اقتصاديون : تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي يتطلب شراكة فاعلة بين القطاعين
أجمع اقتصاديون على أن المضي في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي تتسم بأنها عابرة للحكومات، يتطلب التعاون بين القطاعين العام والخاص وتفعيل الشراكة بينهما، وإيجاد معايير أداء واضحة ومعلنة ضمن إطار زمني محدد.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن المرحلة الحالية من تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي تتطلب التركيز على تعزيز وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي من خلال تحسين بيئة الأعمال والتشريعات، وتخفيف الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بالاستثمار وتطوير البنية التحتية الداعمة، إضافة إلى الشفافية في الإنجاز لضمان نجاح الرؤية، والوصول إلى تحقيق النمو الشامل المستدام.
وقال جلالة الملك في كتاب التكليف السامي:"يمضي الأردن بوضوح في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، التي تخضع للمتابعة والتقييم المستمرين، من خلال الآلية التي تم إنشاؤها في الديوان الملكي الهاشمي وبمتابعتي شخصيا، وفق برامج تنفيذية واضحة ومعلنة بسقوف زمنية محددة، لإطلاق الإمكانات وتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة الاستثمار وزيادة فرص التشغيل لأبناء الوطن وبناته، ولضمان نوعية حياة أفضل لشعبنا، وعلى الحكومة أن تعمل بشفافية وتوضح آليات عملها بدقة ومسؤولية".
وحددت رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقت رسمياً منتصف عام 2022 مسيرة الاقتصاد الوطني خلال سنوات مقبلة، والتي ستكون "عابرة للحكومات" وتؤسس لأردن جديد ومزدهر، يستند الى إرث كبير من الإنجازات التاريخية التي سطرها أبناء الوطن، ويمضي بكل ثقة على طريق الوفاء والبيعة.
وتستهدف رؤية التحديث الاقتصادي التي شارك في صياغتها القطاع الخاص بمختلف مكوناته، إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل وسط تحدٍ هو الأكبر أمام الاقتصاد الوطني، يتمثل باستيعاب أكثر من مليون شاب وشابة في سوق العمل، وزيادة فرص العمل من 1.6 مليون فرصة إلى 2.6 مليون فرصة خلال السنوات المقبلة.
وترتكز الرؤية على النمو المتسارع والارتقاء بجودة الحياة في إطار نهج مستدام، وعبر ثمانية محركات لنمو الاقتصاد، تغطي 35 مـن القطاعات الرئيسـة والفرعية، وتتضمـن أكثر من 366 مبـادرة، و10معايير لقياس الأداء، و4 جهات مسؤولة عن التنفيذ ضمن إطار زمني متسلسل ومرحلي، وبتكلفة 41 مليار دينار.
إلى ذلك، أكد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسَّان ضرورة التَّوافق التَّام بين جميع الوزارات والمؤسَّسات الحكوميَّة على الأهداف والمشروعات المنبثقة عن رؤية التَّحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام، والالتزام الجدِّي بتنفيذها.
وشدَّد حسَّان خلال الورشة الاقتصاديَّة التي عقدتها الحكومة للوزراء والأمناء العامِّين ومدراء الدَّوائر والأقسام المعنيَّة بمتابعة الإنجاز في رئاسة الوزراء، على ضرورة أن يكون الالتزام بالتَّنفيذ جديَّاً ومستمرَّاً على مختلف مستويات الجهاز التَّنفيذي.
وقال رئيس الوزراء إنَّ أمامنا ثلاثة أمور أساسيَّة حتى يستطيع الأردن التقدَّم وتحقيق النَّجاح في برامج التَّحديث وهي: الإرادة والإدارة والتَّنفيذ ،مؤكدا أهميَّة الاستمراريَّة في تنفيذ الخطط والبرامج والتي تمثِّل الاستمرار بالإرادة التي بُنيتْ عليها خطط التَّحديث خلال السَّنوات الماضية، وبتوافق وشراكة وطنيَّة واسعة.
وأكد الوزير الأسبق، الدكتور إبراهيم سيف، أن رؤية التحديث الاقتصادي تعتمد على ثمانية محركات رئيسية، وتهدف بشكل أساسي إلى تشجيع الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص على الدخول في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وأوضح أن تخفيف الإجراءات البيروقراطية غير الضرورية التي تعيق الاستثمار هو أمر ملح، مشددًا على ضرورة إعادة النظر في بيئة الأعمال في أقرب وقت ممكن، ليس فقط لتعديل وتحسين القوانين، بل لضمان تطبيقها بمرونة وسهولة، بما يسهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأشار سيف إلى أن الحكومة تمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف من خلال رؤية التحديث الاقتصادي، داعيًا إلى وضع معايير أداء واضحة، تشمل تحديد الأولويات التي يجب معالجتها، سواء ما يتعلق بالبيئة التشريعية أو البنية التحتية أو تدريب العمالة أو توفير التمويل اللازم .
واضاف أن هذه المعايير يجب أن توضع في "مصفوفة تنفيذ الإجراءات"، بحيث تكون مرجعية واضحة لكل إجراء، تحدد الإطار الزمني والكلفة المتوقعة.
