الحرب غرفة مظلمة ...
قال هتلر ان الحرب غرفة مظلمة تستطيع ان تدخلها، ولكنك لن تعرف ابدا ما الذي ينتظرك في داخلها، وقال صن تزو الاعظم بين القادة ليس المنتصر في مئة معركة، ولكن الذي لم يحتاج إلى قتال لينتصر، وقال لا تمارس ضغطا شديدا على عدو يائس، واذا تملكك اليأس فيجب ان تقاتل انتهى.
للحرب تأثير كبير على النفوس، فهي تغير البشر، وتصنع بشرا مختلفين، والناظر بعين المدقق للإنسان في جانبي الحرب يجد اختلافا كبيرا، فهؤلاء تظاهر اباؤهم من الص ا ها ينة واجبروا شارون بعد مجزرة صبرا وشاتيلا على الإستقالة، وهم اليوم من يدعم بقوة مخططات النتن ياهو في القضاء على كل فلسطيني على هذه الأرض، وهم من يتجاوز ويغض الطرف عن كل الخسائر التي يتعرض لها الكيان من قتل وخسائر مادية واجتماعية وخسارة للدعم والتعاطف الدولي، وسقوط للسردية الخالدة التي يتغنون بها، وخسارة لشعوب كانت تصطف خلفهم بكل قوة.
اليوم بدأت الشعوب الغربية تتغير والموقف العالمي المتعاطف معهم يتفكك، بل حتى محكمة مثل المحكمة البريطانية اعتبرت ان الدعم للفلسطينين هو دعم مشروع، ولا يعتبر معاداة للسامية ولا يستوجب اي موقف قانوني، في وقت كانت مجرد الإشارة إلى الكيان بأي عبارة لا تعجب تلك الفئة المتص ه ينة يعتبر معاداة للسامية، يدفع الإنسان ثمنا لذلك وظيفته واحيانا حريته في سبيل ذلك، وحتى بعض زعماء الدول الأكثر ص ه يونية نجده اليوم يعبر وبكل وضوح عن عدم موافقته لما يقوم به الكيان.
وتغيرت مواقف سياسين وبرلمانين في كل العالم، ومؤثرين في مواقع التواصل، وأصبحت معارضة الكيان وافعاله تملأ الفضاء الإلكتروني، بعد أن كانت محرمة ومجرمة وتستوجب الحجب والإلغاء والحرمان، وشعوب الأرض اليوم تتبنى مواقف اشد واكثر وضوحا تجاه ما يقوم به الكيان وجيشه ومتطرفيه، وتجاه كل ذلك الدعم الشعبي الذي يحظى به جيش الكيان وسياسيوه من اليهود الموجودين على ارض فلسطين.
لقد تغير المجتمع الص ه يوني بسبب هذه الحرب وأنتهج موقفا اكثر تطرفا من الفلسطينين والعرب والمسلمين بشكل عام، وهذا يظهر في مواقفهم ودعمهم واقوالهم، وما نطق به النائب في الكنيست والوزير إيتمار بن غفير بوجوب قتل الفلسطينين جميعا، وهذا ما يصرح به سموتيرتش وغيره من نواب اليمن المتطرف الذي يحكم الكيان حاليا.
هذا المنهج كان دائما موجودا في الكيان، ولكنه لم يكن في يوم هو السائد في هذا الكيان، ولكن الحرب صنعت صورها المشوهة، والخوف سيطر على النفوس، بحيث اصبح الواحد منهم لا يرى ابعد من أنفه ويسعى لحتفه، فهذه الأكفان التي تحمل يوميا لا تخص الفلسطينين وحدهم، وهذه الجراح والألام لا يتحملها الفلسطينيون وحدهم، ولكن هناك مشاعر غضب وخوف عميق تسيطر عليهم.
وهذه ما تجعل القرار في الكيان مخالف للمنطق والأعراف الدولية والقانونية والجنائية، وتضرب بقوة اساس كل قانون أو شرعية في العالم المتحضر بعرض الحائط، فهو يسعى لنصر ساحق يريد أن يحطم ارادة هذه الشعب ومن خلفه، ويريد ان يعيد قوة الردع والخوف والرعب.
ولكن ما يدركه كل عاقل داعم لهذا الكيان من امثال ماكرون وجون ميرشايمر وغيرهم ان ما يقوم به الكيان هو ضد مصلحته، ولن يحقق اهدافه، وان الكيان اليوم في خطر يزداد يوما بعد يوم، وكلما تمادى النتن ياهو ومن خلفه في غيهم فإنهم يعجلون بالكثير من النتائج والمفاجأت غير المتوقعة لهم، وهنا صدق هتلر وكيف لا وهو الخبير بالحروب والمدرك تماما لما تحمله وما تأتي به، وما هي النتائج المتوقعة منها، واعتدت دائما عندما أسمع القول من خبير أن أوليه اهتمامي حتى وان لم يرق لي.
للخوف تأثير عجيب يصاحب الحرب دائما، ما نراه اليوم من اهوال في هذه الحرب الغاشمة التي يشنها الكيان على قطاع اعزل، وهو يملك آلة حربية مصممة للقضاء على الجيوش المتقدمة والمتطورة في ساعات معدودة، ومدعوم من اقوى جيوش الأرض تكنولوجيا واستخباراتيا وتسليحا، هذه الإسلحة التي قتلت عشرات ألاف من البشر ومزقتهم إلى أشلاء، ودفنت احلامهم وحياتهم وممتلكاتهم وبيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وشوارعهم تحت رماد الحرب وغبارها، واصبح المكان ذكرى من ماض بعيد، وكأن الزمن ما مر يوما من هنا، وكأن آلة الحرب أخذت كل شيء معها.
ولكن مهلا فهذا الشعب يرفض الخضوع والإستسلام، هو يدفن جزء منه ويستمر حيا بالباقى، هو متعلق بهذه الأرض متصالح معها، يعشقها حتى الثمالة، ويرى أن كل ما يتعرض له قابل للإحتمال ويرفق كل ذلك بحمدا لله، حمد قل في هذا الزمان نظيره وانقطع خبره، وكنّا نسمع عنه في القصص التاريخية واحداث المعارك القديمة، ولكننا نراه اليوم حيا بأعيننا، وإن كانت تتعب العين احيانا من هول ما ترى، وهو واقف شامخ هناك كالجبل الأشم لا يلتفت، وبرغم كل الإلم والحرمان لا ينكسر.
ما أراه في غزة اليوم هو معجزة بشرية، ستغير كل شيء ليس فقط فينا نحن المسلمين ومن معهم من العرب، ولكنها تعمل على تغير العالم، ومن شك في هذا فليستقرأ أحوال اليهود قبل غزة، واحوال اليهود في العالم بعد غزة، نعم التغيير سيحتاج إلى وقت طويل، ولكن ما حققته غزة في عام عجز عنه العرب في مئة عام.
إبراهيم أبو حويله...