أحمد الضرابعة يكتب : الضفة الغربية والمخاوف الأردنية


في ظلِّ التحولات الجارية في الشرقِ الأوسط، تبرُز الأردن كواحدة من الدول المتأثرة بـ "حتمية الجغرافيا السياسية"، التي تفرض عليها ضرورة مواجهة التحديات الإقليميَّة المختلفة، وهو الوضع الذي اضطر الأردن للتعايشِ معه منذ عقود، نتيجةً لاتسام منطقة الشرق الأوسط بعدم الاستقرار، ورغم تعدد الجبهاتِ الإقليميَّة وتَنوع مصادر الخطر بالنسبة للأردن، إلّا أنه يولي الضفة الغربية اهتمامًا خاصًا، نظرًا لحساسية الوضع فيها وما يمكن أن ينجم عنه من تداعيات وخيمة، مثل تقويض "السلطة الوطنية الفلسطينية" التي تحكمها، وتهجير سكانها الفلسطينيين، وضمها للسيادة الإسرائيلية، ولذا فإن الأردن لا يمكن له النأي بذاته عمّا يجري في الضفةِ الغربية، كونها تُعد جزءًا مهمًا من المجال الحيوي الأردني، إلى جانب ارتباط المصالح الوطنيَّة الأردنيَّة بمجريات الأحداث فيها، حيث يفرض تأثير أحجار الدومينو نفسه في هذهِ المعادلة. وللإشارة إلى مدى أهميتها الجيوسياسية لدى الأردن، حرص المسؤولون الأردنيون على اختلاف مستوياتهم السياسية منذ بدء الحرب على تأكيد رفض الأردن الفصل بين الضفة الغربية وغزة، فهو يعتبرها نواة للدولة الفلسطينيَّة الواحدة التي تحول سياسات الاستيطان والتهويد والتوسع الإسرائيلية دون قيامها. ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تراجع دور السلطة الوطنيَّة الفلسطينيَّة التي يدعمها الأردن بصفتها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، بالتوازي مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدنِ الضفة الغربية ومُخيماتها، وزادت المخاوف من تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، وهذا التهديد لم تتوقف إسرائيل عن التلويح به في كل فرصة تُتاح لها، وفي ظلِ حرصها على إعادة "هندسة" الواقع السياسي والأمني في ساحات غزة ولبنان وسورية والعراق وإيران بما يُلائم مصالحها الاستراتيجية، فإنَّ الضفة الغربية ليست خارج الحسابات الإسرائيلية، بل إنها تقع في قلب تصورات رموز وزعماء اليمين الصهيوني المتطرف، مثل وزير المالية "سموتريتش" الذي دعا لضمها إلى إسرائيل وتوسيع المستوطنات فيها، وهم يحاولون فرضَ تصوراتهم هذه تزامنًا مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة.

رغم خطورة الوضع في الضفة الغربية، إلّا أنَّ الموقف الأردني منه ليس ضعيفًا، بل إنّه وصل ذروته السياسية بفضل اللاءات الملكية الثابتة، والتحركات الدبلوماسية الاستباقية الشجاعة والجريئة، وتكريس الجهد الإنساني الأردني في الضفة الغربية لدعم صمود أهلها. الأردن لن يذهب باتجاه الغرب، أو الشمال، إلا إذا اقتضت مصالحه الوطنية ذلك. ومن يرتجون خروج الوضع عن السيطرة في الضفة الغربيَّة لإقحام الأردن في ملفاتها المعقدة، نُذكِّرهم أنَّ العقل السياسي في بلدنا، هو عقل دولة، وليس عقل فصيل متهور أو ميليشا مأجورة.