وأكد أن جهودًا سابقة بذلت لصياغة مثل هذه المصفوفة الإجرائية، إلا أنه يجب الآن أن تكون متاحة للجميع، بما في ذلك اللجان المختصة في مجلس النواب، والقطاع الخاص، والإعلام، لضمان الشفافية وتحقيق الأهداف المرجوة، مشيرا إلى أن تعديل القوانين أو تحسين بيئة الأعمال ليس غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحفيز الاستثمار وتحقيق النتائج المطلوبة.
وبين الوزير سيف أن النجاح في هذا الإطار يتطلب تحديد إطار زمني لتنفيذ الإجراءات، وتأمين الموارد المالية اللازمة، وتوضيح آلية الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، مشددا على أهمية وجود جهة حكومية مرجعية لمتابعة التنفيذ، تكون مرتبطة مباشرة برئاسة الوزراء لضمان الاستمرارية والفعالية.
بدوره، أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، الدكتور وسام الربضي، أن المضي في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي يتطلب تعاوناً مكثفاً بين أعضاء الفريق الاقتصادي، مشدداً على أهمية الجرأة في اتخاذ القرارات التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح أن الشفافية في الإنجاز هي عنصر أساسي لضمان نجاح رؤية التحديث الاقتصادي، مشيراً إلى أن العمل ببرنامج تنفيذي مفصل يتضمن مؤشرات أداء حقيقية وجداول زمنية محددة سيسهم بشكل فعال في تحقيق الأهداف.
وأشار الربضي إلى أن متابعة التنفيذ من قبل طرف مستقل يعزز الثقة ويضمن النزاهة، ما يسهم في تحقيق النتائج المتوقعة وفق الخطط الموضوعة.
وقال الدكتور الربضي أن الشفافية والمساءلة تسهم بخلق بيئة عمل تدعم الثقة المتبادلة بين الحكومة والمواطنين، مشدداً على ضرورة استمرار العمل الجماعي والتعاون الفعال بين جميع الأطراف لتحقيق الرؤية المستقبلية للاقتصاد الوطني.
من جهته، أكد رئيس غرفة تجارة الأردن، خليل الحاج توفيق، أهمية إن يلمس المواطن تدريجيًا نتائج رؤية التحديث الاقتصادي، ما يستدعي وضع حلول سريعة وملموسة، تتوافق مع تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة.
وأشار الحاج توفيق إلى أهمية إجراء تقييم للفترة الماضية ومراجعة جميع بنود الرؤية، لا سيما في القطاعات التي تضررت جراء الأوضاع الجيوسياسية، مثل السياحة والاستثمار.
ودعا الحاج توفيق إلى عقد جلسات عصف ذهني تشاركية بين الحكومة وجميع اللجان المعنية بالرؤية، والبالغ عددها 16 لجنة، بهدف إجراء تقييم صريح وشفاف في ضوء المعطيات الحالية.
وأوضح أن التركيز في الرؤية كان على التجارة الإلكترونية، لكن لم توضع أنظمة أو تعليمات تنظم هذا القطاع، ما أثر على بعض القطاعات التجارية التي تعرضت لتراجع في نشاطها بفعل المنافسة غير العادلة من الطرود البريدية.
واشار الى أن رؤية التحديث الاقتصادي هي الخيار الوحيد المتاح لتسويق وتشجيع الاستثمار، ولاسيما في ظل التنافس الإقليمي على استقطاب المستثمرين، ما يتطلب إدخال تعديلات تجعل الأردن بيئة أكثر جاذبية للاستثمار.
من جهته، قال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، إن رؤية التحديث الاقتصادي ليست مرتبطة بأشخاص أو حكومة معينة إنما هي رؤية عابرة للحكومات،مبينا أن تنفيذ البرامج مستمر ولن يتغير بتغير المسؤولين، وهذه رسالة أكدها جلالة الملك بكتاب التكليف ما يؤكد لنا أن سير الحكومة الجديدة بتنفيذ رؤية التحديث لا بد وأن يتصاعد ويتسارع.
وأضاف الجغبير" إننا نأمل من الحكومة الجديدة بأن تعمل على تنفيذ الرؤية وفق محاور واضحة؛ أولها تقييم مسار الإنجاز والبناء على مكتسبات ما أُنجز خلال الفترة الماضية، وإظهار مدى تطورها وإلى أي مدى تتواءم هذه النتائج مع ما كان يرجى تحقيقه وترتيب وإعادة الأولويات وفقاً لذلك".
وبين ان من المحاور كذلك، بحث جوانب وأسباب التأخير ومراجعة ومتابعة المعيقات التي واجهت عملية الإنجاز والعمل على تصحيح مسارها،مؤكدا أن أساس المرحلة المقبلة بالنسبة للحكومة هو إنجاز الرؤية ومتطلباتها من خلال المتابعة والتنفيذ والرقابة والتعاون مع القطاع الخاص.
