اقتصاديون: التوقعات الإيجابية للنقد الدولي تعكس ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد الوطني
أكد اقتصاديون أن توقعات صندوق النقد الدولي بنمو الاقتصاد الوطني خلال العام الحالي والمقبل، خطوة إيجابية تعكس ثقة المؤسسات الدولية بقدرة الأردن على مواصلة التعافي، وتؤكد مرونة ومنعة الاقتصاد الوطني.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن رفع الصندوق لتوقعاته للنمو في العام المقبل 2025 إلى 2.9 بالمئة، يأتي في وقت يواصل الأردن تنفيذ إصلاحات اقتصادية، والمضي قدما في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامجها التنفيذي، بهدف تعزيز الاستقرار المالي ودفع عجلة النمو رغم التحديات الإقليمية والعالمية وعلى رأسها العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان.
وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد المحلي نهاية العام الحالي بنسبة 2.4 بالمئة، في حين رفع من توقعاته للعام المقبل ليسجل نموا يصل إلى 2.9 بالمئة.
كما توقع الصندوق في تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" أن يصل التضخم في الأردن خلال العام الحالي عند نسبة 2.1 بالمئة، فيما توقع ارتفاع معدل التضخم إلى ما نسبته 2.4 بالمئة.
وقال الوزير الأسبق والخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني، إن التوقعات الحالية لصندوق النقد الدولي بشأن معدل النمو الاقتصادي في الأردن لعام 2024، والتي تبلغ 2.4 بالمئة، تُعد أقل من المعدل العالمي المتوقع البالغ 3.2 بالمئة، حيث هنالك فرق بمقدار نقطة مئوية واحدة، إلا أنه لا يزال يعكس تحسنًا في دخل الفرد في الأردن، اذ أن معدل النمو يتجاوز معدل الزيادة السكانية.
وأضاف أن صندوق النقد الدولي توقع نمو الاقتصاد الأردني بنسبة 2.9 بالمئة في عام 2025، ما يعني تحسنًا في النمو بمقدار نصف درجة مئوية مقارنة بالعام الحالي، ورغم أن هذه الزيادة ليست كبيرة، إلا أنها تُعزز نمو دخل الأفراد.
وأشار إلى أن التوقعات العالمية لعام 2025 تتنبأ بمعدل نمو يبلغ 4 بالمئة، ما يعني أن الاقتصاد الأردني لا يزال دون المعدل العالمي، عازيا ذلك إلى الظروف الجيوسياسية غير المستقرة، مثل الحروب وحالة التشتت التي يعيشها الاقليم والعالم حاليًا، والتي تؤثر سلبًا على معدلات النمو.
وأكد العناني أن صندوق النقد الدولي يواصل تحديث توقعاته، لا سيما مع انعقاد اجتماعاته السنوية، مشيرا إلى أن هذه التوقعات قد تشهد تعديلات في منتصف العام المقبل.
من جهته، أوضح عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان، المهندس موسى الساكت، أن السيطرة المستمرة على التضخم الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال عامي 2023 و2024 تعد شرطاً أساسياً للوصول إلى هذه النسب، لافتا الى أنه إذا استمرت السيطرة على التضخم فمن المحتمل تحقيق النمو المتوقع.
وأكد أن الأوضاع الأمنية المتوترة في المنطقة أثرت بشكل كبير على اقتصادات المنطقة، بما في ذلك المملكة، معتبرا أن الاستقرار النسبي في دول المنطقة سينعكس إيجاباً على معدلات النمو الاقتصادي.
ولفت الى أن تحقيق نسب النمو في ظل التغيرات الدولية والإقليمية بحد ذاته جزء رئيسي من التعاطي الحصيف للجهات الحكومية مع هذه الظروف، خصوصا متابعة رؤية التحديث الاقتصادي والعمل بشكل دؤوب على تحقيق المستهدفات الاقتصادية.
وتابع، أن هذه التوقعات تأتي ضمن مجموعة من الإنجازات الاقتصادية السابقة من أبرزها رفع التصنيف الائتماني للمملكة من قبل وكلات التصنيف الائتماني عالمية، منها وكالة ستاندرد آند بورز العالمية ووكالة موديز، وهو اول رفع تقوم به الوكالة منذ 21 عاماً، بالإضافة الى استمرار العمل على اجندة الإصلاح الاقتصادي مع الجهات الدولية والمانحة والتعاون الوثيق مع الأسواق الدولية، بالإضافة الى العمل على التحديات الهيكلية كمستويات الدين العام ووضعها في مسار الهبوط التدريجي.
