هل تنجح الثورة المضادة في سوريا؟

إعداد: الناشط الحقوقي محمود أبو زيد

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، واجهت هذه الثورة تحديات كبرى على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، ما جعل البعض يتساءل عن إمكانية نجاح ثورة مضادة كما حدث في دول أخرى مثل مصر وتونس وليبيا واليمن. ومع ذلك، فإن الوضع في سوريا يختلف جذريًا عن تلك الدول بسبب عوامل عسكرية وسياسية وجغرافية تجعل احتمالية نجاح أي ثورة مضادة أمرًا شديد الصعوبة.

أولًا: القتل الممنهج والاعتقالات التعسفية وسجون الموت في سوريا

الثورة السورية لم تكن مجرد حراك شعبي ضد نظام استبدادي، بل جاءت نتيجة لعقود من القمع المنهجي والقتل المتعمد والاعتقالات التعسفية التي مارسها النظام السوري ضد معارضيه وأبناء شعبه.

1. القتل الممنهج:

منذ اللحظة الأولى لانطلاق المظاهرات السلمية، واجهها النظام السوري بالعنف المفرط والقتل المتعمد للمتظاهرين العزل. استخدم النظام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي لاستهداف المدن والبلدات الثائرة، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين.
ولم يقتصر القتل على العمليات العسكرية المباشرة، بل شمل المجازر الجماعية التي ارتكبتها قوات النظام والمليشيات الموالية له في مدن مثل حماة وحمص وريف دمشق وحلب ودرعا.

2. الاعتقالات التعسفية:

مارس النظام السوري الاعتقالات الجماعية بحق النشطاء السياسيين والمدنيين وحتى الأطفال. وثقت منظمات حقوق الإنسان اعتقال مئات الآلاف من السوريين في ظروف غير إنسانية ودون أي محاكمات عادلة. غالبية المعتقلين تعرضوا للتعذيب الوحشي الذي أدى إلى وفاة العديد منهم تحت التعذيب.

3. سجون الموت:

أصبحت سجون النظام السوري رمزًا للرعب والقهر، وأشهرها سجن صيدنايا الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "مسلخ بشري” بسبب أساليب التعذيب والإعدام الممنهج داخله. كما تُعد مراكز الاعتقال السرية التابعة للأجهزة الأمنية السورية أماكن تُمارَس فيها أبشع أنواع الانتهاكات، بما في ذلك الاغتصاب والتجويع والقتل تحت التعذيب.
وفقًا لتقارير حقوقية، يقدر عدد المختفين قسريًا بأكثر من 100 ألف معتقل، بينما قُتل الآلاف منهم في السجون أو ما زال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم.

ثانيًا: مقارنة مع الثورات العربية الأخرى

1. الثورة المصرية:

كانت الثورة المصرية سلمية بحتة، إذ لم يكن لدى الثوار أي قوة عسكرية تدافع عن مكتسباتهم. بعد سقوط نظام حسني مبارك، لعب الجيش المصري دورًا حاسمًا في الانقلاب على الحكومة المنتخبة في عام 2013، ليعود النظام العسكري إلى السلطة عبر انقلاب واضح، مستغلًا قوة الجيش الموحدة ومؤسساته المستقرة.

2. الثورة التونسية:

في تونس، أطاحت الاحتجاجات الشعبية بالرئيس زين العابدين بن علي دون مواجهة مسلحة، إذ لم يكن هناك جيش قوي أو منظم يستطيع فرض انقلاب عسكري. ومع ذلك، حاولت قوى الثورة المضادة زعزعة الاستقرار من خلال الاغتيالات السياسية والأزمات الأمنية، لكن الانتقال السياسي في تونس ظل نسبيًا تحت السيطرة المدنية.

3. الثورة الليبية:

في ليبيا، تحولت الثورة إلى صراع مسلح منذ البداية، حيث تدخل حلف الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي. مع غياب دولة مركزية أو جيش وطني موحد، أصبحت ليبيا ساحة حرب بين الفصائل المسلحة والقبائل، ما أتاح لقوى الثورة المضادة أن تجد موطئ قدم في المشهد السياسي والأمني المستمر حتى اليوم.

4. الثورة اليمنية:

كانت الثورة اليمنية في بدايتها سلمية، لكنها تحولت لاحقًا إلى صراع عسكري مع استيلاء الحوثيين على صنعاء وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية. أدى ذلك إلى تلاشي ملامح الثورة، ودخول اليمن في حرب أهلية معقدة أصبحت فيها المصالح الإقليمية والدولية العامل الحاسم في تحديد مصير البلاد.

ثالثًا: لماذا يختلف الوضع في سوريا؟

1. وجود قوة عسكرية ثورية منظمة:

خلافًا للثورات السلمية في مصر وتونس واليمن، أصبحت الثورة السورية مسلحة بسبب القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري. تضم المعارضة السورية أكثر من 100 ألف مقاتل مسلح ومنظم في فصائل مختلفة، وهو ما يمثل حاجزًا قويًا أمام أي محاولة لإعادة فرض النظام السابق أو انقلاب عسكري محتمل.

2. تفكك الجيش السوري:

في حين كان الجيش هو الأداة الرئيسية للثورة المضادة في مصر واليمن وليبيا، لم يعد في سوريا جيش نظامي متماسك. الجيش السوري تفكك نتيجة الانشقاقات والاعتماد على مليشيات مدعومة من إيران وروسيا. أي جيش مستقبلي في سوريا سيكون في الغالب مكونًا من قوى الثورة نفسها، مما يجعل الانقلابات العسكرية التقليدية شبه مستحيلة.

3. الدعم الإقليمي الفاعل:

تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، تعد الداعم الأكبر للثورة السورية، خاصة مع حدود مشتركة بطول 950 كيلومترًا مع سوريا. تتمتع تركيا بقدرة على التدخل السريع وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للمعارضة السورية، وهو ما لم يتوفر لأي ثورة أخرى في المنطقة، لا في مصر ولا تونس ولا ليبيا أو اليمن.

4. الحاضنة الشعبية المستمرة:

على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها السوريون، لا يزال ملايين السوريين في الداخل والخارج يعتبرون الثورة خيارهم الوحيد لتحقيق الحرية والكرامة. هذا التمسك الشعبي الصلب يختلف عن الثورات الأخرى التي شهدت فتورًا شعبيًا مع مرور الوقت، كما حدث في مصر وتونس بعد تحقيق بعض التغييرات السياسية الأولية.

خلاصة:

بينما نجحت الثورة المضادة في السيطرة على مكتسبات الثورات في دول مثل مصر واليمن وليبيا وتونس، يبدو أن الوضع في سوريا مختلف تمامًا. القوى العسكرية المنظمة، غياب الجيش النظامي الموحد، الدعم الإقليمي الكبير من تركيا، والتمسك الشعبي العميق بأهداف الثورة، تجعل فكرة نجاح ثورة مضادة في سوريا أمرًا مستبعدًا للغاية.

وعلى الرغم من كل التدخلات الدولية والدعم العسكري الضخم الذي تلقاه النظام السوري من روسيا وإيران، لم يتمكن من القضاء على الثورة بشكل كامل. هذه العوامل تؤكد أن العودة إلى الوضع السابق لما قبل عام 2011 باتت مستحيلة، وأن أي محاولة لفرض نظام جديد بالقوة لن تكون سوى مغامرة محفوفة بالمخاطر السياسية والعسكرية.

إعداد: الناشط الحقوقي محمود أبو زيد