغى أن تتحول, عند حاملي المناصب ومدعي الدفاع عن الدولة, كمساوية لجماعة الإرهاب والتدمير التى قررت أن تكون معارضة غير وطنية, كما لا ينبغي وصف كل إخواني بأنه خطر على الدولة, ويجب إعادة ترسيم المسافة مع هذا التيار, ضمن حدود وطنية, رغم أنهم يتجاوزون كثيرًا هذه الحدود, تارة بنشر إشاعة, أو تجريم مهرجان, أوعبث بغرائز دينية, ووطنية وقومية, فنحن بحاجة إلى مقاربة جديدة معهم, فمنهم من هو بحاجة لخطاب ديني وسياسىي وإعلامي وتعليمي مختلف, حتى لا يتحولوا إلى خطرين محترفين, ولنتذكر أن جماعة الإخوان ربت شبابها في الوقت الذى فشلت فيه الدولة في تربيتهم، وعالجت شبابها في الوقت الذى فشلت فيه الدولة في علاجهم، وهكذا نحن بحاجة لأن ننهض سريعًا, نحن بحاجة لأن نلتفت للمحافظات الأكثر فقرًا وغضبًا.
ليس كل ناصح ناقدًا، وليس كل ناقد معارضًا، وليس كل معارض إخوانيًا، وليس كل إخوانى خطرًا, وليس كل متفهم لظرف الأردن والسلطة التنفيذية سحيج, واستهجن ممن انتقد مسيرات الجمعة وواصفًا المشاركين فيها بالسحيجة, فهل هو ضد الشعار المرفوع في تلك المسيرات, أي أنه مع التوطين والتهجير ومع الوطن البديل, الأردن الجديد هو الإنسان الجديد, وهذا يعني التوافق الوطني أقله على التعريف والتصنيف والمصطلح.
omarkallab@yahoo.com