أحمد الضرابعة يكتب : الشارع السياسي الأردني: مقدمات ونتائج

أحمد الضرابعة


منذ اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تُرك الشارع الأردني لتعبث به قوى سياسية معروفة، حرصت على كسر المحظورات السياسية والأمنية التي تحددها الدولة الأردنية من منطلق المصلحة الوطنية البحتة، حيث تشكّلت بنية سياسية - اجتماعية سمتها العامة التناقض مع اتجاهات الدولة الأردنية، ورفض تعريفها للمصلحة الوطنية، إضافة إلى رفض تصنيفها للدول الصديقة والدول والكيانات السياسية - العسكرية العدوّة. وقد أتاح بروز هذه البنية لدول المشاريع، الفرصة للعمل على اختراق المجتمع الأردني فكريًا، من بوابة "المقاومة" و "القضية الفلسطينية"، لذا فإنه ليس غريبًا أن يتزايد عدد المنتسبين لـ "نادي المعجبين في المشروع الإيراني" من بلادنا

من بين الأسباب التي أنتجت هذا الواقع، هو افتقار الأردن للقدرات الإعلامية القوية القادرة على فرض السردية الوطنية الأردنية في الوقت الذي تحظى به المشاريع الإقليمية المعادية بدعاية سياسية وإعلامية سريعة الرواج والتأثير، وتنجح إلى حد كبير في قلب المفاهيم والحقائق. يُضاف إلى ذلك، أن قضيتنا الوطنية الأردنية تاريخيًا، تأخر ترتيبها في قائمة الأولويات بسبب الظروف الإقليمية، بدءً من المشكلة الفلسطينية وأعباءها، واحتلال العراق وضرورة التعامل مع نتائج ذلك، والربيع العربي، وتبعية الأحزاب المحلية في منتصف عمر الدولة للمشاريع العربية، القومية والبعثية والإسلامية، وغير ذلك، فلم يُتاح لها بناء الإنسان الوطني الأردني المؤمن بدولته وقضيته الأردنية، وكانت نتيجة ذلك أننا صرنا نرى مواطنين، أفرادًا وجماعات، لا يرون الأردن إلا جزءً من رؤية لا وطنية، وكأنه قطعة من جغرافيا متخيلة تحكمها أيديولوجيا منفصلة عن الواقع.

كما أنه لم يُعمل على ترويج فلسفة الدولة الأردنية، وتثبيت هويتها الوطنية رغم موجات اللجوء التي لا تتوقف، والتي كان لها دورًا بارزًا في ارتفاع أصوات على الساحة المحلية، مناوئة للدولة الأردنية ومصالحها. إلى جانب ذلك، فُرّغت مفاهيم التنشئة السياسية من مضمونها، وتدخلت منظمات المجتمع المدني في هذا الملف ولعبت دورًا فاق دور الدولة ذاتها، في وقت كان من الضروري أن ينشأ فهم الشباب الأردني ويتفتح وعيهم في قضايا الهوية الوطنية، ومصالح الدولة الأردنية وعلاقاتها الخارجية، وتأثير الجغرافيا السياسية على ما سبق. ويضاف إلى ذلك أيضًا، أن أحزابنا "الوطنية" مجتمعة، سواء التي كانت موجودة قبل تحديث المنظومة السياسية أو التي وُجدت بعد تحديثها، لم تنجح حتى الآن في صنع حالة وطنية تعيد للمجتمع الأردني توازنه السياسي وتضبط بوصلته نحو الأردن بما هو كيانهم السياسي الذي عليهم أن يؤمنوا به ويدافعوا عن مصالحه. قد يكون الحكم على ذلك مبكرًا من وجهة نظر البعض، ولكنني لا أتفائل بدورها في هذا السياق على المديين، القريب والمتوسط، لأسباب قد أتحدث عنها لاحقًا.

وأخيرًا، علينا الاعتراف، أن نمو الأفكار في مجتمعنا، الوطنية منها واللاوطنية، ليس صعبًا، ولكننا نحتاج إلى "مزارعين" وطنيين حريصين على وجود محصول فكري وطني في مواسم الهيجان الإقليمي، والاصطفاف السياسي والأيديولوجي، ومن دون ذلك، ستصبح بلادنا بيئة خصبة لزراعة ما لا يتوافق مع طبيعتها ومناخها السياسي الذي يعرفه الأردنيون جيدًا.