الأمن القومي السيادي الرقمي
صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية
في القمة الحكومية العالمية التي عُقدت مؤخرًا في دبي، كانت إحدى الجلسات بعنوان "الذكاء الاصطناعي والآفاق المستقبلية الجديدة." خلال هذه الجلسة، قدّم جين-سون هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة NVIDIA، رؤيته حول ضرورة تبني مفهوم الذكاء الاصطناعي السيادي كاستراتيجية حيوية للحفاظ على الأمن القومي. وأكد على أن حماية الأمن السيبراني والمعلوماتي أصبحت محورية، حيث أن التهديدات الجديدة للسيادة في العالم الرقمي غالبًا ما تكون تكنولوجية، مما يزيد من أهمية السيادة الرقمية للدول.
خلال عام واحد فقط، تضاعفت قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم بمعدل ألف مرة. تم تحميل مجموع المعرفة البشرية بالكامل في الفضاء الرقمي، وبينما قد نحتاج نحن البشر إلى ملايين السنين للاطلاع على هذا الكم الهائل من المعلومات، يستطيع الذكاء الاصطناعي استيعابها ومعالجتها بسرعة فائقة. تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيقوم بإنجاز 70% من المهام في مختلف القطاعات، مما سيزيد إنتاجيتنا البشرية بشكل غير مسبوق. ورغم ذلك، يجب علينا أن ندرك أن هذه التقنية تحمل في طياتها تحديات خطيرة، أبرزها التضليل الإعلامي وانتشار المعلومات المغلوطة، التي قد تهدد استقرار المجتمعات.
الأمن القومي السيادي الرقمي هو القدرة على تطوير وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل يخدم المصالح الوطنية ويحترم القيم الأساسية للدولة. في ظل التحديات الأمنية والتكنولوجية المتزايدة، يمنح هذا المفهوم الدول القدرة على حماية تقنياتها الحيوية، والتقليل من الاعتماد على الأطراف الخارجية، مما يعزز سيادتها الرقمية وأمنها القومي.
يمكن للدول أن توظف الذكاء الاصطناعي في مجالات عديدة مثل الدفاع، الأمن السيبراني، وإدارة الأزمات. على سبيل المثال، في مجال الدفاع، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الاستخباراتية بسرعة ودقة فائقتين، مما يعزز القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية. وفي مجال الأمن السيبراني، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد التهديدات السيبرانية والهجمات الإلكترونية بشكل استباقي، والتصدي لها بفعالية أكبر.
رغم أهمية الذكاء الاصطناعي السيادي، تواجه الدول عدة تحديات في تحقيق هذا الهدف. من أبرز هذه التحديات الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، بالإضافة إلى نقص المواهب والخبرات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أن التعاون الدولي يظل ضروريًا لتبادل المعرفة والخبرات، رغم أن الدول تسعى لتحقيق استقلالية تكنولوجية وسيادة رقمية.
لضمان تحقيق الأمن القومي السيادي الرقمي، ينبغي على الدول تطوير بنية تحتية قوية، ودعم البحث والابتكار، وبناء شراكات استراتيجية دولية. علاوة على ذلك، يجب عليها تطوير المواهب الوطنية ووضع أطر تنظيمية وأخلاقية لضمان الاستخدام المسؤول والشفاف لتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الإطار الأخلاقي ضروري لضمان عدم استخدام هذه التقنيات بطرق تتعارض مع القيم الإنسانية والحقوق الأساسية.
في النهاية، يمثل الذكاء الاصطناعي السيادي دعامة أساسية للأمن القومي والتنمية الاقتصادية في العصر الرقمي. ومن خلال تبني استراتيجيات مدروسة لتطوير وتطبيق هذه التقنية، يمكن للدول تعزيز سيادتها التكنولوجية، وضمان مستقبل مزدهر وآمن لمواطنيها. ومع ذلك، ينبغي على الحكومات تحديد أولوياتها سنويًا والتركيز على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وفعال لبناء مستقبل أفضل.