حسام الحوراني يكتب:هل سيختار الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم نواب و وزراء الحكومات في المستقبل؟

هل سيختار الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم نواب و وزراء الحكومات في المستقبل؟
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
 
هل يمكن أن نرى يومًا وزراء حكوميين او نواب يمثلون الشعب يتم اختيارهم من قبل الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم؟ إن دمج الذكاء الاصطناعي وحوسبة الكم يمكن أن يحدث ثورة في كيفية تشكيل حكومات المستقبل واختيار اعضائها او ترشيح النواب بشكل دقيق جدا ، مما يؤدي إلى قفزة نوعية في تحسين الأداء للحكومات المستقبلية واداء مجلس النواب. قد يبدو هذا السيناريو وكأنه من قصص الخيال العلمي، إلا أنه أصبح اليوم أقرب إلى الواقع مما نتصور.
هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أكثر عدالة في اختيار القادة؟
في الوقت الذي يعاني فيه العديد من الأنظمة حول العالم من اتهامات بالتحيز، الفساد، والمحسوبية، يطرح الذكاء الاصطناعي نفسه كبديل يمكن أن يوفر عملية اختيار أكثر شفافية وموضوعية. من خلال تحليل الأداء الوظيفي، السمات الشخصية، والقدرة على حل المشكلات ومراجعة تاريخ الاشخاص وانجازاتهم وتوجهاتهم ونواياهم، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الأشخاص الأكثر كفاءة وملاءمة لتولي المناصب الوزارية او اعضاء مجلس النواب. لا مكان للعواطف أو العلاقات الشخصية هنا، فالخوارزميات تحلل البيانات بشكل محايد ودقيق جدا بفوق تخيل البشر.
كيف يمكن للحواسيب الكمومية أن تلعب دورًا حاسمًا؟
إذا كانت الحواسيب التقليدية قد أحدثت ثورة في مختلف المجالات، فإن الحوسبة الكمومية تعد بنقل هذه الثورة إلى مستويات جديدة تمامًا. بفضل قدرتها على حل المشكلات المعقدة التي تحتاج إلى ملايين السنين لحلها باستخدام الحواسيب الحالية، قد تكون الحواسيب الكمومية قادرة على تحليل البيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل غير مسبوق.
تصور أن الحواسيب الكمومية يمكنها نمذجة ملايين السيناريوهات المحتملة للمستقبل وتقييم كيفية تفاعل مختلف الوزراء المرشحين او النواب مع هذه السيناريوهات. قد يساعد ذلك على اختيار الوزراء او النواب الذين يمتلكون القدرة على إدارة الأزمات وتحقيق أفضل النتائج على المستوى الوطني والدولي.
الفوائد المحتملة
كفاءة غير مسبوقة: يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات ضخمة من المعلومات حول المتقدمين للمناصب الوزارية او النواب في وقت قياسي، مع تحليل نقاط القوة والضعف بناءً على بيانات موثوقة.
الحد من التحيز: يمكن للذكاء الاصطناعي، إذا تم تصميمه بشكل صحيح، أن يقلل من التحيزات البشرية في اختيار الوزراء او النواب. بدلاً من التأثر بالضغوط السياسية أو الاجتماعية، يمكن أن يعتمد على المعايير الموضوعية فقط.
الاستمرارية والاستقرار: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضمن استمرارية الخطط والسياسات طويلة المدى، بغض النظر عن التغييرات في القيادة، مما يعزز الاستقرار الحكومي.
المخاوف والتحفظات
بالرغم من كل هذه الفوائد المحتملة، لا يخلو الأمر من التحديات. من يبرمج هذه الخوارزميات؟ هل يمكن ضمان عدم تحيز الذكاء الاصطناعي نفسه؟ وما هو الدور الذي سيلعبه البشر في صنع القرار إذا ما أصبح الذكاء الاصطناعي هو الذي يحدد الحكومات والنواب ؟ ماذا لو كانت البيانات اصلا متحيزة أو غير كاملة؟ ماذا لو تعرضت أنظمة الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم للاختراق؟ ماذا بشان الخصوصية ؟ ماذا عن دور الشعب في حقهم باختيار من يمثلهم؟ ماذا عن والديمقراطية ومفاهيمها الاساسية؟
هناك أيضًا تساؤلات حول مدى استعداد الناس لقبول فكرة أن يتم اختيار حكوماتهم او نوابهم بواسطة خوارزميات بدلاً من البشر. السياسات ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل هي تتطلب فهمًا للعواطف الإنسانية، الثقافات، والتفاعلات الاجتماعية التي قد لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهمها بشكل كامل.
 
في الختام
رغم أن فكرة اختيار الوزراء او النواب بواسطة الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم تبدو ثورية، إلا أنها تحمل معها تحديات وفرصًا. قد تكون الحكومات المستقبلية بالفعل أكثر كفاءة وعدالة بفضل التكنولوجيا، لكن يبقى التوازن بين الدور البشري والذكاء الاصطناعي أمرًا يحتاج إلى حوار عميق ومستمر. لكن علينا أن نتذكر دائمًا أن التكنولوجيا، مهما بلغت من التطور، هي في النهاية أداة في أيدينا. المسؤولية تقع علينا لضمان أن هذه الأدوات تُستخدم لخدمة الإنسانية وتعزيز قيمنا، لا لاستبدالها.
فلنتقدم إذًا نحو المستقبل بعيون مفتوحة وقلوب واعية، مدركين أن التحدي الحقيقي ليس في تطوير التكنولوجيا فحسب، بل في الحفاظ على إنسانيتنا وقيمنا في خضم هذه الثورة التكنولوجية. ربما يكون الهدف النهائي ليس الاستغناء عن قرارات البشر ، بل تمكينهم من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر عدالة لصالح الجميع.
وفي النهاية، تبقى الحكمة الإنسانية والقيم الأخلاقية هي البوصلة التي ستقودنا عبر هذا البحر الهائج من التغيير التكنولوجي. فلنكن نحن من يشكل التكنولوجيا، لا أن تشكلنا.