وأكد المحروق، أن غالبية القطاعات الاقتصادية حققت مستويات من النمو خلال الربع الثاني للعام الحالي 2024 مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2023، حيث حقق قطاع الزراعة أعلى معدل للنمو خلال هذه الفترة وقطاع النقل والتخزين والاتصالات والكهرباء والمياه وقطاع الصناعات التحويلية، فيما شهدت بعض القطاعات تراجعا خلال الربع الثاني منها قطاع الصناعات الاستخراجية وقطاع الإنشاءات.
وأشار المحروق الى ان العديد من المؤشرات الاقتصادية قد حققت نموا خلال الفترات الماضية من أبرزها، ارتفاع الصادرات الكلية خلال الثمانية اشهر الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي بنسبة 2.8 بالمئة، كما وصلت الاحتياطيات الأجنبية الى 20.23 مليار دولار في شهر أيلول بنسبة نمو 11.6 بالمئة، عن نهاية عام 2023 وهي تكفي لتغطية المستوردات لفترة تقارب 8.1 شهر.
وتابع، " حققت مؤشرات القطاع المصرفي نموا في نهاية شهر آب من العام الحالي، لتصل إجمالي الموجودات الى قرابة 68.8 مليار دينار بنسبة نمو 4 بالمئة، عن نهاية عام 2023، كما نمت الودائع الى 46.3 مليار دينار الودائع وبنسبة نمو 5.8 بالمئة، عن نهاية عام 2023، كما بلغت إجمالي التسهيلات الائتمانية 34.6 مليار دينار وبنسبة نمو 3.6 بالمئة عن نهاية عام 2023".
وأوضح، أنه في ظل التوقعات المتاحة باستمرار القطاعات الاقتصادية بتحقيق مستويات النمو السابقة، فقد يشهد قطاع السياحة تحسناً ملحوظا خلال الفترات المستقبلية وارتفاعا بالدخل السياحي للمملكة، بالإضافة الى التوقعات حول تحسن مستويات الاستثمار الأجنبي وتحقيقه مؤشرات أفضل.
من جانبه، قال عضو مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي الأردني والمستشار في الاستثمار والأعمال محمد القريوتي، إن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول توقعات نمو الاقتصاد الأردني يعكس ثقة متزايدة في استقرار ومتانة الاقتصاد الوطني، كما تعد مؤشرا إيجابيا يعكس التقدم في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمبادرات التنموية التي تتبناها الأردن في مجالات اقتصادية وتنموية عدة.
وقال إن الدين العام والعبء المالي على الدولة يلعبان دوراً مهماً في هذا السياق، وأن أي تحسن في هذه المؤشرات حتى وإن كان طفيفاً، سيساهم في تحسين فرص النمو الاقتصادي في المستقبل، لاسيما أن هذه التوقعات تعتمد بشكل كبير على موازنة عام 2025.
وبين الساكت، أن تحقيق هذه التوقعات يتطلب استمرار الإصلاحات الاقتصادية، والمضي قدماً في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، إلى جانب تحسين بيئة الاستثمار وزيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية، ما سينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي المتوقع لعام 2025.
بدوره، قال المدير العام لجمعية البنوك الأردنية الدكتور ماهر المحروق، إن تقرير افاق الاقتصاد العالمي والصادر عن صندوق النقد الدولي أظهر أن مستويات النمو المتوقعة للمملكة 2.4 بالمئة، في عام 2024 هي ضمن مستوى الإقليم، اما مستويات التضخم للمملكة وهي 2.1 بالمئة في عام 2024 و2.4 بالمئة، في عام 2025، فهي اقل بكثير من المستوى الإقليمي، موضحا أن هذا يتوافق مع حصافة السياسة النقدية والإجراءات المالية التي يتبعها البنك المركزي ووزارة المالية للحفاظ على مستوى التضخم عند مستويات مقبولة محلياً.
وأكد القريوتي، أن التزام الحكومة بسياسات مالية ونقدية حكيمة ورصينة يعزز ثقة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي في متانة الاقتصاد الأردني، مبينا أن الأردن بفضل استقراره النسبي قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية بشكل أفضل مقارنة بالدول الأخرى.
