زيارة تركيا، القربان والتفاهمات والمستقبل

حاتم النعيمات

زيارة أردنية مهمة إلى تركيا ضمّت كلاً من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين برفقة رئيس هيئة أركان الجيش الأردني ومدير عام دائرة المخابرات. أهمية الزيارة تأتي من تشكيلة الوفد الأردني وبعض تصريحات معالي أيمن الصفدي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الاجتماعات.

الجديد في الزيارة، هو أن الأردن ومنذ الثامن من ديسمبر الماضي (يوم سقوط نظام الأسد) كان يخوض في مرحلة استكشاف الوضع في سوريا وذلك عبر اتصالات وزيارات، ويبدو أن مرحلة الاستكشاف هذه انتهت وبدأنا فعليًا في مرحلة التفسير والتنفيذ على الأرض.

الرسالة الأهم من الزيارة إلى تركيا هي أن الأردن قرر المبادرة وذهب مباشرة إلى صاحب القرار الحقيقي في سوريا، ويبدو أن هناك تفاهمات مسبقة على بعض الأمور قبل الزيارة، فتواجد رئيس هيئة أركان الجيش الأردني ومدير عام المخابرات يعني أن هناك ترتيبات فنية (أمنية وعسكرية) بالإضافة إلى الترتيبات السياسية والدبلوماسية.

وجود جزء تنفيذي ميداني (الجيش والمخابرات) في الوفد يعني احتمالين للمشهد، الأول أن هناك ترتيبات وتفاصيل نهائية في تفاهمات قد تمت، بالتالي فهذا الأمر يعني أن الأردن قد حقق عنصر السبق والمبادرة فيما يخص الملف السوري. والاحتمال الثاني هو أن هناك شيئًا ما تفصيلي يجب أن يتم شرحه للأتراك بما يخص الجنوب السوري (وربما أبعد من الجنوب) ويطالب الأردن بوضعها على طاولة الأتراك لأخذها بعين الاعتبار.

على الجانب الآخر، وانعكاسًا للاحتمالين المذكورين أعلاه، فقد كان من اللافت إعلان الأردن عبر وزير خارجيتنا العداء لحزب العمال الكردستاني(PKK) الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، وهذا مؤشر مهم يجب التوقف عنده، فليس من طبيعة السياسة الخارجية الأردنية إعلان العداء لجهة ما (ليست معادية للأردن) لأجل تقوية العلاقة مع جهة أخرى.

إن إعلان العداء لحزب العمال الكردستاني يعني أن الأردن وصل إلى قناعة بأنه يجب أن يكون لاعبًا أساسيًا في الملف السوري، ويؤشر إلى أن تركيا قد تساعد في ذلك لأسبابها الاستراتيجية في مسألة الأكراد، لا سيما أن الأردن ما زال ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي يعمل في شرق سوريا ويملك حرية الحركة إلى حد بعيد، بالتالي فالتصريح لا يعد مجاملة دبلوماسية بل أن له بعد عملي.

باختصار، فهذه خطوة بالاتجاه الصحيح، فالسياسة لا تعرف العاطفة، وعند اللزوم يجب أن يكون هناك تضحية ببعض العلاقات لكسب تمركزات مهمة، رغم أن النمط العام للسياسة التركية متذبذب ويمكن في أي لحظة أن يتحول من صديق إلى عدو، لكن الوقائع تقول إن خطوة الحكومة الأردنية ممتازة ويجب البناء عليها.

الرسالة الثانية كانت موجهة لإسرائيل التي تحتل جزءًا من جنوب غرب سوريا، ومفاد هذه الرسالة أن الأردن يتحدث اليوم مع صاحب السطوة في سوريا، وأن التوافق على رفض الاحتلال الإسرائيلي بين تركيا والأردن لم يكن تحت عنوان المجاملات الدبلوماسية بل أن هناك قربانًا لهذا التوافق وهو معاداة حزب العمال الكردستاني الذي يمتاز بعلاقات ممتازة مع إسرائيل.

الوصول إلى "رأس النبع” في الشأن السوري إجراء مهم، خصوصًا أن هناك سباقًا في المنطقة والعالم على سوريا الجديدة، فملفات مثل إعادة الإعمار والأمن والمياه والطاقة والاستيراد والتصدير والاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا تحمل أهمية كبيرة للأردن وتركيا هي اللاعب الرئيسي فيها.

بالإضافة لما ذُكر، يجب مراقبة سلوك حكام سوريا الجدد وأخذ الاحتياطات الداخلية تحت جميع العناوين، والتي تبدأ من احتمالية اتصال بعض الجماعات الموجودة في الأردن مع جماعات سوريا، وليس انتهاءً باحتمالية انزلاق الأوضاع هناك إلى اقتتال داخلي وفوضى.