وأشار إلى أن الرؤية ركزت وراهنت بشكل واضح على القطاع الصناعي لتضعه كأحد القطاعات الواعدة بإيلائه ثلث مستهدفات الرؤية، والتي جاءت من إيمان القيادة بالدور الكبير للقطاع في خلق فرص العمل وزيادة معدلات التوظيف، ولاسيما توسيع نطاق قدرات الصناعة الوطنية سيسهم بخلق المزيد من فرص العمل، والحد من معدلات البطالة بين الشباب الأردني.
وأوضح المهندس الجغبير ضرورة توحيد القرارات الاقتصادية على مستوى مختلف الوزارات والجهات المعنية، مؤكدا أهمية تشكيل لجنة التنمية الاقتصادية، لتتابع بشكل دوري مدى فاعلية تنفيذ البرامج لضمان سيرها بالشكل المطلوب والتي يجب ان تتم ترجمتها وملامستها بشكل فعلي على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة .
بدورها، أكدت المديرة التنفيذية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني نسرين بركات، أنه في هذه المرحلة، يتطلب من الجميع التركيز على تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي على أرض الواقع، من خلال تنفيذ المشروعات الاستثمارية والتنموية بالشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص.
وأضافت ان ما تم إنجازه حتى الآن، هو تنفيذ إجراءات تحضيرية لتهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة وتمكين القطاع الخاص، مشددة على انه لابد في هذه المرحلة، من العمل على ما تم إنجازه لتحريك عجلة الاقتصاد، وبالتحديد تحقيق النمو المستدام، وخلق فرص عمل للشباب.
وأوضحت أنه في ظل العديد من التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن ومنها واقع المالية العامة، والظروف الإقليمية الملتهبة، يتوجب على الفريق الاقتصادي الحكومي التواصل ولقاء الشركات الصناعية والتجارية والخدمية الكبرى والمصدرين للبحث في استراتيجية استثماراتهم الحالية والمستقبلية، من اجل تعزيز تنافسية تلك القطاعات ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ودورها في خلق فرص العمل.
وشددت بركات على ضرورة التشاور مع القطاع الخاص عند اخذ القرارات الاقتصادية، لاسيما وان القطاع الخاص شريك أساسي قادر على تحمل مسؤولياته بما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
ورأى عضو مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع والخبير الاقتصادي الدكتور عدلي قندح، أن المضي في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي بنجاح وفق توجيهات كتاب التكليف السامي، يتطلب مجموعة من العوامل الرئيسية التي يمكن التركيز عليها.
وقال إن من هذه العوامل التنفيذ الفعّال للبرامج التنفيذية، حيث أن الحكومة الجديدة ستكون ملتزمة بشدة بتطبيق البرامج التنفيذية المعلنة ضمن الأطر الزمنية المحددة لان غالبية الفريق الوزاري شارك في إعداد رؤية التحديث الاقتصادي، وسيكون هناك تعاون بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لضمان التزام الجميع بتنفيذ هذه الرؤية.
وأضاف قندح أن تنفيذ الرؤية يتطلب المتابعة والتقييم المستمرين، وجاء في كتاب التكليف، الآلية التي أنشئت في الديوان الملكي سيتم اتباعها للتأكد من تنفيذ المشروعات وسيتم القيام بتقييمها بشكل دوري، معتقدا أنه ستكون هناك تقارير شفافة وواضحة توضح مدى التقدم المحرز وأي تحديات تعيق التنفيذ.
وبين أن نتفيذ الرؤية يتطلب تعزيز الاستثمار، حيث ستعنى الحكومة وستركز على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال توفير بيئة أعمال ملائمة، بما في ذلك تحسين التشريعات وتقليل الإجراءات البيروقراطية، وسيكون التركيز على تطوير البنية التحتية الداعمة للاستثمار وتحفيز الابتكار.
وأوضح قندح أن الحكومة ستركز على القطاعات التي توفر فرصًا حقيقية للتشغيل، مثل التكنولوجيا والصناعة والخدمات المتقدمة بالتركيز على السياسات الموجهة نحو تأهيل الشباب لسوق العمل من خلال برامج التدريب والتعليم المهني.
وأكد أنه لتحقيق نمو شامل ومستدام، ستكون الرؤية موجهة لتحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين، وكما ذكر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان في الاجتماع الاول لمجلس الوزراء ستكون هناك زيارات ميدانية دائمة واجتماعات دورية شهرية في المحافظات لتلمس حاجات المواطنين وتحسين الخدمات العامة المقدمة لهم مثل الصحة والتعليم والنقل، والحد من التفاوت الاجتماعي.
ولفت الى أن كتاب التكليف ركز على العمل بشفافية كاملة والتوضيح للجمهور آليات عملها وتوجهاتها الاقتصادية، مشيرا الى أن هناك قناعة لدى رئيس الوزراء بضرورة التواصل المنتظم مع المواطنين، وتوضيح الإنجازات والتحديات بشفافية ومسؤولية .
وذكر الدكتور قندح أنه لضمان تحقيق مضاعفة الاستثمار وزيادة فرص التشغيل، ركز كتاب رد الحكومة على اهمية الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، من خلال تقديم الحوافز، وتبسيط القوانين، وتوفير مناخ مشجع لرواد الأعمال.
--(بترا)