منظمات حقوق الانسان الغربية مسيسة والأحزاب اليمينية بفرنسا تقدم الولاء للصهيونية
السامرائي: التوحش الصهيوني يغزو الإعلام الفرنسي
سليم النجار
تؤدي المقابلات دورُا لا تؤديه المقالات والكتب في ما يخصني شخصيًّا، جاءت المقابلة مع الكاتبة العراقية آلاء سعيد السامرائي المقيمة في فرنسا، ضرورة لمعرفة ما هو قائم في فرنسا اتجاه حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
تتحدَّى آلاء السامرائي النظريّات الإعلامية التقليدية المتجولة في العقل العربي، ويمكن قراءة أجوبتها في سياق معرفي فهي تركز على الظروف المحلية التي أدت لإنتاج المعرفة التي تؤثر ليس فقط في فهمنا الغرب "فرنسا"، بل لمعرفة ما يجري هناك من موقع المعايشة لسنوات٠
تمثل أجوبة الكاتبة والمثقفة العراقية الأسلوب الذي تنبثق به المعرفة من التفاعلات مع الأحداث من موقع المشارك، لا المشاهد.
وردا على سؤال لماذا تصمت بعض القنوات الفرنسية عن التدمير وحرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، تقول السامرائي تعدّ المنطقة العربية وبالأخص فلسطين المحتلة، من أهم أخبار أقسام التحرير الدولي عالميًّا، وهو ما كان هدفًا لخطط الكيان بعد أحداث نيويورك عام 2001، وقد برز توجه لوبيات الاحتلال في العالم وبضمنها فرنسا للتأثير على الإعلام الفرنسي والضغط عليه بعد الانتفاضة الثانية، وبعد الانتشار الواسع حول العالم لصورة الطفل الشهيد محمد الدرة وقتله الذي بث على المباشر من قبل جنود الاحتلال. وقد قام اللوبي والمجلس الممثل للجمعيات اليهودية في فرنسا والمؤتمر اليهودي العالمي الذي ينسق كل هذه الجهود على أعلى المستويات بالطلب من المرشح الرئاسي نيكولا ساركوزي الذي خلف الرئيس الراحل جاك شيراك وبشكل مباشر منه امتناع الإعلام الفرنسي عن الحديث عن القضية الفلسطينية، وهذا ما حصل إذا صمت الإعلام الرسمي والمرتبط بالحكومة منذ ذلك الوقت عن نشر حتى أخبار بسيطة عن أحداث فلسطين، بل امتنع حتى عن استضافة السيدة ليلى شهيد سفيرة دولة فلسطين المحبوبة من قبل الشعب الفرنسي للتعليق على الأحداث.
وتضيف، استمر هذا الوضع تحت حكم الرئيس فرانسوا هولاند الذي برائي استجاب لضغوط أخطر وبشكل مباشر من مجرم الحرب نتنياهو الذي أراد تجريم الدعم الفرنسي للشعب الفلسطيني وتجريم الفرنسيين من أصول عربية وجمعياتهم التي تدافع عن حق الشعب الفلسطيني، وتعمل من أجل إسناده والتعريف بقضيته، كقضية حق وعدالة وقضية آخر استعمار وحكم عنصري، وقد تحقق للاحتلال وحكومته اليمينية الفاشية والعنصرية ما تريد.
