التطرف المناخي يحد من التوسعات الصناعية والزراعية والسياحية

قطاعات اقتصادية تكابد تبعات التغير المناخي

شوشان: 7.5 مليار دولار حاجة الأردن لتنفيذ إجراءات مناخية

الزعبي: 500 مليون متر مكعب فجوة المياه المتوقعة في 2040

 

الأنباط - مي الكردي - رزان السيد

 

 

أمسى القطاع الصناعي يدفع ثمن ما اقترفه بحق كوكب الأرض من انبعاثات للغازات الدفيئة وتلويث للبيئة ما آل إلى ظاهرة التغير المناخي التي نلمسها في جميع جوانب الحياة.

التغيرات في الظروف المناخية قد تؤدي إلى نقص في المواد الخام، ما يزيد من التكاليف الإنتاجية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤثر الفيضانات أو الجفاف على توفر المواد الخام الأساسية للصناعات مثل الزراعة والطاقة.

وبعد أن كانت القطاعات الصناعية أبرز من شكل الأزمة المناخية العالمية، وفاقم أثرها على مختلف القطاعات الحيوية، أصبح التطرف المناخي يسري في الاتجاه المعاكس ويحد من الممتلكات الصناعية والزراعية والسياحية، فالاقتصاد المحلي اليوم يستيقظ على أزمة حقيقية تضرب جميع الاتجاهات المغذية للاقتصاد الوطني وتزعزع استقراره.

قطاعاتٌ عدة تواجه حربًا طبيعية يصعب مواجهتها ويلزمُ التجاوب معها، حيث تعمل هذه الظروف المناخية على تقليص الموارد الطبيعة والحد من إنتاجها كالقطاع الزراعي والمائي ما يضع حلولاً بديلة ذات تكلفة مرتفعة تنعكس بدورها على أسعار المنتجات الغذائية والزراعية والصناعية.

خبير المناخ عمر شوشان، يرى أن التغير المناخي سيؤثر بشكل كبير على اقتصاد الأردن، حيثُ يُقدر أن الأردن سيحتاج إلى حوالي 7.5 مليار دولار من التمويل بحلول عام 2030 لتنفيذ الإجراءات المناخية المخطط لها، في حين يقدر البنك الدولي هذه التمويلات بـ9.5 مليار دولار، وفقًا لوثيقة المساهمات المحددة وطنيًا (NDC)، موضحًا أن الأثر الأكبر سيقع على قطاعات أساسية كالمياه والزراعة والطاقة.

وبين خلال حديثه لـ"الأنباط" أبرز القطاعات الصناعية التي ستتأثر بالتغير المناخي وعلى رأسها القطاع الزراعي الذي يُعد أكثر القطاعات تضررًا بسبب اعتماده الكبير على الأمطار، إذ يُتوقع أن تتقلص الأراضي الزراعية القابلة للزراعة وأن ترتفع تكاليف الرّي بنسبة 20% - 30% بحلول عام 2030، مُشيرًا إلى أن قطاع المياه يعتمد على التنمية الاقتصادية بشكل رئيسي وعلى الوفرة، وذلك لتزويد الصناعات التي تعتمد على المياه مثل إنتاج الأغذية، حيثُ ستواجه هذه الصناعات صعوبات تشغيلية بسبب انخفاض الإمدادات المائية.

وتابع شوشان حديثه حول أبرز القطاعات تأثرًا من التغير المناخي في الأردن، مؤكدًا أن منها أيضًا قطاع الطاقة الذي يعتمد بطبيعته على مصادر الطاقة التقليدية مثل الوقود الأحفوري والذي سترتفع كلفته بسبب ارتفاع الطلب على التبريد في الصيف والتدفئة في الشتاء، مضيفًا أن قطاع النقل ستؤثر به درجات الحرارة المرتفعة مما سيؤدي إلى تدهور البنية التحتية للطرق ويرفع من التكاليف الاقتصادية عليه لإجراءات الصيانة.

ولفت إلى أن التغير المناخي سيؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على القطاع السياحي في الأردن، إذ سيشكل هذا التغيّر تهديدًا على المواقع الطبيعية والتاريخية والأثرية مثل "البتراء"، نتيجة الأمطار الغزيرة المُفاجئة التي تؤدي إلى تشكل السيول وإغلاق مؤقت للمناطق السياحية إضافة إلى الجفاف الممتد، مشيرًا أن انخفاض مستوى البحر الميت بمعدل 1 متر سنويًا قد يؤثر على السياحة العلاجية، حيثُ تعمل درجات الحرارة المرتفعة على تقليل جاذبية السُياح للمناطق السياحية في فترات الصيف، في حين يعتمد الأردن بشكل كبير على السياحة العربية.