وبين، أن هذه التوقعات قد تشهد مراجعات إيجابية إضافية في التقارير المستقبلية، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأردني يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو أكبر في الأعوام المقبلة.
وتوقّع أن تشهد أسعار الفائدة انخفاضاً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، بحدود 75 نقطة أساس مع نهاية العام الحالي وأن انخفاضا آخرا يمكن ان يتبعه، لافتا الى أن الانخفاض المحتمل يرتبط بعدة عوامل، أبرزها التوجهات الاقتصادية للفيدرالي الأميركي والمبني على القراءات الاقتصادية والمؤشرات المختلفة، إضافة إلى التطورات الجيوسياسية، والتحديات المحيطة، بما في ذلك الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن الأردن يتمتع باستقرار نسبي في أسعار السلع والخدمات رغم التحديات الإقليمية، ما ينعكس إيجاباً على استقرار القوة الشرائية للمواطنين وعلى تلبية احتياجاتهم ضمن نطاق معقول، مضيفا أن استقرار الأسعار، إلى جانب الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة بنسبة تتجاوز 30 بالمئة، يعزز من مرونة الاقتصاد الوطني ويخفض تكاليف الطاقة، مما يساعد في الحفاظ على استدامة النمو وتوازن كلف ممارسة الاعمال.
وأكد أن أي تخفيضات في أسعار الفائدة ستكون لها تأثيرات إيجابية على تكلفة الديون والتزامات الأعمال، خاصة للمقترضين، كما ستشجع المستثمرين على توجيه جزء من أموالهم المدخرة ولو بنسب متواضعة نحو قطاعات استثمارية جديدة وفرص استثمارية في أعمال مختلفة.
وقال إن هناك تفاؤلاً كبيراً بانتعاش بعض القطاعات الاقتصادية خلال العام المقبل، ولا سيما قطاع السياحة رغم تأثره سابقا خلال جائحة كورونا والظروف الجيوسياسية، متوقعاً أن يعود النشاط السياحي إلى مستوياته المعهودة في العام المقبل متزامنا مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في تنمية هذا القطاع.
ولفت إلى تجاوز احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية حاجز 20 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد، يعزز الثقة بالاقتصاد الأردني بشكل كبير، إضافة إلى قوة الدينار وثباته لعب دورا كبيرا في منعة الاقتصاد الاردني وإهتمام المراقبين، موضحا أن نسبة الودائع الادخارية بالدينار الاردني في النظام المصرفي تجاوزت 85 بالمئة، من اجمالي الودائع البنكية، ما يعكس متانة العملة وثباتها وثقة المدخرين بالعملة المحلية.
وأوضح أن هذا الثبات النقدي للعملة المحلية وارتباط الدينار بالدولار منذ عام 1995، يعتبر عنصراً إيجابياً ومهماً للاقتصاد الوطني ومحفزا للمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، وفي ظل التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، فإن انعكاس ذلك على كلف ممارسة الأعمال سيكون ايجابيا ومحفزا للقطاعات الاقتصادية.
وقال إن هناك عدة قطاعات اقتصادية تشهد نمواً ملحوظاً، بينها القطاع الصناعي والزراعي والصناعات التحويلية، حيث أثبتت هذه القطاعات قدرتها على التكيف مع التحديات، مشيرا إلى أن القطاع التكنولوجي وقطاع المعلومات يشهدان تحسناً، في حين يظل قطاع التجارة صامداً رغم ضعف القوة الشرائية في بعض المجالات.
وشدد على أهمية الاعتماد المتزايد على المنتج المحلي، حيث أن هذا التوجه يساهم في تقليل التكاليف على التاجر والمستهلك على حد سواء، من خلال تخفيض نفقات الشحن والنقل المرتبطة بالاستيراد والتي ستحمل على السلع المستوردة.
وأكد القريوتي، أن الاعتماد على المنتجات المحلية يعزز من دعم الاقتصاد الوطني ويسهم في توفير فرص عمل أكثر وتحقيق استدامة للنمو في مختلف القطاعات سواء على المستوى المحلي أو التوسع في الانتشار خارجيا كما يسهم في فتح الأسواق الجديدة للمنتجات الاردنية لانها اثبتت قدرتها على منافسة المنتجات العالمية.
--(بترا)