وتفوق الرئيس إيمانويل ماكرون على أسلافه في الانحياز الكبير لدولة الاحتلال ولحكومتها مٌستقبلًا بالأحضان رئيس وزراء الكيان الذي أهانه الرئيس شيراك مرة، وقال له في وجهه أنه كاذب عندما يتكلم عن تعامله الإنساني مع الشعب الفلسطيني، وهو موقف لم يتخذه أي رئيس فرنسي ولا غربي قبل ذلك.. تفوق ماكرون حينما أراد تسويق اعتبار معاداة الصهيونية كمعاداة للسامية وتجريم ذلك، لكنه فشل فشلاً ذريعًا، ومنذ فترة رئاسته الأولى إلى اليوم فإن الإعلام الحكومي والمهيمن أصبح سلاحًا شاملاً ضد العرب والمسلمين، وكل من يدافع عن الحق الفلسطيني بضمنهم أحزاب اليسار، وأنتج هذا الخطاب العنصري الرسمي تعابير مثل تعبير إسلامي -يساري لتشويه سمعة المسلمين واليساريين لدى الرأي العام الفرنسي ولكسب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات، وذلك بنفس الطريقة الفاشية التي كانت التهم توجه في الثلاثينيات لليسار الأوروبي وتتهمهم بالشيوعية اليهودية في فرنسا. بعد عقد ونصف العقد من غسيل الأدمغة والدعاية التجميلية لدولة الاحتلال في الأوساط الإعلامية والسيطرة أصلاً على هذه الأجهزة ووجود قنوات تابعة لأغنياء الجالية العاملة بنشاط ومثابرة من أجل الترويج لمحتويات تخدم مشروع الاحتلال، أصبح من منطق هذه الدوائر أن تصمت صوت الاخر وتمنعه من التعبير، بل تنفيه من فضاء أي وسط اعلامي سواء في القنوات التلفزيونية أم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ لذلك قامت بعض الأجهزة الإعلامية الفرنسية بحساب وقت التغطية الإعلامية لموضوع الحرب لأشهر عدة منذ أكتوبر ونشرت تحقيقها هذا الذي توصلت فيه أن الوقت الذي خصص في القناة الحكومية كان أقل من دقيقة، وأن أيًّا من القنوات لم تبث صور المجازر والحرب على الفلسطينيين في غزة ولم تغطِّ زيارات الأطباء الفرنسيين الذين ذهبوا إلى مستشفيات غزة لمساعدة زملائهم وعادوا يشهدون على الأحداث وما يقوم به جيش الاحتلال من جرائم، وعن معاناة أهل غزة وأطفالها ونسائها ومسنيها.. واليوم يقدم نائب فرنسي مشروع قرار لتجريم معاداة الصهيونية وبطلب من المؤتمر الصهيوني العالمي، وهناك توقع أن هذا القرار لن يمر كما حصل له سابقًا، ولكن كل شيء جائز وممكن في هذا التواطؤ والمشاركة الغربية الفعلية في الحرب على غزة والشعب الفلسطيني والرغبة في تهجيره.
وحول مدى خطورة التطرف الصهيوني في الإعلام الفرنسي على عملية طوفان الأقصى، اوضحت السامرائي، كتبت مؤخرا مقالا بعنوان عدوى التطرف الصهيوني في الإعلام الفرنسي، لكنني في الحقيقة قد أسميته بدايةً بعدوى التوحش الصهيوني في الإعلام الفرنسي، صحيح أن الكلمة قوية وحادة لكنها لا تجانب الواقع وما يجري فالهجوم في عدة قنوات تلفزيونية واسعة المشاهدة من الإنسان العادي الفرنسي يتركز بقوة وتكرار مقرف على العرب والداعمين للحق الفلسطيني من الأحزاب التي أدانت مجازر جيش الاحتلال وحكومته اليمينية التي أعلنت منذ الثامن من أكتوبر وقوفها مع الشعب الفلسطيني وحثت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
إنه إعلام يشيع الأحقاد والضغينة والتحريض على الآخر الذي يجرمه القانون الفرنسي، لكن هذه القنوات تتمتع هي ومن يعمل فيها وصحفييها الصهاينة والمتملقين لهم واليمينيون بحصانة، منهم من أدين بالتحريض وحكم عليه وهو ما لا تتقبله أي مؤسسة إعلامية للعمل فيها بعد حكم المحاكم، لكنهم رغم ذلك يستمرون في بث السموم لأنهم ببساطة فوق قانون الدولة اليوم.