ودعا الحكومة والقطاعات الاقتصادية إلى العمل من خلال وثيقة المساهمات المحددة وطنيًا والتي تتمثل في تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة ،الهيدروجين الأخضر، وتنفيذ مشاريع طاقة شمسية ورياح ،لدعم تقليل الانبعاثات وتوفير الطاقة بتكاليف منخفضة.

وأشار إلى أهمية دعم الموارد المائية من خلال تنفيذ مشاريع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، والعمل على تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة من خلال تقنيات الري الحديث، ودعم الزراعة الذكية مناخيًا من خلال تعزيز المحاصيل المقاومة للجفاف والملوحة، وإنشاء صناديق دعم للمزارعين للتكيف مع التغير المناخي.

ولفت شوشان إلى وجوب وضع إجراءات لحماية القطاع السياحي من التغير المناخي وذلك من خلال تحسين إدارة المواقع السياحية، وإنشاء خطط طوارئ لمواجهة الكوارث المناخية التي تؤثر على السياحة، فيما توجه خلال حديثه إلى إصلاح السياسات الاقتصادية من خلال تنظيم سوق الكربون لتحفيز الصناعات على تقليل الانبعاثات، وتقديم حوافز ضريبية للاستثمارات في التقنيات الخضراء.

وشدد على أهمية تعزيز التعاون الدولي والتمويل المناخي، من حيث زيادة الاعتماد على التمويلات الخضراء لدعم مشروعات الاستدامة، والعمل على إنشاء شراكات مع المؤسسات الدولية مثل الصندوق الأخضر للمناخ، داعيًا إلى التحرك السريع في تنفيذ هذه التدابير التي من شأنها أن تقلل من الأثر الاقتصادي للتغير المناخي والمحافظة على استدامة القطاعات الحيوية في الأردن.

من جهته، أوضح خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، أن تأثير التغير المناخي على تدهور الأراضي في الأردن يُعد تحديًا كبيرًا بسبب طبيعة البلاد الجافة وشبه الجافة، حيث تفاقم الظروف المناخية القاسية من مشاكل التصحر وفقدان التنوع الحيوي.

وأشار إلى أن الأردن شهد ارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة بنحو 1.5 – 2°م منذ سبعينيات القرن الماضي وفقًا لتقارير وزارة البيئة الأردنية، ويتوقع أن ترتفع الحرارة 4–5°م بحلول عام 2100 إذا استمرت الانبعاثات العالمية بمعدلها الحالي.

وأضاف الزعبي، خلال حديثه لـ"الأنباط"، أن كميات الأمطار السنوية انخفضت بنسبة 5 – 20 في مناطق مختلفة منذ الثمانينيات، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى، كما يُتوقع انخفاض الأمطار بنسبة 15 –30% بحلول عام 2050.

وبين أن فترات الجفاف ازدادت من 3 – 4 سنوات كل عقد في القرن الماضي إلى 6 – 7 سنوات في العقود الأخيرة.

وأوضح الزعبي أن مظاهر تدهور الأراضي، هو التصحر حيث إن 80% من مساحة الأردن تُصنف كمناطق جافة أو شبه جافة، و90% منها معرضة للتصحر، و54% من الأراضي الزراعية تعاني من تدهور خصوبة التربة بسبب التعرية والتملح، كما أن 62% من المياه الجوفية تُستنزف بمعدل يفوق التجديد الطبيعي.

وتابع، بأن حصة الفرد السنوية من المياه العذبة انخفضت إلى 62 م³، وهو أقل من خط الفقر المائي العالمي البالغ 500 م³، كما فقد الأردن 30% من مساحة المراعي الطبيعية خلال العقدين الماضيين بسبب الرعي الجائر والجفاف، وهجرة الريفين من سكان المناطق الريفية إلى المدن بسبب تدهور الأراضي وندرة المياه.

وبين الزعبي بأن التحديات المستقبلية تكمن مع النمو السكاني، والمتوقع أن يصل إلى 13 مليون نسمة بحلول عام 2030، مقابل 11 مليون في الوقت الحالي، كما ستزداد الضغوط على الموارد الطبيعية.

وأضاف، أنه بحلول عام 2040، قد تصل فجوة المياه إلى 500 مليون م³سنويًا إذا لم تُنفذ حلول مبتكرة.

وأوصى الزعبي بأنه يجب إيجاد حلول تشتمل على تعزيز الزراعة المستدامة واستخدام تقنيات الري بالتنقيط وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة المياه وزيادة إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، إذ تُستخدم 90% منها في الزراعة في الوقت الحالي، ونسبة الجمع لمحطات التنقية لا يتعدى 62%.