الصوت والصورة في أزمة باردة
وليد حسني
بدا المشهد جيدا وشعبيا الى أبعد حد ممكن..
الحكومة ظهرت خائفة ومرعوبة تحت قبة مجلس الأمة مساء الأحد الماضي، وصوت النواب يعلو محطما سطوة وربما جبروت السلطة التنفيذية، نائب يصدح بكل ثقة بسقوط الحكومة وفشل رئيسها، وعشرات النواب يوقعون على مذكرة يرهنون فيها استمرارهم بمناقشة مشروع قانون الموازنة بتراجع الحكومة عن رفع اسعار الكاز، والكهرباء.
في المشهد وعلى ذات الإطلالة البرلمانية المهيبة سيدة تصرخ بعلو صوتها ونائب يقاطع زميله، والفوضى بدت سيدة المكان، إلا أنها كانت من نوع تلك الفوضى التي يحبها الناس ويتجاوبون معها بكل اهتمام.
طارت اخبار الجلسة الفوضى في الخافقين، الكل يسأل عن النتيجة" هل تراجعت الحكومة عن رفع الاسعار؟ هل انتهت القصة؟ هل الخبز في أمان؟ هل نحن في امان؟ كم ستصرف الحكومة لنا بدلا نقديا عن دعم الخبز؟..الخ".
وفي الصورة المقابلة نواب اعلنوا بدون اي حرج تخوفهم من حل المجلس؟ونواب ذهبوا الى الإعلام ليعلنوا مباركتهم لحكومة د. هاني الملقي وقراراتها الحكيمة والرشيدة، بينما أخرون ينشغلون بالاتصالات مع الوزراء، وكأن القضية بكامل مخاطرها تحتمل أية صفقات خارج صندوق الأزمة.
بالأمس كان النواب يتحلقون والوزراء على مأدبة غداء فخيمة اقامها وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء د. ممدوح العبادي تكريما للنواب وللجان، وبالرغم من أن الدعوة معد لها مسبقا ولا علاقة لها بما جرى في جلسة الأحد الماضي إلا أنها بدت وكأنها من الإجتماعات محمودة العواقب فقد توافق الرئيس هاني الملقي، ورئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونه على الاجتماع في مكتب رئيس المجلس بعد وليمة الغداء.
الناس في الخارج ينتظرون ما ستسفر عنه نتائج الصد النيابي للحكومة وقراراتها برفع اسعار الكاز والكهرباء، وبالرغم من ان وجبة الغلاء ستطال كل مناحي الحياة فان النواب اهتموا تماما بالكاز والكهرباء، وكأن الخبز مشكلة لا علاقة لنا بها، وكأن موجة الغلاء ستضرب بعمق المجتمع الصومالي وليس في عمق المجتمع الأردني.
هذا المشهد لا يزال في مرحلة المخاض، ثمة تفاصيل كثيرة في المشاهد الأخرى يراد لها خدمة السيناريو بشكل جيد، وكذلك الحال في تنقلات الكاميرا،ومؤثرات الصوت والإضاءة، حتى الإكسسوارات فيتوجب توزيعها بشكل مناسب لخدمة حبكة القصة والعقدة قبل ان تبدأ مرحلة النزول عن الشجرة.
قد تقدم الحكومة تنازلا هشا على نحو التراجع عن رفع 4 فلسات لكل كيلو واط كهرباء وتقصره على فلسين او ثلاثة، وقد تخفض من نسبة رفع الكاز قرشا أو اقل، مما سينزع من النواب كل أسباب غضبهم، لتنتهي تفاصيل المشهد الشعبي بانتصارين مزدوجين تتقاسمه السلطتان التشريعية والتنفيذية.
بالأمس أرجأت اللجنة المالية اجتماعها بوزارة الطاقة في سياق مناقشاتها لمشروع قانون الموازنة،كما أرجأت مناقشة موازنات ثلاث وزارات ربما من أجل التأكيد على تماسك مجلس النواب في مواجهته للحكومة وقراراتها، إلا ان هذه المواجهة لن تستمر طويلا، فلا يزال مجلس النواب خلوا من الإرادة السياسية والدستورية التي تسمح له باستخدام سلطته العليا لإجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم وهذا امر لن يستطيع النواب مجرد التفكير فيه.
لقد مرت عشرات المواقف في المجالس السابقة الشبيهة بما يجري حاليا في خاصرة العبدلي، بل ان بعضها كان أكثر سخونة مما هي عليه الآن، إلا أن عملية التبريد كانت هي الأكثر نجاعة، لتنتهي كل تلك المواجهات بانتصارات مجانية للحكومات، وخسائر مجانية للنواب.
وبالنتيجة فان احتجاج النواب كان في مكانه تماما، فنحن كمواطنين نحتاج في هذه المرحلة أكثر ما نحتاجه للصوت.. فقط للصوت.. وسندفع كل ما تقرره الحكومة كونها الأكثر قدرة على التفكير، والأكثر اهتماما بمصالحنا وبحياتنا وبمستقبلنا..
الصوت مهم جدا وكذلك رضانا المطلق بما تقرره الحكومة بالنيابة عن..//