وبالنسبة لدور للإعلام الفرنسي في فضح الجرائم الإسرائيلية ضد الصحفيين الفلسطينيين، قالت السامرائي: لقد غطت صحيفة اللومانيتية وهي جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي أحداث غزة عبر علاقاتها بالوسط الصحفي الفلسطيني، ومنهم ناصر أبو بكر رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين الذي دعي في أيلول لحضور عيد اللومانيتية السنوي الذي يقام في ضواحي باريس، وقامت منظمة مراسلون بلا حدود بإدانة قتل الصحفيين مرات عدة، وقد انضمت إلى الدول التي رفعت ملفات لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية بسبب القتل العمد للصحفيين، لكن الإعلام الرسمي والمهيمن لم يتكلم عن هذه الإبادة والمجزرة بحق الصحفيين الفلسطينيين، رغم أنه سباق في تغطية أقل ما يحدث للصحفيين وآخرهم من يغطي الحرب في أوكرانيا.
وعن دور منظمات حقوق الإنسان الفرنسية مما يجري في غزة، بينت ان المنظمات المعروفة مثل هيومن رايتس أو أمنستي انترناشينال، مسٌيسة موجودة في الدول الغربية، تقاريرها مهمة ورسمية لكنها بطيئة الصدور لأنها تحتاج تحقيق ووثائق، ومثلها ممثلات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ويكفي أن نرى هجمات وشتائم واتهامات مجرم الحرب نتنياهو للأمم المتحدة ولأمينها العام غوتيرش، وقوله بأن الأمم المتحدة مستنقع معاداة السامية لنتأكد من علاقات القوة وغطرسة الصهاينة ودولة الاحتلال التي تتصرف بصك على بياض وحصانة لجرائمها ومجازرها غير عابئة بقرارات المحاكم الدولية التي صدرت مؤخراً.
وعن مناصرة المنظمات النسوية الفرنسية المرأة في غزة، قالت السامرائي، لقد مست الحرب الهمجية الإجرامية الوجدان والمشاعر والعواطف، الآلاف من النساء شاركن في التظاهرات وبشكل منتظم وخاصة الشابات اللواتي أسسن جمعيات لدعم الشعب الفلسطيني، لكن أيضًا النسوة المناضلات منذ عقود اللواتي يعرفهن الشارع الباريسي سواء من الجالية العربية أو الفرنسيات، ينشطن في التوعية والتنظيم ودعم الأحزاب والشخصيات النسوية اللواتي يؤثرن في الرأي العام، وهناك وجود للمناضلات الفلسطينيات والعربيات اللواتي يدعمن نساء غزة عبر منظمات المجتمع المدني. ويمكن للجالية العربية لو تنظمت أكثر وكانت فعالة لخدمت قضية وحق الشعب الفلسطيني بطريقة مختلفة وكل أمنياتنا أن تنجح هذه الجالية في الوصول إلى هذه الحالة.
وردا على سؤال ان المتابع يرى ان انحياز بعض وسائل الإعلام الفرنسي لإسرائيل نابع من موقف عنصري قالت ، ينطبق ذلك كما أشرت على الإعلام الرسمي والمهيمن منذ وصول ساركوزي إلى الحكم، حيث امتزج خطاب اليمين المتطرف المعروف تقليديا بمعاداته للسامية وبوجود كثير من أعضائه المتهمين والمدانين من المحاكم بهذه التهمة، لكن الذي جرى منذ سنوات هو تقديم حزب اليمين المتطرف ولاء الطاعة للأوساط الصهيونية باعتبار أن الطرفين يحاربان المسلمين والعرب وهما في معركة واحدة، وهذا ليس بجديد إذ إن التاريخ يشهد على التحالف الصهيوني مع النازية من أجل تحقيق حلم احتلال فلسطين؛ وذلك بمد العون الكامل من قبل قادة الحكم النازي في المانيا لتهجير يهودها وتأسيس أول الكيبوتزات الصهيونية في فلسطين في عام 1933. في كل ما تقدم، ورغم كل ما يحصل من هيمنة إعلامية وترهيب قانوني إلا أن الشعب الفرنسي يؤيد عمومًا حق الشعب الفلسطيني ويعرف الحقيقة التاريخية لاحتلال فلسطين وما تزال أحزابه، ومنها حزب فرنسا الأبية المناصر الأول لهذا الحق والمدافع بقوة، وفي كل مكان ومناسبة ومع الاعتراف حالا بالدولة الفلسطينية، كما قال زعيمه جان لوك ميلنشون.